مستقبل الوحدة الإثيوبية في ضوء تنامي الصراعات السياسية الداخلية – الصراع في إقليم تيجراي

0 96

كتب: أحمد عسكر

.

يلعب الصراع السياسي بين بعض الأطراف الإثيوبية الفاعلة دورًا في تعقد المشهد السياسي الإثيوبي الذي يواجه أزمات متفاقمة منذ تولي آبي أحمد، رئيس الوزراء، السلطة في أبريل 2018. ويهدد استمرار الحرب التي اندلعت بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي في 4 نوفمبر 2020 تماسك ووحدة الدولة الإثيوبية في ظل التخوف من احتمالات انفصال إقليم تيجراي وما قد يترتب عليه من تفكك للدولة الإثيوبية مستقبلًا، الأمر الذي يهدد بدوره الأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي.

أولًا- سياق إثيوبي داخلي مضطرب:

اعتبر الكثيرون لحظة انتقال السلطة إلى آبي أحمد في أبريل 2018 بمثابة نقطة تحول في تاريخ إثيوبيا الحديث، وبداية مرحلة جديدة تتخلص فيها البلاد من حقبة زمنية سيطرت فيها جبهة تحرير تيجراي الشعبية على مقاليد السلطة، والتي مارست سياسات أدت إلى اندلاع اضطرابات في البلاد استمرت منذ عام 2015 في معظم الولايات الإقليمية حتى نجحت في الإطاحة بالنظام السابق.

إلا أنه سرعان ما تعقد المشهد السياسي الإثيوبي بعد فترة من تولي آبي أحمد الذي شرع في اتخاذ العديد من الإجراءات التي من شأنها ترسيخ رؤيته لمستقبل العملية السياسية في البلاد والتي تؤكد الأحداث بعد ذلك على طموح آبي ومساعيه لإقصاء كافة معارضيه بهدف إحكام السيطرة على السلطة في البلاد لأطول فترة ممكنة.

فعقب توليه السلطة في 2018 برزت بعض العقبات في طريقه نحو توطيد أركان حكمه في البلاد، أبرزها تحدِّ جبهة تحرير تيجراي التي تعد المهندس الرئيسي للعملية السياسية في البلاد منذ عام 1991 للنظام الجديد في البلاد، نظرًا لحالة السخط نتيجة إقصائها من المشهد السياسي للبلاد، وسعي آبي أحمد لتحجيم نفوذها في معظم مؤسسات الدولة حيث اتخذ عدة قرارات ضمن حملة ضد الفساد وحقوق الإنسان كان من شأنها إقالة بعض قيادات إقليم تيجراي من مناصب مهمة مثل المؤسسة العسكرية الإثيوبية، وهو ما صعد التوتر بين حكومة آبي أحمد وقادة إقليم تيجراي للحد الذي دفع الجيش الإثيوبي لشن حرب ضد الإقليم شمالي البلاد بهدف إحكام آبي السيطرة على جبهة تحرير تيجراي واحتوائها.

وبشكل عام، يمكن فهم ديناميات السياق الداخلي في المشهد السياسي الإثيوبي المعقد والمضطرب من خلال بعض القضايا تتمثل في:

– تنامي الصراع السياسي: فالأصل في الصراع القائم بين حكومة آبي أحمد وإدارة إقليم تيجراي هو صراع سياسي، حيث يسعى آبي أحمد في نهاية الأمر إلى إحكام سيطرته على كافة الأقاليم الإثيوبية لا سيما تيجراي بهدف فرض رؤيته السياسية دون أي معارضة، في الوقت الذي تتحدى فيه حكومة تيجراي سلطة آبي أحمد. وهو ما برز في رفض الجبهة حل الائتلاف الحاكم السابق ورفض الانضمام إلى حزب الرخاء الجديد الذي يتسع نفوذه لثمان ولايات إثيوبية. وإجراء الإقليم للانتخابات الإقليمية في سبتمبر 2020 ضد رغبة الحكومة المركزية التي قامت بتأجيل الانتخابات في أغسطس 2020 إلى أجل غير مسمى بحجة تفشي جائحة كورونا، حيث ترفض جبهة تحرير تيجراي استمرار حكومة آبي أحمد في السلطة بعد 5 أكتوبر 2020 بما يتعارض مع الدستور الفيدرالي وتعتبرها حكومة غير شرعية، وضرورة تولي حكومة مؤقتة إدارة البلاد لحين انعقاد الانتخابات، كما قامت بسحب قياداتها من المؤسسات الحكومية مثل البرلمان. الأمر الذي ترتب عليه سلسلة من العقوبات الحكومية والتضييق ضد الإقليم مثل قطع العلاقات بين الحكومة المركزية والحكومة الجديدة في الإقليم، وقطع الطرق المؤدية إلى الإقليم بهدف عزله، وتجميد مخصصات الإقليم المالية من الموازنة العامة للدولة الإثيوبية، ومنع الوفود الأجنبية من الوصول إلى الإقليم وكذلك الصحفيين. الأمر الذي تطور إلى مواجهة عسكرية في 4 نوفمبر 2020، حيث شنت القوات الإثيوبية سلسلة من الغارات الجوية المتصلة للعمق الداخلي في الإقليم بهدف تركيع جبهة تحرير تيجراي والتضييق عليها للاستسلام وإخضاعها لآبي أحمد الذي يستعين بحليفه الجديد أسياس أفورقي، الرئيس الإريتري، الذي يشاركه حالة العداء ضد الجبهة التيجرينية.

