قول في “الواليات” آمال وآمنة
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
بين واليتي الشمالية والنيل، أمال محمد عزالدين (النيل) وأمنة محمد مكي (الشمالية) شبه غريب بسيدتين من شهيرات النساء في تاريخ الإقليم. والسيدتان التاريخيتان هما فاطمة بت جابر من ذرية غلام الله بن عائد. المعروف أنها كانت في مقام أخوتها الأربعة (إبراهيم، عبد الرحمن، عبد الرحيم، وإسماعيل) في علم الدين وتعليمه. أما السيدة الأخرى فأمونة بت عبود شيخ عرب السواراب الشايقية وشقيقة مهيرة بت عبود المعروفة.
ما يجمع بين الواليتين وفاطمة بت جابر وأمونة بت عبود أن الأخيرتين ولدتا في الشمالية في التقسيم الحالي وازدهرت مأثرتهما في ولاية النيل. فولدت فاطمة بت جابر في جزيرة ترج عند نوري وهاجرت تضامناً مع ولدها محمد الصغير الذي اختلف مع أخواله. فهاجرا إلى بلاد الأبواب وهي دار الجعليين. وأوقدت فاطمة نار العلم في بلدة قوز العلم. ونُسب إلى بابكر بدري إنه قال إنها من رادت تعليم البنات قبله. ومن ذريتها الدكتور انتصار صغيرون وزيرة التعليم العالي.
أما أمونة بت عبود فقد ولدت في أوسلي وتركتها إلى وادي بشارة في دار الجعليين قريباً من المتمة. وبدا أن ذلك كان تهجيراً بعد هزيمة الشايقية ضد إسماعيل بن محمد علي في معركة كورتي. فقد أصرت صفوة الشايقية أن تظل على فروسيتها برغم هزيمتها فاستوعبهم الأتراك في جيشهم. وكان ذلك سبب منشأ المهاجرة الشايقية في حلفاية الملوك وغيرها.
سمع الكثيرون بمهيرة بت عبود دون أمونة العابدة الصالحة المعلمة. فأوقدت نار القرآن في خلوتين للنساء والرجال في وادي بشارة. وذكر رفاعة رافع الطهطاوي خلاويها خلال فترة “منفاه” في السودان في عصر الخديوي سعيد باشا. وكان لها صيت بين حجيج غرب أفريقيا “يقدمون عبر دارفور وكردفان ثم ينزلون النيل ناحية أم درمان، ومنها ينحدرون شمالا حتي بربر ثم ميناء سواكن. وقد كان يزورها الحجيج الافريقي السوداني يقطعون المراحل بالإبل وعلي أرجلهم. ولهم في كل مرحلة منزلة معلومة يجدون فيها الطعام والأمن. وصارت دار أمونة بت عبود منزلا للحجيج الافريقي السوداني وكل الذين يسافرون بالضفة الغربية للنيل. وقد كان غبطتها بالدارسين عظيمة اذ كانت تنفق عليهم من زرعها. وكانت تمتلك أرضا واسعة على النيل. ولديها نفر من أقاربها ممن يحسنون العمل الزراعي. وخصصت ساقيتين لزراعة القطن وبعد حصده تغزله نساء الحي وطالبات القرآن. واستخدمت نساجين من جهات المتمة والجبلاب وبعد النساجة توزعه كساء للطلبة والطالبات. وما زاد تتصدق به على الحجيج وغيرهم”.
وخلد مأثرة أمونة الشاعر الفحل خالد مصطفى “قول في الصالحات أمونة بت عبود”. وتجد المدحة بحقها أدناه نذيعها ضوعا حمداً للرب أن خصنا دون العالمين بواليتين من كرائم نسائنا بنسب معقود إلى فاطمة بت جابر وأمون بت عبود رحمهما الله.