قوى الحرية والتغيير: هل انتهت فاعليتها في المشهد السياسي؟
كتب: صلاح شعيب
.
حتى الآن لا ندري إن كانت قوى الحرية والتغيير ما تزال جزءً من المعادلة السياسية، أم أنها أصبحت مهيضة الجناح، وبالتالي تغرد خارج سرب الانتقال. ولعل الموضوع له علاقة بنحر كل الأطراف الثورية للشفافية التي تصورنا أنها في الوضع الديموقراطي متوفرة بشكلٍ دائم بينما غيابها علامة بارزة للديكتاتوريات.
فلا مجلس الوزراء مجتمعاً، ومعظم وزاراته، ولا المجلس السيادي، ولا قحت، أو الأحزاب التي تشكلها قادرة على الخروج من حروبها الداخلية، للرد على أسئلة كثيرة يحتاج الرأي العام إلى تنوير حولها. ولعل الزميل مرتضى الغالي أشار قبل أيام إلى واقعة تعليق مسؤول على مقال مهم له. فاكتفى أحد الوزراء أن يقنعه بتبريرات سرية حول بقاء مساعد الأمين العام للجامعة العربية، وممثلة السودان في مفوضية الاتحاد الأفريقي، في منصبيهما فيما يعرف الداني والقاصي أنهما كانا نافذين في المؤتمر الوطني. بل إن كمالا حامت الشبهات حوله بوصفه متهمًا برعاية مقتل طلاب العيلفون.
وقد فضل ذلك الوزير الذي لم يسمه الزميل مرتضى الكتابة بصورة شخصية له بدلا من أن يرد على هذا الموضوع الذي ظل الرأي العام يثيره منذ الأيام الأولى للثورة، ولا ندرك حتى هذه اللحظة لماذا تعتم الحكومة على هذا الموضوع، ولا تنوي مكاشفة جمهورها على احتفاظها بفلول المؤتمر الوطني في مواقع حساسة إلى الآن.
وقبلها دست وزارة الخارجية رأسها في الرمال حينما أثار السودانيون المقيمون في الخارج أمر سفراء ممكنين، وهم ينتمون لجهاز الأمن، وقد أعادتهم الخارجية كسفراء، وبذات القدر سدت الحكومة أذناً بطينة، والأخرى بعجينة لردع النقد، وذلك في شكل فيه تعالٍ على نشر الحقيقة، إن لم يكن أشبه بالاستهبال الصامت، والذي لا يليق بحكومة أنجبتها ثورة بحث طلابها عن الشفافية، والأخلاق، والصدق.
فقوى الحرية والتغيير التي استلمت أمانة الثوار أهملت وحدتها، ونشطت بفعل الصراعات الحزبية التي تشجع العسكر في كل مرحلة ديموقراطية للانقضاض على السلطة. فالتحالف العريض الذي ضم أحزابا كبيرة، وحركات مسلحة، وقوى مدنية، ظل في حال أشبه بالموات منذ انسحاب الحركات المسلحة، وحزب الأمة، وتجمع المهنيين، عنه. ولعل أول الذين يتحملون المسؤولية لوصول قحت لهذا المدى من التشظي هذه القوى المنسحبة التي فضلت أن تترك الأمانة التي حملها إياها الثوار في قارعة الطريق لتعفي نفسها من المسؤولية، هكذا وبكل برود.
على أن الجماعات المتبقية التي تشكل قحت المشلولة الآن مسؤولة جميعها عن ما آل إليه الوضع في البلاد ما دامت فشلت في أن تقدم المصلحة الوطنية في بقاء التنظيم متحدا بوصفه حاضنة الثورة، والحكومة، والفترة الانتقالية. ومهما تكن تبريرات الكتل، أو الأحزاب التي تشكل تحالف قحت، فإن المسؤولية التضامنية كانت تتطلب السمو فوق الخلافات حول التعاطي مع بعض القضايا، والوصول إلى حد أدنى من التوافق ما برح العمل الجبهوي الحزبي هو صمام الأمان للوصول بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان.
على أن الحال الذي وصلت إليه قحت مفهوم بالنظر إلى التمايزات الأيديولوجية الحادة في بنية المشهد السياسي. فأحزابنا منذ الاستقلال تتآمر على بعضها بعضاً، ولا تعرف تقديم المصلحة الوطنية على الحزبية. وطوال تحالفاتها تعمل من جانب آخر لما يعمق الشقاق الوطني، وذلك سبب أساسي لوصولنا لهذه المرحلة الحرجة في تاريخنا السياسي. ففي كل المراحل الانتقالية السابقة، وكذلك الفترات الديموقراطية، شاهدنا كيف أن العصبية الحزبية هي التي تحكم مواقف الأحزاب دون إعلاء مصلحة البلاد. ولهذا كان من الطبيعي أن يتمزق تحالف قوى الحرية والتغيير، وهو لما يكمل عامه من خلال موقعه كحاضنة للحكومة.
هذا الوضع المأساوي ساعد رئيس مجلس الوزراء الذي أتت به قحت، وأعضاء نافذين من الجناح العسكري، من الانفراد بالقرارات الجوهرية حول الاقتصاد، والسلام، والتعيينات الوظيفية، والتعامل مع المجتمع الإقليمي والدولي، ومواضيع أخرى. ولاحظنا شكاوى مكونات قوى الحرية والتغيير المتبقية تجاه تجاوزها في القرارات الحساسة لمجلس الوزراء، وتغول المجلس السيادي على ملفات ليست من اختصاصه.
لقد فرضت اتفاقية السلام الموقعة بجوبا تحت تأثير مجلسي الوزراء والسيادي، وغياب الدور الأساسي لأحزاب قحت، وضعا جديدا يتطلب إعادة تشكيل المرجعية الانتقالية، وتكوين المجلس التشريعي لإجازة الاتفاقية، أو رفضها إذا كان من حق الأعضاء الموقرين ممارسة هذا الدور. ويبدو أننا مع غياب الشفافية تجاه المواطنين موعودون بمشاكسات حزبية في الفترة القادمة حول ما رشح عن إعادة ترميم قوى الحرية والتغيير لاستيعاب اللاعبين الجدد من الحركات المسلحة، واختيار عضوية التشريعي، وعلى كل حال الله يستر.
لا يتحمل وزر هذه الفوضى السياسية التي نشاهد ذيولها في معظم مرافق الحياة سوى مكونات الحرية والتغيير التي تحررت بعضها عن مسؤوليتها كحاضنة، وبقيت المكونات الأخرى عاجزة عن أن تفرض نفسها كقوى مسؤولة عن استدعاء حمدوك لمساءلته عن هذه الإخفاقات الكثيرة في أكثر من ملف، أو عرقلة استفراده بقضايا جوهرية دون الرجوع لحاضنته التي جلبته ليكون ممثلها لقيادة البلاد.