– سوء الإرث التاريخي: يستدعي آبي أحمد في صراعه مع جبهة تحرير تيجراي الترويج للإرث التاريخي السلبي لها خلال وجودها في الحكم لثلاثة عقود زمنية، حيث وصف هذه الحقبة بأنها مظلمة، وهو ما أثار مشاعر السخط والكراهية والنزعة الانفصالية لدى شعب تيجراي. فقد أدت سياسات “وياني” خلال فترة حكمها للبلاد إلى تعميق الأزمات والخلافات الحادة مع القوميات الإثيوبية الأخرى؛ الأمر الذي دفع بعضها مثل قوميتي الأورومو وأمهرة إلى المشاركة في التظاهرات التي أسقطت حكم جبهة تحرير تيجراي في 2018، بل وصل الأمر إلى ترحيب بعض الولايات الإثيوبية بالعملية العسكرية التي يشنها آبي أحمد ضد الإقليم حاليًا مثل الإقليم الصومالي في إثيوبيا (الأوجادين) وإقليم أمهرة. كما أن النزاعات الحدودية بين تيجراي وبعض الولايات الأخرى مثل أمهرة على سيادة بعض الأراضي قد لعبت دورًا في تزايد سخط إدارة أمهرة ودعمها للحرب القائمة ضد تيجراي لربما تستطيع استردادها في حالة القضاء على جبهة تحرير تيجراي.

– الاضطرابات الإثنية: حيث لعبت دورًا في تعقيد الوضع السياسي والأمني في الداخل الإثيوبي خلال الفترة السابقة، حيث شهدت البلاد المزيد من الاضطرابات الإثنية في عدد من الأقاليم، سواء كان الأمر يتعلق بسخط بعض القوميات مثل الأورومو لعدم تلبية مطالبها، أو خلافات بين الأقاليم وبعضها البعض مثل إقليمي الأوجادين وأوروميا وغيرهما، أو يتعلق الأمر بحوادث قد اُرتكبت وتم توجيه أصابع الاتهام فيها إلى الحكومة الفيدرالية مثل مقتل المطرب الإثيوبي هاشالو هونديسا الذي ينتمي إلى قومية الأورومو، واعتقال الحكومة للمعارض البارز جوهر محمد الذي ينتمي للأورومو أيضًا. الأمر الذي أدى إلى خروج عدد من التظاهرات المناهضة لحكم آبي أحمد في عدد من المناطق الإثيوبية، فضلًا عن محاولات الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد مثل المحاولة الانقلابية في أمهرة لإسقاط حكومة آبي أحمد في يونيو 2019.

– النزعات الانفصالية: فثمة رغبة لدى بعض المناطق الإثيوبية في إنشاء إقليم خاص بها، مستفيدين من الدستور الفيدرالي الإثيوبي الذي يمنحهم الحق في تكوين أقاليم للحكم الذاتي. فقد نجحت قومية السيداما في إنشاء إقليم خاص بها في نوفمبر 2019 لتكون الإقليم العاشر في إثيوبيا. كما تسعى قومية “ولايتا” إلى الإدارة الذاتية خلال الفترة المقبلة. وقد منح البرلمان الفيدرالي الإثيوبي الحق لست مناطق إثيوبية في تكوين إدارة حكم ذاتي خاص بها. وعليه، ربما تشهد الفترة المقبلة إقبال المزيد من القوميات الإثيوبية على محاكاة تلك الخطوة، الأمر الذي ينذر بتهديد الوحدة الإثيوبية مستقبلًا في ضوء الخلافات المستمرة بين الحكومة الفيدرالية وبعض إدارات الأقاليم لأسباب مختلفة.

