مجانية تعليم ووجبة لكل طالب.. كيف؟

0 103
كتب: د. النور حمد
.
أوضحت وزارة التربية والتعليم في مؤتمرها الصحفي الذي عقدته في مقر وكالة السودان للأنباء (سونا) أول أمس، أنها لم تتمكن من طباعة أكثر من كتابين (هناك ثالث في الطريق) من أصل بضع وثلاثين عنوانًا، من كتب مرحلة الأساس للعام الدراسي الجديد. ويبلغ العدد الكلي للنسخ، التي كان من المفترض أن تُطبع، عشرات الملايين. لقد أحسست بالإشفاق، لحظة أن أعلنت وزارة التربية والتعليم منذ عام تقريبًا، أنها بصدد تغيير كامل لمنهج مرحلة الأساس وطباعته بكامله قبل بداية العام الجديد، مضيفةً أنها ستجعل التعليم مجانيًا. وزاد إشفاقي أكثر حين أردفت الوزارة أنها ستوفر وجبةً مجانية ٍلكل طلاب مرحلة الأساس. كان إحساسي أن هذا طموحٌ ثوريٌّ كبيرٌ لا تدل مؤشرات الواقع العملي على إمكانية تحقيقه. فمن طبيعة كل فترة انتقالية كثرة المعيقات. لكنني تريثت وآثرت ألا أعلق، وقلت في نفسي: لابد أن مسؤولي الوزارة يرون شيئًا لا أره. كما خشيت، أن أُعدَّ ضمن مثبطي الهمم من أهل الغرض. لكن، دارت عجلة الأيام وثبت عمليًا أن هذا الطموح لم يكن واقعيًا.
نحن نعرف، ومنذ وقتٍ طويلٍ جدًا، أن معلمي المدارس لا يحصلون على رواتبهم الشهرية في مواقيتها. بل مرت فترات بقي فيها بعض المعلمين بلا رواتب لشهورٍ متتالية. كما نعلم أيضا تناقص الإيرادات الحكومية في أي فترةٍ انتقاليةٍ، لأن الثورة، بطبيعتها، تُحدث هزةً في الخدمة المدنية. فلكل ثورةٍ، بالضرورة، ثورةٌ مضادة. والثورة المضادة ليست جيشًا غازيًا يأتي من الخارج، وإنما هي قطاعٌ من العاملين في الدولة، ممن يعرفون من أين تُؤكل الكتف. وقد أتقن هذا القطاع أساليب التعطيل وخنق القرارات. فقد سبق أن مارسها في حروب الانقاذيين ضد بعضهم. فوق هذا وذاك، جاءت جائحة كورونا وكارثة السيول، وأصبحت الدولة مواجهةً بمنصرفاتٍ لا قبل لها بها. لذلك كان من المدهش بالنسبة لي أن يكرر السيد وزير التربية والتعليم إصراره على تحقيق مجانية التعليم في مرحلة الأساس في العام القادم. بل زاد دهشتي تأكيده على تقديم وجبةٍ مجانية، متجاهلاً تجربة الوعود السابقة التي تحطمت على صخور هذا الواقع العملي شديد التعقيد. فنحن لم نفق بعد من زلزال الزيادة الضخمة في الرواتب التي منحها وزير المالية السابق للعاملين، وجرى تطبيقها على المعلمين. وقد قرأنا قبل يومين خطاب وزيرة التعليم العالي، الذي أوضحت فيه أن وزارة المالية عجزت أن تمنحهم أي زيادة على الرواتب القديمة.
تقديم وجبة لطلاب يعدون بالملايين ليس أمرًا هينًا. يحتاج هذا العمل الضخم لإنشاء مطابخ في آلاف المدارس مع توفير الأواني والوقود والمواد الغذائية. يُضاف إلى ذلك، توظيف عدد من الطباخين في كل مدارس القطر. ويعني ذلك، إضافة قوة عاملة جديدة ومنصرفات جديدة على الوزارة، سواءً قامت بذلك بنفسها، أو أوكلته إلى متعهدين. فكيف ستوفر الوزارة ذلك، وهي بحاجة إلى توظيف معلمين لإكمال النقص، وإلى حل مشكلة الإجلاس المزمنة، إضافةً إلى مواجهة تحديات التمدد الأفقي المستمر في قاعدة التعليم. ليس من الحكمة أن نوهم الجماهير أن للثورة عصا سحرية تحيل بها الواقع الذي يعرف كلنا جحيمه إلى نعيم مقيمٍ، في عام أو بضع عام. لا اعتراض لي أبدًا على المبدأ فيما تتطلع إليه وزارة التربية. لكن لابد من إنجاز الأهداف على مراحل، خاصة حين يكون الواقع العملي يعاني من علل هيكلية عويصة. فالحماس للثورة والسعي لنيل رضا الجماهير بإطلاق الأمنيات التي لا يتسع لها الواقع، مضرٌّ بالثورة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.