هل يستطيع (قانون) مكافحة التمييز العنصرى وخطاب الكراهية فى السودان ؟
بقلم: عبد العزيز عثمان سام
أرسل إلىَّ الأخ الزميل المستشار حبيب دقَّاش، مشكُوراً، مسودَّة (مشروع قانون القضاء على كافة أشكال التمييز العنصرى)، المشروع الذى تزمع وزارة العدل السوادنية تقديمه للقراءة الأولى، رغم عدم وجود هيئة تشريعية (برلمان) ضمن أجهزة الحكومة الإنتقالية،
. بعد الإطلاع على مسوَدَّة مشروع القانون، أقول:
. أنَّ مجرَّد السعِى لمكافحة التمييز العنصرى وخطاب الكراهية فى السودان هو عمل حَمِيد ومُفِيد، ويجب إسناده ودعمه، لأنَّ التمييز العنصرى وأداته خطاب الكراهية فى السودان ظلّا يشكِّلان خطراً مُهدِداً بفناءِ الدولة السودانية،
. على أنَّ العنصرية وخطاب الكراهية يشكِّلان أساس العلاقة بين الحَاكِم والمحكوم فى السودان، وأنَّ ممارسة التمييز العنصرى ونشر خطاب الكراهية هو المؤهِّل الوحيد لوصول فئة الجلَّابة إلى السلطة فى السودان. وأنَّ العنصرية تحكِم العلاقات والمُعاملات بين جميع مكونات وفئات المجتمع السودانى بكافة شرائحه،
. وأنَّ ممارسة التمييز العنصرى وإنتاج ونشر خطاب الكراهية هو السلاح الأقوى بيد حُكَّام السودان وأداتِهم لقهرِ السُكَّان الأصليين، وإنفراد أقلِيَّة الجلَّابة بالحُكم منذ خروج الإنجليز فى 1956م.. وانتهى بهم نمط هذا الحُكم، الآن، إلى النتائج الكارثية التى نعيشها اليوم، ورُبَّما ذلك هو ما دعَاهم للنظرِ فى ماضِيهم المُخجِل، وإلى أهمِّية “القضاء على كافة أشكالِ التمييز العنصرى” لتصحيحِ مسارِهم، وإقامة دولة المواطنة المتساوية ؟، رُبَّما !،
لكن السؤال: هل يقبل الجلَّابى أن يكونَ مواطناً مساوياً للسُكَّان الأصليين Indigenous من غرَّابة ونوبة وأدروبات؟، ليس سهلاً لمن إستمْرَأ أكل كل الغَلَّة وتمتَّع بوضعٍ خاص من المواطنة، أن يقبل التساوِى مع الجميع ما لم تحدث تغييرات هيكلية مُهمَّة نلخِّصُها فى الآتى:
. إنهاء هيمنة أقلية الجلابة على الدولة السودانية (سلطة وثروة وجهاز دولة)، الآن أقلية الجلابة 5% من مجموع السكان تُهيمن على 95% من سلطة السودان وثروتها وجهاز الدولة، فيجب أن ينتهى هذا فوراً، عبر سياسات توافقية مرِنة (ٍSmooth landing policies)..
عندما نكتب لرفع الوعى بأدواءِ المجتمع السودانى التى تفتِك بالسودان من الداخل كنا نعنى هذه الحقائق المُرَّة التى لا سبيل لمعالجتها إلَّا بمواجهتها عارية،
. إنهاء هيمنة الجلابة على أجهزة القمع والقهر(جيش، أمن، شرطة) هذه الأجهزة صنعها الإنجليز سنة 1925م ضمن ثلاثة أدوات هيمنة هى: قانون الشركات لإنشاء مشروع الجزيرة لإنتاج القطن لتزويد مصانع النسيج فى بريطانيا، و”قوة دفاع السودان” التى إنتهت إلى ما يسمَّى الآن (الجيش السودانى)، وقانون تسوية وتسجيل الأراضى لسنة 1925م الذى صادَرَ الإنجليز بموجبه أرض السودان من شعوبه، فتمكَّنوا من سرقة مواردها، ظاهرة وباطنة.. ولما خرج الإنجليزى حلَّ محلهم المُستعمِر الوطنى أقلِّية الجلابة الذين يُحْكِمُون قبضتهم الآن على السودان بموجب هذه الأدوات الثلاث، الجيش، الأرض، الإقتصاد،
ولكى يكون السودان دولة لشعوبها، لا بُدَّ من تفكيك هذه الأدوات الثلاث: الجيش، أداة القمع والبطش والإخضاع بيد الجلابة، ونزع ملكية أرض السودان من الحكومة وإعادتها للشعوب، وسودنة المؤسسة الإقتصادية التى يتحكم فيها ورثة المستعمر، بحيث لا تُسرَق وتُهرَّب موارد السودان للخارج، كما يحدث للذهب السودانى الآن، أنَّهم يسرقون ويهرِّبون موارد السودان،
. لتحقيق ما جاء أعلاه، لا بُدَّ من تبنِّى معايير عادلة لإقتسام السلطة وتوزيع الثروة وضبط مداخِل جهاز الدولة، معايير تفكِّك أدوات هيمنة الجلابة وتنهِى هيمنتهم على الدولة والحُكم، واقع (5% من السكَّان يحكمون 95% منهم، بالحديد والنار)..