ثانيًا- أسباب وأهداف الحرب في إقليم تيجراي

يكمن السبب المباشر للحرب ضد تيجراي في شن القوات الإثيوبية غاراتها الجوية ضد الإقليم في اتهام آبي أحمد لجبهة تحرير تيجراي بمهاجمة بعض المواقع في المنطقة الشمالية العسكرية وسرقة بعض المعدات العسكرية؛ وهو ما اعتبره خطًا أحمر قد تجاوزته الجبهة.

بينما تبرز عدد من العوامل الأخرى الأيديولوجية والتاريخية التي دفعت آبي أحمد لتلك الخطوة لتحقيق هدفه الأساسي وهو إحكام السيطرة على الإقليم، وإخضاعه له حتى يتسنى له فرض رؤيته حول تعزيز مركزية السلطة في البلاد.

فقد تمثلت أبرز نقاط التحول المحورية في تزايد التوتر بين الطرفين على مدار عامين منذ عام 2018 وتصاعد الخلاف بينهما وصولًا للمواجهة العسكرية في وصول آبي أحمد ممثل قومية الأورومو إلى الحكم بعد سيطرة تامة للتيجراي في الحكم منذ 1991، والإعلان عن حزب الرخاء بعد حل الائتلاف الحاكم السابق، وهو ما اعتبرته جبهة تحرير تيجراي اعتداء من آبي أحمد على إرثها التاريخي في حكم البلاد، وتهميشها إلى جانب بقية الأطراف السياسية في الداخل الإثيوبي، فضلًا عن أزمة الانتخابات الفيدرالية والإقليمية التي غذت التوتر القائم بينهما، وتزايد درجة التقارب بين حكومة آبي أحمد والنظام الإريتري الذي تعتبره الجبهة العدو الرئيسي لها في المنطقة، والمتهم بالمشاركة في الحرب إلى جانب أديس أبابا انطلاقًا من جبهتي هوميرا وبادمي برغم نفي الحكومة الإريترية.

وأيا كانت الطريقة التي سوف تنتهي بها الحرب، إلا أنها ستكون لها تداعياتها الجوهرية على مستقبل الدولة الإثيوبية، ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام في ضوء التأثيرات الجيوسياسية والمكانة الإقليمية لدولة إثيوبيا في المنطقة، وهي التي تعد أحد الركائز التي يعتمد عليها الغرب في تحقيق الاستقرار الإقليمي في القرن الإفريقي.

ثالثًا- المخاوف الثماني بشأن مستقبل المشهد الإثيوبي:

مع استمرار الحرب في إقليم تيجراي وعدم استجابة آبي أحمد للدعوات الإقليمية والدولية لإنهاء تلك الحرب، بما يعني التصميم على تحقيق أهدافه الرامية إلى تمهيد الطريق أمام للبقاء في السلطة دون معارضة خلال السنوات المقبلة؛ تبرز عدد من التحديات التي تواجه الدولة الإثيوبية خلال المرحلة المقبلة:

– تزايد الانقسامات السياسية في البلاد: فمن المرجح تعقد المشهد السياسي الإثيوبي أكثر في ظل عدم وضوح الرؤية بخصوص نية آبي أحمد حول الدعوة إلى حوار وطني شامل يضم كافة الأطراف السياسية لتسوية كافة الخلافات والملفات العالقة، وتهدئة الأجواء بين الحكومة الفيدرالية وبعض الأقاليم الإثيوبية المعارضة، فضلًا عن تسوية عاجلة للأزمة مع إقليم تيجراي.

– انفصال بعض الأقاليم عن إثيوبيا: حيث تنذر الحرب ضد إقليم تيجراي باحتمالية انفصال الإقليم عن الدولة الإثيوبية، استنادًا للمادة 39 من الدستور الفيدرالي. الأمر الذي يمكن أن يدفع بعض الولايات الإثيوبية الأخرى في ضوء الخلافات مع الحكومة الفيدرالية إلى محاكاة تيجراي بالسعي نحو الانفصال؛ مما يهدد بتفكك إثيوبيا.

– مسار الحرب الدائمة: فمن المرجح أن يفتح الهجوم الإثيوبي ضد إقليم تيجراي الباب أمام اندلاع المزيد من المواجهات العسكرية بين الحكومة الفيدرالية وبعض الأقاليم الأخرى المعارضة للنظام الحاكم أو بين الأقاليم وبعضها البعض بسبب خلافات حدودية أو غيرها خلال الفترة المقبلة، وهو ما يضع أمن واستقرار إثيوبيا على المحك.

