نبيذ قديم في قناني قديمة..!!

0 83
كتب: د. مرتضى الغالي
.

لو صح أن طبيباً يمكن أن يزوّر شهادة وفاة شهيد مُسجى أمامه ويقوم بالكذب الصريح في سبب الوفاة فانتظر القارعة.. فمثل هذا الواقعة هي من الكبائر التي يحار المرء في إسنادها إلى أي مصفوفة من مصفوفات الرذائل التي تساويها في مبلغ الخسّة وموت الضمير وعدم النزاهة والضعة النفسية والأخلاقية والخروج النهائي من المُتعارف عليه في السلوك المهني والأخلاقي والإنساني والتجاوز الخطير الذي لا يشبهه تجاوز لأمانة الضمير ومتطلبات الوظيفة..! فنحن هنا لسنا أمام صراف خزينة حكومية (يبرشت) المرتبات وكسور العملة، ولسنا أمام أمينة مخزن يسرق العُهدة، أو مصرفي يصادق على القروض بغير ضمانات.. ولسنا إزاء محاسب يقوم بالتزوير أو كاتب محكمة يسحب أوراق المحاضر.. ولكننا أمام طبيب يتلاعب بجثث الأموات وأرواحهم بين يدي خالقهم ..وهو ينفي ليخفي ويخفي لينفي آثار التعذيب البادية أمام عينيه من اجل منفعة شخصية أو وظيفية أو خوفاً على فقدان كرسي أو خشية من أصحاب نفوذ أو طمعاً في مكافأة وإثابة أو لمجرد المجاملة… إذا كان ذلك كذلك فهل يمكن أن يظل مثل هذا الشخص على ذات منصبه في اليوم التالي لهذه الفعلة المزلزلة التي يرتج لها الفضاء بين السموات والأرض هولاً من وضاعتها التي يندي لها جبين الإنسانية وتفزع منها الوحوش العجماء..!!

هذه واحدة والثانية حديث جبريل إبراهيم عن “المصالحة الوطنية” وهو حديث لا يمكن فهمه إلا من باب المشاكسة السياسية وتعويق الفترة الانتقالية..وهو فوق ذلك حديث (استكرادي) يخرج عن جادة طريق الثورة وينضح فيه الغرض وتكسير المجاديف ومحاولة الشفاعة للإنقاذ والتوادد مع الإخونجية.. وهذا ليس بمستغرب بالنظر إلى سوابق الانتماء للإنقاذ والعيش في خيمتها والقيام بمهامها في وقت كانت فيه الإنقاذ في اشد أيامها ظلاماً مع أن كل أيامها (مسنوحة) غارقة في الظلام والسواد.. وقد كان من الواضح ميل رئيس الحركة العائد في أول خطواته عند وصوله للوطن؛ فكانت زيارته الأولى بعد كل الأهوال التي جرت ليس إلى مقابر شهداء الثورة في العراء أو المكلومين في دارفور ولكن للعزاء في عرّاب الإنقاذ والمسؤول الأول عن انقلابها المشؤوم.. وها هو رئيس الحركة يعود ويقول إنه يرفض إقصاء الإنقاذيين..والشعب قال يجب إبعادهم من الفترة الانتقالية حتى لا يفسدوها كما فعلوا بالوطن على مدى ثلاثين عاماً..وجبريل يعلم أن الثورة لا تعتدي على الإنقاذيين ولا تحاكمهم إلا على أساس (الجريمة والعقاب) وعلى جرائم الدم والإبادة الجماعية وتخريب البلاد وهتك الدستور ونهب الموارد وسرقة مال الدولة..وهو يعلم أيضاً أن الثورة دفنت المؤتمر الوطني المقبور وجبريل يريد إعادته للحياة كما يريد أن يتذاكى بخلط الأوراق والحديث عن حل الحزب الشيوعي في زمن سابق لا مسؤولية للثورة فيه.. وهو لا يتذكر أن الإنقاذ حلت كافة الأحزاب ولم تبق إلا على المؤتمر الوطني ليستولى على قرار الدولة ومواردها بالكامل..هل يظن السيد جبريل أن الشارع السوداني ما يزال على عهد (استهبالات )الإسلام السياسي وألعاب الإسلامويين وأكاذيب الإخوان التي امتدت لثلاثة عقود..؟! لعل الرجل لا يعلم ثورة الوعي وشلالات الضوء والمعرفة التي تفجرت في الساحة السودانية والقوى الشبابية الجديدة التي كشفت ضلالات العبث بالدين أو التهديد بالبندقية.. ولعله لم يطّلع جيداً على يوميات الثورة وتدافع الشباب إلي تلقي الرصاص وهم يعلمون إن بغيتهم الانتصار للوطن أو الاستشهاد.. وقد فعلوها بالدماء وبلسان الحال والمقال.. ألا بُعداً للظالمين..!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.