مهارات ضاعت او انهارت

0 73

كتب: جعفر عباس

.

كان من الضروري لأبناء وبنات جيلي اكتساب مهارات أساسية منذ مرحلة الصبا، من بينها مثلا استخدام الإبرة والخيط لرتق الثقوب في ثيابنا وما كان أكثرها، أو لتثبيت الزراير في القمصان، وكنا ونحن صبية نغشى المزارع لحش القش لإطعام بهائم العائلة فقد كان لكل عائلة قطيع من الماعز لزوم توفير اللبن، وبعد مواسم الحصاد كنا نرعى البهائم ونسير بها مسافات بعيدة (لم يصدقني كثيرون عندما حكيت عن زميلة لنا في الجامعة كانت قد قضت سنوات في أوربا مع أبيها الدبلوماسي وذات يوم كان نفر من الطلاب يسردون حكاية بطلها الراعي فصاحت: الراعي مش ال بيفسح الغنم؟)، وكثيرا ما داهم المخاض معزة فنتولى توليدها، ثم نبحث عن وعاء نحلب فيها الجرعات الأولى من لبنها ونصنع اللبأ الشهي (بالمناسبة اللبأ كلمة عربية فصيحة)، وعند أول المساء كنا أحيانا نداهم الجروف لسرقة البطيخ او مزارع الذرة الشامية، وأسهل السرقات التي كنا نمارسها كانت تتعلق بالتمر الرطب، فلأن النخيل في بدين بالآلاف فلم يكن ممكنا حراستها، وكنا لا نجد صعوبة في تحديد النخيل ذات الرطب الطيب.

كنا نصنع الطوب “الأخضر” من الطين في قوالب نصنعها بأنفسنا ونتولى بناء المزيرات في البيوت التي ليست بها “أولاد” وبلا مقابل، وكنا نساهم في صنع ال”سلتي” وهو حصير من عيدان القمح يتم نسجه بالحبال لصنع السقوف، وكان جميع الصبية في بدين يجيدون فتل الحبال من الياف النخيل (العشميق) ومن نبات الحلفا، وكنا نجيد غسل ملابسنا في الطشت، ونجيد الكي بمكواة الفحم، وعندما وصلتنا المكواة الكهربائية وجدتنا “اسطوات” في الكي.

أتحدى معظم شباب اليوم- (أقصد من هم أصغر مني الآن، اي دون ال39 طبعا) أن “ينافسوا” المهارات أعلاه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.