– انشقاقات في الجيش الإثيوبي: حيث تتميز المؤسسة العسكرية الإثيوبية بالتنوع العرقي، وهو ما يمثل تهديدًا على مستقبل وحدة الجيش الإثيوبي في حالة اندلاع صراعات أو حرب أهلية في البلاد، وذلك في ضوء بعض التقارير غير المؤكدة التي أشارت إلى انشقاق عناصر من الجيش وانضمامها إلى قوات إقليم تيجراي.

– انتشار الإرهاب في البلاد: فقد يترتب على حالة الاضطراب الأمني في البلاد، واستمرار الحرب ضد إقليم تيجراي تسلل بعض عناصر حركة شباب المجاهدين الصومالية إلى الداخل الإثيوبي لتنفيذ هجمات عنيفة، وتجنيد بعض الشباب الإثيوبي من أصل صومالي. كما يتخوف البعض من احتمال تقارب بين جبهة تحرير تيجراي والحركة بهدف تقويض حكم آبي أحمد في البلاد.

– تفاقم الأزمات الإنسانية: فهناك أكثر من مليون شخص مهدد بالنزوح واللجوء إلى خارج البلاد في حال استمرار الصراع الدائر بين الطرفين المتحاربين، وأكثر من 600 ألف إثيوبي بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والغذائية في إقليم تيجراي. يأتي ذلك في الوقت الذي تستضيف فيه إثيوبيا أكثر من 700 ألف لاجئ من دول المنطقة المتأزمة، الأمر الذي يهدد بكارثة إنسانية في القرن الإفريقي التي تعاني بالأساس من أزمات اقتصادية وأمنية، كما يهدد بتزايد موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا خلال الفترة المقبلة.

– تدخل أطراف خارجية في الصراع: الأمر الذي يهدد بإذكاء واستمرار الصراع لفترة أطول، وجعل إثيوبيا ساحة صراع مفتوحة لأطراف أخرى. فهناك مخاوف إثيوبية من الدور الإريتري التحريضي والتخريبي في الداخل الإثيوبي لزعزعة الاستقرار في ظل تقارير تفيد بتورط إريتريا في الحرب الجارية بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي.

– تراجع الدور الإقليمي الإثيوبي: في الغالب يُنظر إلى  إثيوبيا في القرن الإفريقي باعتبارها الداعم القوي لحفظ الاستقرار والأمن الإقليمي في المنطقة. إلا أن اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية وتنامي حالة الاستقطاب الشديدة في الداخل الإثيوبي بين الأطراف السياسية الفاعلة قد يهدد بتراجع الدور الإقليمي الإثيوبي في القرن الإفريقي حال تصاعد حالة الاستقطاب الداخلية في إثيوبيا.

رابعًا- مستقبل الوحدة الإثيوبية في ضوء الأوضاع الراهنة

في ضوء المعطيات السابقة تظل الوحدة الإثيوبية على المحك في ظل إصرار الحكومة الإثيوبية على استمرار توجيه الضربات العسكرية لإقليم تيجراي، وهو ما قد يدفع بإقليم تيجراي للمطالبة بالانفصال عن الدولة الإثيوبية استنادًا إلى المادة 39 من الدستور الفيدرالي. لا سيما وأن هناك بعض الأصوات المنادية بهذا السيناريو للحفاظ على هوية إقليم تيجراي، والسعي نحو إفشال تجربة آبي أحمد في الحكم. وإن كان الأمر يبدو صعبًا على الأقل في المديين المنظور والمتوسط لاعتبارات محلية وإقليمية ودولية تحول دون ذلك.

ويبقى تماسك الدولة الإثيوبية مرهونًا بإيقاف آبي أحمد العمليات العسكرية التي يشرف عليها في إقليم تيجراي، وفتح قناة اتصال مع كافة الأطراف السياسية لتسوية الخلافات القائمة والملفات الشائكة في العلاقة بين الجانبين، ومحاولة تهدئة الرأي العام الإثيوبي. فضلًا عن الضغوط الدولية على الطرفين المتحاربين بتسوية الأزمة سلميًا، والضغط على بعض الأطراف الإقليمية بعدم التدخل في الصراع, إذ أن التطورات الحالية في المشهد الإثيوبي سوف يكون لها تأثيراتها السلبية على مستقبل الدولة الإثيوبية خلال الفترة المقبلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.