(كبسيبة) السفارة السودانية في أبوظبي: وبكى بعضي على بعضي معي..!
للأسف سجلت السفارة السودانية في الإمارات بالأمس (صفراً كبيراً)..وللأسف أيضاً كان مشهد جموع المغتربين التي تدفقوا على السفارة بغير تنظيم أيضاً (شريك مساهم) في مشهد فوضوي حول (موضوع بسيط) خاص بتجديد الجوازات..! مشهد أحزن السودانيين الذين تقاطروا على السفارة أنفسهم.. رغم أنهم انخرطوا في (الجوطة) وساعدوا السفارة في (سيناريو السبهلليه) وأحزن المشهد أيضاً من لم يحضر لعدم حاجته للخدمة؛ كما شارك في الأسى السودانيين في المدن الأخرى؛ ولحقت وصمة المشهد الفوضوي بالسودانيين كلهم وأصبحنا جميعاً (شركاء في الأسى) كما يقول موشح ابن زهر الأندلسي (..وبكى بعضي على بعضي معي).. !
كان مشهداً لا يليق.. ويمثل تشويهاً لصورة السودانيين بحيث لم تتم فيه مراعاة ضوابط (التباعد الصحي) الخاصة بوباء كورونا أولاً .. ولم يحدث الانتظام الذي يجب أن يتم إتباعه (حتى في غياب الكورونا) ثانياً ..وثالثاً كان من الأوجب أن يتم هذا الإجراء في شكل حضاري من باب احترام الذات.. ورابعاً كان المشهد يمثل خرقاً مؤسفاً للالتزام بلوائح الدولة المُضيفة ..! وحتى إذا لم يكن الانتظام والأسلوب الحضاري من أجل احترامنا لأنفسنا كان يجب على اقل تقدير أن نراعيه في البلاد التي يقوم طابعها العام على الانتظام في كل مجالات حياتها وأنشطتها وخدماتها..!
السفارة لم تقنع أي شخص بالأمس بأنها اتبعت أساليب جديدة تحترم مواطنيها؛ ومضت في ذات سكة سلوك السفارات في عهد الإنقاذ (المسنوح).. وحتى من الناحية الفنية البحتة فشلت في التحكم بإدارة أمر لا يحتاج إلى أكثر من خطة بسيطة يمكن أن يعدها (أي هاوي) لترتيب وتنظيم طريقة الحضور وتسليم الجوازات؛ فهي عندما أعلنت عن تجديد الجوازات كانت تعلم أن الآلاف سوف يتدفقون على السفارة..ولكنها لم تقم بأي ترتيبات تنظّم استلام الجوازات بسهولة ويسر؛ سواء بتحديد الحضور المتتابع بالترتيب الأبجدي للأسماء، أو بتحديد مواقيت للنساء والرجال، أو بحسب أقدميه تواريخ انتهاء صلاحية الجواز، أو بالجدولة المُعلنة وفق ساعات اليوم الصباحية والمسائية، أو جدولة الحضور بأيام أيام الأسبوع أو الاستعانة بمساحة النادي السوداني، أو تحديد أعداد الحضور وفق النسبة التي تستطيع انجازها..الخ كما كان عليها الالتزام بنظام التباعد (فهل تستطيع السفارة – لا قدر الله- أن تتحمّل مسؤولية أي انفجار وبائي نتيجة لهذا التلاصق و”التدافر” والتنافر الذي شهدته ساعات ذلك اليوم) ؟! كان يمكن للسفارة أن تستعد لهذه الأعداد الكبيرة بتوسيع المنافذ الكافية لاستلام عشرات الجوازات في وقت قصير وفي (بيئة إنسانية) حتى لو اضطرت لتحديد 20 طاولة يجلس عليها عشرون من الموظفين وكل كادر السفارة و(حتى السفير نفسه)..! فماذا يمنع من ذلك في عمل يوم واحد.. وفي ظروف استثنائية..؟! وما السفراء والوزراء إلا خدام لدى الشعب..فما جدوى جلوس قيادات السفارة في مكاتبهم بعيدين عن ا(لزيطة والزمبريطة) و(سوق الزلعة) الذي تم نصبه تحت أبصارهم داخل السفارة وخارجها..؟!
