كتب المحبوب عبد السلام في حسابة على “الفيس بوك” تعليقاً على إتفاق أديس أبابا بين حمدوك والحلو:

0 152
قبل ثلاثين عامًا أو أقل قليلاً وتحديداً في العام ١٩٩٢، وقف الدكتور علي الحاج محمد أمام المجلس الوطني المعين من ١٥٠ نائباً، ُأُختيروا بعناية ودقة، كي يمثلوا كل السودان وكل الفئات وكل الأعمار وبالطبع من الجنسين ومن خلفيات فكرية متباينة، وتلك قصة أخري عن جدوى البرلمان المعين المحسوب الموزون مهما أعجب الناس بأدائه وقبلوا بتمثيله، لكن هنا أقف عند وقفة علي الحاج ليحيط البرلمان بوقائع الاتفاق الموقع بينه بوصفه ممثلاً للحكومة وبين الحركة الشعبية مجموعة الناصر بقيادة ريال مشار ولام اكول. تحدث الدكتور علي الحاج يومها عن كل شئ أحاط ويحيط بالاتفاقية، ولكن لم يشرح للنواب التأويل الدقيق لعبارة (دون استبعاد أية خيارات اخري)، التي وردت في الاتفاقية. ولأن حبل الغموض والتلبيس هو الآخر جد قصير فسرعان ما قام الصف الجنوبي كله في أبوجا في قاعة التفاوض يلوح بورقة فرانكفورت كأنها أعلام النصر، ويقول بصوت واحد : هآنتم وقد اعترفتم بحق تقرير المصير للجنوب، فحق تقرير المصير هو من بين الخيارات، بل هو المقصود تحديداً من بين كل الخيارات، وما العبارة الغامضة إلا ذريعة لا تغطي الوجه بين إصرار المفاوض علي المبادئ المؤسسة لموقفه، وبين خوف الحاكم من ضغوط الرأي العام. بعد حادثة أبوجا استفاق البرلمان علي الحقيقة التي عميت عليه يومذاك، وطفق عضو البرلمان المعين أحمد عبد الرحمن محمد بوصفه من قادة الحركة الإسلامية يقول في كل مكان لقد خدعنا علي الحاج He was not honest .
في ١٩٩٤ رفضت الإنقاذ بأوضح العبارات وأعنفها حقيقةً لا مجازاً، اعلان مبادئ الايقاد وعاد وفدها مظفرا برفضه لتقرير المصير مقابل فصل الدين عن الدولة، عادت ووقعت عليه بنصه دون أية تعديل في ١٩٩٧، بل إن النص الذي مهره علي عثمان وزير الخارجية نائب الأمين العام للحركة الإسلامية، والذي يكاد يطابق نصاً وروحاً إعلان المبادئ الرائج الان والمنسوب الي الحلو وحمدوك، كان أحد الأسباب المباشرة الحاسمة التي أخرجت خلاف الترابي مع نائبه الي العلن ولم تر العلاقة بينهما من يومها عافية، فقد حاول علي عثمان دغمسة النص وتأويله ولكن مع قانوني خبير بالنصوص ماهرٌ فيها. كان الترابي يقول: أعلم أن فصل الدين عن الدولة لا يعنيكم في شئ، ولكن ألا ترون من هي الايقاد، هل هي شئ آخر غير موسفيني حاضن الجيش الشعبي، وغير أسياس كفيل المعارضة، هل هي غير ملس زيناوي الذي غزي الكرمك واحتل قيسان؟ لكن غضبة الترابي كانت في وادٍ وقد استقل ضمير الدولة طريقاً آخر، ضمير ما بعد يونيو ١٩٩٥ والمحاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس المصري حسني مبارك، ضمير التنازلات بل ضمير القيامة الذي يصيح دون توقف نفسي نفسي.
يشبه البيان المشترك الذي وزعته ( سونا ) وإعلان المبادئ الذي تولت أمره الاسافير، يشبه تلك الأحوال، ولكن المفارقة أن الذين يخشي الساسة من مواجهتهم ويتجنبون ردة فعلهم، هؤلاء قد خرجوا من تجربة كمن دخل المعمل ورأي بعينه ولمس بيديه، خرجوا بنتيجة صحيحة كذلك فلسفياً براجماتياً مثلما هي صحيحة معملياً امبريقياً، أنهم منذ حين وضعوا الشريعة خياراً أمام وحدة السودان، ففقدوا وحدة السودان ولم يظفروا بالشريعة. أتذكر دائماً في مثل هذه الأحوال مكالمة الشيخ راشد الغنوشي في ابريل ٢٠٠٤: هل لك سبيل للتواصل مع المتفاوضين في نيفاشا ؟ قلت نعم. قال : أبلغهم أن إذا خيروا بين قوانين الحدود وبين وحدة السودان أن يختاروا وحدة السودان.
عزيزي القارئ: لا تسأل عن النصوص أسأل عن التاريخ.
المحبوب عبد السلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.