مريم في القاهرة !

0 51

كتب: زهير السراج

.

أصدرت وزارة الخارجية بياناً طويلاً للرد على الانتقادات التي تعرضت لها وزيرة الخارجية (مريم الصادق) بسبب أدائها المرتبك في (القاهرة) خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية المصري ، اقتطف منه الآتي:
“ترصد وزارة الخارجية بالأسف التناول غير الموضوعي في وسائل التواصل وبعض المواقع الإلكترونية للتصريحات التي ادلت بها السيدة مريم الصادق وزيرة الخارجية أثناء زيارتها لجمهورية مصر العربية حول الاستغلال المشترك للموارد خدمة لمصالح الأطراف المتشاركة، والتزاماً بنهج التعاون خياراً للعلاقات بين الدول”.
“إن الغرض في نشر بعض المقاطع المتداولة واضح من كونها مقتطعة من التسجيل المصور لحديث السيدة الوزيرة، والمشاهدة المنصفة للتسجيل تبين بوضوح أن مضمون حديث السيدة الوزيرة قد اُسيء عرضه، قصد إبراز المعاني الواردة فيما يروج له البعض حول الأمر، وهو ما يمكن التحقق منه عبر الرابط المعطى”.
ويتحدث البيان عن انتماء الوزيرة لحكومة الثورة التي تضع نصب أعينها سيادة السودان الكاملة على ارضه، ورفاه الشعب السوداني الأبي ..إلخ. (انتهى).
كان أكثر ما أغضب رواد الوسائط على الوزيرة الحديث الذي جاء في اجابتها على سؤال للصحفي بإذاعة صوت العرب (ايمن حسني) عن الموقف على الحدود السودانية الاثيوبية، وقالت فيه: ” كما تعلم (أستاذي) ان السودان به أراضي واسعة، وهو من الدول الاقل سكاناً في العددية، لذلك نريد ان نصل لصورة استراتيجية لمعادلات تعاونية مع كل جيراننا الذين لديهم مشاكل او حوجة لأراضي، لأنه بهذه الصورة نستعمر أراضينا، بالتالي نحن منفتحون لكل المعادلات الكسبية ولكن بعد الفراغ من ترسيم حدودنا، على كل حال مسألة الحدود أمر يمكن حله بكل الطرائق الدبلوماسية والقانونية، هذا ليس محل إشكال، ولكن الخطر الكبير يبقى اذا مضت الجهات الاثيوبية في الملء بهذه الصورة. هذا أمر مستجد سيُعقد الامور بصورة خطيرة، ونعمل بصورة جادة عبر الوسائل الدبلوماسية على الا نصل الى هذا الحد”.
اتفق مع البيان ان وزيرة الخارجية لم تكن تقصد التفريط في الارض السودانية لأية جهة، وانما تقصد التعمير والاستغلال المشترك للموارد لتحقيق المنفعة المشتركة، وليس دعوة الآخرين لاستعمار السودان، كما فهم البعض من كلمة (تستعمر) التي استخدمتها في الحديث..!
ولكن بصراحة فإن حديث الوزيرة كان مرتبكا وغير منظم، او على الاقل غير واضح، واحتوى على عبارات مبهمة ومعقدة لغوياً، وإلا لما اضطرت الوزارة لإصدار بيان لشرح ما جاء فيه والرد على الانتقادات التي وجهت إليها!
ما يؤكد هذا الارتباك، ان الوزيرة خلطت في اجابتها بين مشكلة الحدود وموضوع سد النهضة الذي لم يكن جزءاً من السؤال، وكان من المفترض ان تكون الاجابة على قدر السؤال، وفي العرف الدبلوماسي نصف او ربع السؤال، ولكنها شغلت نفسها بسرد قصة طويلة جداً عن الحدود السودانية الاثيوبية واتفاقية عام 1902، لم يكن لها أي داع، مما جعلها ترتبك وتنسى السؤال وتخلط بين الحدود وسد النهضة، بينما كان بإمكانها أن تدلى برد مختصر بأن “السودان حريص على حقوقه، وعلى علاقته بالجارة الشقيقة إثيوبيا، وعلى حل الخلاف بالطرق الدبلوماسية والقانونية”، بدلاً عن المحاضرة الطويلة التي قدمتها وكأنها تتحدث في ندوة سياسية وليس في مؤتمر صحفي قصير، لا يجب أن يتجاوز عبارات المجاملة التقليدية وبعض التوضيحات المختصرة، خاصة انها وزيرة خارجية يفترض فيها الكياسة والدبلوماسية!
نفس اسلوب السرد الطويل واستخدام اللغة والتعبيرات المعقدة مثل(المعادلة الكسبية) وغيرها ، كان ديدن الوزيرة خلال المؤتمر الصحفي بدءاً من المقدمة الطويلة التي أدلت بها وإجاباتها على اسئلة الصحفيين، وتطرقها في كثير من الاوقات الى موضوعات لم يسأل عنها أحد، مثل موضوع (العروبة والافرقة) الذي تناولته في الاجابة على سؤال عن سد النهضة، بالقول ان اثيوبيا تحاول استخدامه لاستثارة الدول الافريقية على السودان ومصر كونهما من الدول العربية، وهو موضوع في غاية الخطورة لا يجب أن يرد على لسان مسؤول صغير في الدولة دعك من وزيرة الخارجية نفسها، حتى لو كان صحيحاً ان اثيوبيا تحاول استغلاله لكسب الدول الافريقية الى صفها!
كما ان اطلاق أوصاف مثل (أستاذي) على صحفي لا يستحق هذه الصفة، لا من حيث العمر او المكانة، كما حدث في الرد على الصحفي (أيمن حسني) من اذاعة صوت العرب، ليس لائقاً ولا يجوز من وزير خارجية دولة لها مقامها ومكانتها ، فالصحفي الذي وصفته وزيرة الخارجية بكلمة (أستاذي) ليس كبيراً في السن، وليس استاذاً في الاعلام والصحافة أو مديرا للإذاعة أو رئيس إدارة أو رئيس قسم في اذاعة صوت العرب حتى تطلق عليه وزيرة الخارجية هذه الصفة، ولو كان ذلك من باب المجاملة!
لم يكن هنالك ما يدعو لاستعجال الدكتورة مريم للسفر خارج البلاد، والمشاركة في اجتماعات ومؤتمرات صحفية، قبل أن تتعرف بشكل جيد على قواعد واساسيات ومهارات الوظيفة الرفيعة التي تشغلها، وكان من الافضل لها ان تكلف من ينوب عنها، بدلاً عن ذلك الظهور المرتبك الذي يصعب إزالته عن الاذهان!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.