كان المشهد محل استهجان واسع لكل من شاهده أو شارك فيه أو سمع عنه.. ازدحام فظيع وتزاحم بالمناكب (وبالنواصي والإقدام) وصراخ وصياح وتشاحن ومواجهات وفوضى ضاربة الأطناب سببت إزعاجا ملفتاً في الضاحية الدبلوماسية الهادئة وما حولها والطرق المؤدية إليها والسفارات المجاورة ومواقف السيارات.. كما سببّت إزعاجاً وإرهاقاً لمسؤولي الحركة الذين كانوا ودودين مشفقين ولم يغلظوا على هذا الهرج والمرج رغم علمهم بتجاوز ضوابط الانتظام والمرور وركن السيارات.. وكان امرأ محرجاً أيضاً للدماثة السودانية والسمعة الطيبة للسودانيين والتفاعل الايجابي مع ثورتهم الجديدة وخبرة الناس القديمة معهم كأهل احترام ومعقولية وحصافة..!
كلنا كسودانيين في هذا البلد الطيب مسؤولون عن فوضى الأمس وما كان أيسر على السفارة أن تنظم نفسها لإدارة هذه الخدمة التي لا تحتاج إلي دروس (ما بعد الظهيرة) ولا إلى (لوغريثمات) وكان يمكن أن ينهض متطوعون سودانيون من الشباب بكل هذا الإجراء حتى بتجميع الجوازات من الدور والأحياء برفقة كوادر السفارة.. وكانت هناك ألف كيفية وطريقة لتفادي هذا المناظر المشينة التي تقلل من قيمتنا كسودانيين.. ولكن هذا ما حدث ..ولا بد أن الجاليات الأخرى والسفارات الأخرى راحت تنظر وتسجل بدهشة هذه الفوضى التي ما كان ينبغي أن تحدث في أمر من أمور الخدمة المدنية الروتينية كان يمكن أن يتم بمنتهى السلاسة… وإذا كانت السفارات لا تستطيع أن تنظم خدمة صغيرة عابرة مثل تجديد الجوازات فهل ننتظر منها أن تجيد تنظيم العلاقات الدولية في هذا العالم المضطرب..!!
نحن كسودانيين (والشهادة لله) ننساق في كل أمر يجمعنا بإعداد كبيرة إلي العشوائية وعدم الانتظام (وكلنا في الهوا سوا) هذه هي الحقيقة حتى يجب الاعتراف بها حتى لا نكذب على أنفسنا.. نحن لدينا مشكلة في الانضباط والسلوك المتحضر واجب الإتباع في الالتزام بصفوف الخدمات وحتى قيادة السيارات ..الخ ولكن علينا من الآن فصاعداً أن نجعل شعارنا الانتظام واحترام النفس واحترام القانون واحترام الآخر واحترام الوقت وإتّباع الدقة والعلمية التي أنجز بها شباب السودان ثورة بحجم ثورات العالم الكبرى بل بالتفوق عليها من حيث السلمية والانضباط والسماحة والرحابة والإبداع …وينبغي أن نرتّب أنفسنا لسلوكيات جديدة وألا نقبل بعد هذه الثورة المجيدة بالتحجر والتكلس من جانب مسؤولي الخدمة المدنية والوزراء والسفراء أو إهمالهم لخدمات المواطنين أو التقصير فيها أو التعالي على الناس.. وأيضاً علينا كمواطنين أن نروّض أنفسنا على النظام والانتظام وألا نحوّل أي تجمعات إلى (كبسيبه ودفسيبه) حتى نودع مثل هذه المظاهر السالبة وندفنها مع الإنقاذ وإرثها القبيح..! الله لا كسب الإنقاذ..!