لجنة التمكين أولى ب”صندوق الشرق” من أتفاق جوبا للسلام

0 130

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم 

.

لو أمعنت النظر في اتفاق مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا لوجدته يتطرق إلى ما عرف ب”صندوق الشرق”. وهو الصندوق لتنمية الشرق الذي أنشئ في ٢٠٠٧ بمقتضى اتفاق أسمرا (٢٠٠٦) بين حكومة البشير وجبهة الشرق المكونة من مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد وحركة الفهود السود لمبروك سليم مبروك التي عمادها شعب الرشايدة. وتكفلت بالتزاماته المالية حكومة السودان ودولة الكويت. وهو صندوق أخرق السمعة حتى أضطر محمد طاهر إيلا، رئيس الوزراء في النصف الأول من ٢٠١٩، إلى حله كما سنرى.

جاء في اتفاق جوبا للسلام وجوب مراجعة الصندوق وهيكلته بواسطة بيت خبرة، وتعيين مدير تنفيذي له، وأن تخصص له الحكومة ٢٤٣ مليون دولار شريطة ألا تكون خصماً من نصيب شرق السودان من الموارد القومية. وتم الاتفاق أيضاً أن تكون أطراف الشرق ضمن مجلس إدارته. وهذه الأطراف هي حزب التحرير والعدالة بشكل رئيس والذي قوامه الكثير في البني عامر. ولا نحتاج للقول إن التحرير والعدالة انتهز سانحة انفراده بتحرير مسار الشرق في إطار الجبهة الثورية لكي يجد منفذاً إلى قيادة الصندوق وسياسته اللتين احتكرهما مؤتمر البجا الذي قوامه كثير من شعب الهدندوة. ولا أعتقد أن الجبهة الثورية في شرهها للتكاثر بالحلفاء على مائدة المفاوضات قد وعت أنها تبنت اتفاقاً للشرق سيفتح على الوطن عش دبابير.

يتفكر المرء، ناظراً إلى الفساد الذي ضرب صندوق الشرق فلم ينتفع منه الشرق بشروى نقير، أن متى سيصلح الحال نسبياً في الشرق لنقول بعده خلصنا من التهميش وصرنا بحمد الله بلداً يتطلع كله للتنمية. فكان فساد الصندوق مما أزكم الإنقاذ نفسها. فنحى رئيس الوزراء محمد طاهر إيلا مدير الصندوق أبو عبيدة دج ونائبه نافع إبراهيم، وحل الصندوق نفسه في أبريل ٢٠١٩ دون أن يبدي الأسباب. ولا أعرف مقالاً احتفل بذلك الحل في قوة كلمة لمحمد عبد القادر في جريدة الرأي العام. فقال إن حل الصندوق جاء في إطار “إغلاق مواسير تسريب المال العام، وضبط الأداء المؤسسي، وإنهاء الأجسام الموازية للدولة”. وأوفد إيلا بعثات من وزارة المالية لقفل حسابات الصندوق، وحصر مقاره لتصفيته ورد أصوله لديوان الحكم الاتحادي.

وبالطبع لم يقبل موسي محمد أحمد، مساعد رئيس الجمهورية وسيد الصندوق، بذلك وسعى إلى “لي يد” الحكومة في عبارة لمحمد عبد القادر. فأحتج للبشير وهدد بفض التحالف مع المؤتمر الوطني قائلاً “سكتنا كثيراً ولم يتبق خيار سوى المواجهة”. ومرق للحكومة عيبها. فقال إنها لم تدفع للصندوق سوى ٢٢٠ مليون دولار من جملة ٦٠٠ مليون دولار هو جملة التزامها في الاتفاقية. وتكفلت الكويت بما يليها.

لم يترك محمد عبد القادر للصندوق جنباً يرقد عليه. فاستنكر على موسى أن يشارع في صندوق انتهى أجله (٢٠١١) منذ ٨ أعوام ” وظل يعمل كل هذه الفترة بلا تفويض أو تكييف لوضعه القانوني بعد انتهاء أجله”.

وتساءل محمد عبد القادر “ماذا تستفيد البلاد من إنشاء صندوق موازٍ لأجهزة الدولة، تطارده الاتهامات بالتجاوزات وتبديد المال، يؤدي مهام الولايات والوزارات ويصرف ملايين الدولارات على (حمامات) بالقضارف، أو سور (واقع) في (درديب)، ويصادر مهام الوزارات الاتحادية في مجالات الكهرباء والطرق وغيرها”. وفي الحق لم يأت الصندوق لحل مشكلة إيجار داخليات طلاب الشرق في الجامعات والمعاهد(٢٠٠ ألف جنيه) المطرودين منها إلا بعد اعتصامهم في مايو ٢٠١٣ بداره المترفة بحي بالرياض في وصف محمد عبد القادر لها.

واستغرب محمد عبد القادر أن مجلس إدارة الصندوق لم يجتمع خلال العام ٢٠١٧ غير مرتين. ولا يعلم أحد كيف تدار بنود صرف الميزانيات الضخمة التي يعمل بها الصندوق، وما هي الجهة التي صدقتها، وكيف صرفتها إلا من مشروعات بائسة من شاكلة توريد مبردات أسماك، وإقامة مزرعة بستانية بدرديب، ومشروعات للثروة السمكية، وتشييد سور وحمامات لمدرسة القولا. فخصص مبلغ 259 مليون دولار لبناء الطرق والكهرباء ولا يعرف أحد ما انتهت إليه.

أذا كان الأداء الخسيس الذي رأيناه في صندوق الشرق حتى عافته الإنقاذ ما ينتظر صناديق منتظرة لرفع غبن الهامش فلا كانت(ولدارفور صندوق قطري مصموت عنه). فيد برجوازية الهامش الصغيرة في خفة يد برجوازية المركز الصغيرة إن لم تكن أفحش لأنها تتذرع بالشفقة على أهها من وحش المركز. وبناء على ما عرفناه عن سيرة صندوق الشرق غير السارة فعلى المساعي القائمة لرأب الصدع في الشرق أن تسحب موضوعه من جدول أعمال مناقشاتها بالكلية. فمكانه الصحيح هو لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو حتى تتم مراجعة أدائه، وحساباته، وأوجه الصرف فيه، وكل شبهة فساد فيه. ولست أبعد النجعة هنا مما طالب به محمد عبد القادر في كلمته التي كتبها بعد حل إيلا للصندوق في إبريل ٢٠١٩:

“على الدولة أن لا تكتفي فقط بحل الصندوق، الأمر يستدعي فتح ميزانيته للمراجع العام حتى يبرئ أو يدين القائمين على أمره، وعلى الباشمهندس أبو عبيدة دج ومعاونيه أن يكونوا أكثر حرصاً على إخضاع ممارستهم السابقة إلى القانون إن كانوا حريصين على إثبات نزاهتهم وبراءة الصندوق بدلاً من تحريك الفتنة السياسية، وإيغار الصدور، ونسف الاتفاقيات السياسية من أجل الاحتفاظ بالمواقع في مملكة صندوق دعم وتنمية الشرق”.

لقد صار فينا هذا المراجع دقيق المساءلة، الذي أحال محمد عبد القادر فساد صندوق الشرق إليه، لجنة لتفكيك التمكين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.