نكران الجميل والجفاء بديلا للوفاء

0 54

كتب: جعفر عباس

.

لاشك في أن الإنسان العربي من أكثر خلق الله كرما، وإن صار الكرم يقتصر على تقديم الطعام للضيف بكميات تجارية، لا تخلو من نزعات استعراضية، فلا اعتقد انه من الكرم في شيء ان تدعو شخصا واحدا الى طعام ثم تضع أمامه أكلا يكفي كتيبة من المظليين، فالعربي على استعداد لإطعام اي شخص يطلب منه طعاما (ولكنه قد لا يكون مستعدا لشراء دواء بنصف قيمة ذلك الطعام لشخص يعاني من المرض)، ولكن الخصلة التي بدأت في الاندثار هي “الوفاء”، الوفاء تجاه أفراد الأسرة والأصدقاء، ومن يصنعون فينا المعروف، فارتفاع معدلات الطلاق دليل على أن جينات الوفاء عندنا صارت ضعيفة، وقد تقرض شخصا مالا لأنه جاءك محتاجا،.. وتصبح انت محتاجا فتطلب منه سداد الدين فيماطلك وقد يصل الأمر الى درجة ان يسبك ويشتمك: الله يلعن ابو الزمن اللي خلى واحد مثلي يستلف فلوس من واحد خسيس مثلك!! كثيرون منا سمعوا مثل هذه العبارات النابية من أشخاص وقفنا معهم في محن مالية واجهوها!! والمدير الذي ينهي خدمات موظف عمل معه عشر سنوات بسبب هفوة بسيطة عرَّضت المدير للمساءلة ايضا عديم الوفاء بل وجبان!! فالمدير او رئيس العمل الوفي هو من يدافع عن موظفيه عندما يخطئون أخطاء بسيطة، ويقول بشجاعة: أنا أتحمل مسؤولية تقصيرهم!! ولعلنا نذكر حكاية ذلك العربي الذي اصيب بفشل كلوي وتبرعت له زوجته بكلية واسترد صحته وعافيته، و… شبابه، فكافأ زوجته بان تزوج عليها فكان ان رفعت دعوى قضائية تطالبه فيها برد كليتها التي جعلته فحلا قادرا على الزواج، ونشرت الصحف مؤخرا حكاية راعي الأغنام الذي فقد بصره وهو في سن الخمسين، فأصبح قعيد البيت وسهرت زوجته على راحته وتولت أعباء إعاشته، وبعد ان بلغ السبعين كانت الزوجة قد جمعت مالا يكفي لإجراء عملية جراحية في عينه، وكان أن استرد بعدها بصره، وكان اول ما لفت نظره ان زوجته الوفية تلك عجوز شكلها “يسد النفس” فكان ان قرر الزواج بأخرى تستأهل نظرات عينيه!! وهناك من تساعده في الحصول على وظيفة في نفس مكان عملك ويحصل على شروط خدمة متميزة، وبعد ان “تسلك” أموره تكتشف انه كتب شكوى يقول فيها انه أولى منك بالترقية أو العلاوة التي نلتها!

وينتحر الوفاء يوميا بأفعال شباب أنانيين، ينسون آباءهم وأمهاتهم بمجرد حصولهم على وظائف، رغم انهم يعرفون مدى حاجة أولئك الآباء والأمهات الى العون المادي، وحتى لو لم تكن بهم حاجة، فإن مجرد دخول الولد او البنت على والديه حاملا هدية رمزية، يفجر ينابيع المودة والتراحم في القلوب!! لقد أصبح الوفاء سلعة نادرة لأن معظمنا صار يحبذ ان يأخذ دون ان يعطي!! تُعلم الولد وتساعده على الحصول على وظيفة ويكون همه منذ تقاضيه أول راتب أن يرتاد الأماكن الفخمة مرتديا ملابس فخيمة، ومطليا بتشكيلة من المساحيق والكريمات، ويصاحب من يحسبهم من ذوي “الفخامة”،.. بل و”يستعر” من بيت أهله “التعبان” فلا يدعو أصدقاءه إلا الى الفنادق والمطاعم الراقية.. وراتب البنت قد يضيع كله في منتجات شانيل واستي لودر للتجميل.. ولا تعرف البنات اننا نحن معشر الرجال نعرف ان البنت المطلية بالمساحيق، من بره هلا هلا ومن جوه يا للهول!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.