هاشم العطا: “يا نقد إنت مدسي مني وانا عارفك هنا”

0 131
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
لكل واقعة في حياة البشر أو في الطبيعة علم يحاول يحيط بها لفهمها مما يعرف بscholarship . ومن أهم أعرافه أن على الطارئ على الكتابة فيه أن يبدأ من المسائل التي وقف عندها من سبق له الخوض فيها. وانقلاب ١٩ يوليو ١٩٧١ واقعة نشأت حولها دارسات انتهت في أفضل أحوالها إلى مسألتين. أولهما وجوب قيام الدولة بتحقيق حولها لقيام شك معقول فيمن ارتكب مذبحة بيت الضيافة. والتحقيق معلق بجنب الدولة السودانية بوجهين: فهي قد ورثت الدم المراق في محاكم الشجرة (كما ورثته في مقاتل عديدة قلنا بتحريها بالمثل) التي أعقبت تلك الحادثة، كما أنها ما تزال تحتفظ بسجلات تلك المحاكم لم تفتحها للباحثين للقيام بواجبهم في دراستها.
ومما وقف عنده علم انقلاب ١٩ يوليو أن نكف عن التنابذ بالروايات فيه: “العماس قال، كنب قال، لكن سعد بحر قال، بس عبد العظيم سرور ما قال ما قال). وهو ما اسميه “الرمرمة” في الروايات. والتمسنا أن نخرج من ضلالها إلى نظر يحيط بها جميعاً بنهج في التحقيق التاريخي يوصلنا إلى سردية معقولة عما جرى في ذلك اليوم وما تلاه.
وكتاب “”عبد الخالق محجوب: الوعي وإزهار القناديل” لحسن محمود الريح ردة نكراء عما وقف عنده علم ١٩ يوليو بعد خمسين عاماً من انطواء صفحته. فالكتاب حالة قصوى من الرمرمة في شهادات شهود العيان ينهشها كيفما اتفق له. فلم يضاه الواحدة منه بالأخرى ليتبين العيش من البتاب طلاباً للحقيقة، ولبناء سردية تاريخية يخرج بها لسوق المعرفة.
والكتاب لا يحسن حتى الرمرمة. فيخلط روايات شهود العيان خلطاً يفسد استقلالها. فجاء بشهادة للملازم عمر عبد الماجد، وسرعان ما تداخلها رواية للمقدم عبد القادر جني، ثم تنط أخرى للملازم حسن أبونا، لتعود رواية الملازم عمر إلى مجاريها. وهذا الكولاج حرام شرعاً في تدوين شهادات شهود العيان. فيريد الباحث في مثل ١٩ يوليو الشهادات نقية من مثل هذا التطفل.
اتوقف هنا عند مدح المؤلف لأستاذنا عبد الخالق محجوب بما يشبه الذم. فقد أسفل به في رواياته عنه في حين شهد عنوان الكتاب له بالسمو. فميز المؤلف قولته المشهورة إن “بعض الوعي” قِبلته في حياته أمام نميري السفاح. وقال المؤلف إن هذه الكلمة ما تزال “بعد نصف قرن من الزمان تُلهم الشباب وتُغير مجرى التاريخ، ولا تزال القناديل الزواهر التي أوقدها تضيء سماء الأرض التي أحب”. شعر!
ولكن رأينا المؤلف يتهم عبد الخالق بتدبير الانقلاب من وراء ظهر اللجنة المركزية للحزب مع الشفيع أحمد الشيخ، ومحمد إبراهيم نقد، وسعاد إبراهيم أحمد. وتستغرب لحالة المولد وسيدو غائب التي تورط فيها المؤلف. فلم يكتب لا عبد الخالق ولا نقد بيان الانقلاب الذي خططا لها. و”داح” هاشم العطا يبحث عنهما بعد استلام الحكم في الساعة الثالثة ظهراً مما عطل إذاعة البيان حتى العاشرة وخمسة عشر دقيقة ليلاً. وكان ذلك نذر سوء. فطلب هاشم رفيقه نقد في ميز الهبوب بشارع النيل عند العمارة الكويتية الحالية. و”ادس” نقد منه مما اضطر هاشم لخبط بابه:
“يا نقد إنت مدسي مني وانا عارفك هنا”. ولما قصد هاشم منزل سعاد إبراهيم أحمد بالخرطوم اتنين أنكرت معرفتها بمكان تواجد عبد الخالق. ولطعته. ولفحت ثوبها. وركبت سيارتها. وذهبت إلى حيث تعرف مكمن عبد الخالق. فوجدته ونقد يصوغان بيان الانقلاب.
فلا الواعي كتب بيان الانقلاب الذي خطط له في موعده ولا زهرة الوعي (نقد) التي انبتها. وعبد الخالق الذي أعرفه لا يأمر بانقلاب لا يكتب بيانه بدري بدري.
سأقف هنا لأعود لرواية حسن أبونا التي ذَنّب فيها كل من الشهيدين الحاردلو وأحمد جبارة بقتل شهداء بيت الضيافة في دلالة أن المؤلف لم يقف عند معارفنا المتحصلة عن ١٩ يوليو ١٩٧١. فقد وقفنا عند السؤال: أين كان كل من الحاردلو وأحمد جبارة في ذلك اليوم المشؤوم حتى يحق لنا اتهامهما بارتكاب المذبحة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.