. وأهم هذه المعايير، معيار عدد السكان، سكان كل إقليم، ولاية، محلية، يجب أن ينالوا السلطة والثروة والوظائف فى الدولة السودانية حسب نسبتهم المئوية من مجموع سكان السودان، هذا هو مِعيار الذهب، عادل ومنصف ويؤكد دوماً على المواطنة المتساوية للجميع: “السودانيِّن متسَاوُون فى المواطنةِ”،
. إذا تحققت قاعدة المواطنة المتساوية لجميع السودانيين، وهو أمر سهل وعادل، تنتهى وتختفى للأبد ظاهرة وجريمة التمييز العنصرى، وتنتهى نتيجة لذلك أداتها “خِطاب الكراهية”، لأنَّ التمييز العنصرى يُمارس من خلال نشرِ خطاب الكراهية،
. ومن الأشياء التى يجب ملاحظتها، أن الوضعَ القائم بسببِ هيمنة الجلابة على الدولة بالنِسبِ أعلاه لا يَهنأون بها البَتَّة، بل يعانون فى إستِدامتِها، لأنَّ غالبية السكان 95% ظلَّوا فى حالة مقاومة مُستمرة لهذا الظُلم، وبالمقابل طفقت الأقلية الحاكِمة تبذل جُلَّ موارد الدولة فى قمعِ الأغلبية التى تقاوم الظُلم.. وبالتالى الظُلم لم ولن يحقِّق للظالم السعادة التى ينشُدها، بل جلبَ له كراهية وبغضاء عظيمة، وأهل الهامش المظلوم لا يكِنُّون للحُكَّامِ الجلابة وُدَّاً، بل كراهية، ولا يضمرُون لهم خيرَاً بل شرٌّ مُستطِير، ويتحينون الوقت المناسب لينقضُّوا عليهم فى ثوراتِ جِياع معلُومة النتائج،
. لذلك، حُكَّام السودان جُبِلُوا على الظلم،”لأنَّ فى تكوينِهم الرُوحِى بُقعة مُظلِمة، لذلك إنَّهم يبدِّدون أنبلَ طاقة يمنَحها الله للنَّاسِ: طاقَة الحبّ”. وضحاياهم من السُكَّانِ الأصليين ظلوا يقاومون ظلمهم بشتَّى السُبُل، وكأنَّهم يردِّدُون ما قاله “مصطفى سعيد” بطل موسم الهِجرة للشمال، رائعة الطيب صالح، لضحاياه من حَسناوَاتِ لندن، آن هامند، شيلا غرينود، إيزابيلا سيمور، جين مورس، يقول: (رأسى أفريقى يمُور بطفولَةٍ شِرِّيرة، ولكن، إلى أن يرثَ المستضعَفُون الأرض، وتُسرَّح الجُيوش، ويلعبُ الصبِىُّ كُرَة المَاء مع التمسَاح فى النَهرِ، إلى أن يأتى زمانُ السَعادة والحُب هذا سأظلُّ أعبِّرُ عن نفسى بهذه الطريقة المُلتَوِية)، من رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”،
. ومن تحدِّيات التمييز العنصرى وخطاب الكراهية فى السودان أنَّه صار ثقافة، صار جزء أصيل من الخطابِ والممارسة اليومية للجلابة ضد بقية سكان البلد الأصليين، وهذه صَعَّبت من فُرصِ الحَلّ،
. ومطلوب الآن، كى يعيش السودانيون مواطنين متساويين، أن (يفرمِت) الجلابى نفسه تماماً ويتجهز بمدخلات جديدة (To install a new software). وهذا إن لم يكن مُستحيلاً فهو صعب صعوبة بالغة، وإذا خُيَّر الجلابى لإختار الإستمرار فى الصراع لإستدامة دولته الظالِمة، وأنه لا يعرف أن عهد هيمنته قد وَلَّى، والخيارات تضيقُ عليهم مثل شخص إعتقلته الشرطة ووَضَعت “الكلباش” على يديه ولكنه يقاوم (يناتِل)، وكلما فعل ضاقَ القَيدُ على يديِّه،
. ومن الحلول أيضاً، أن يفكِّرَ أقلية الجلابة فى هِجرة عكسية للبلاد التى أتوا منها، مع المستعمرين، وهى معروفة: مصر، سوريا، تركيا، واليونان. فضلا عن الأعراب الخوارج الذين وصلوا السودان هارِبين من حروب الردَّة التى شنَّها عليهم الخليفة أبوبكر الصديق لمَّا منعوه الزكاة، فهربوا بإبلِهم تارِكين له الدين الذى يسألهم زكاة أموالهم.. وإذا إختار أقلية الجلابة الهِجرة إلى حيث أتوا، فعلى السودانيين تشجيعهم على ذلك، لأنه الحل الذى يحقق لبقية السُكَّان حياة آمنة مُستقرَّة، وعوداً حميداً لهم إلى منبَعِهم، الله لا أعادَهم إلينا مرَّة أخرى،
. قلت أنَّ العنصرية والظلم والإنفراد بحُكمِ البلد وأكل خيراته صارت ثقافة وبصمة وفصيلة دم للجلابة، والجلابى لا يستطيعُ العيش بلا ظلم وأكل حقوق الآخرين والإساءة إليهم. لذلك، يجب على الذين هم بصدد إصدار قانون لمكافحة التمييز العنصرى وخطاب الكراهية، أن يكتبوا فى ديباجة القانون:
(يُعتبر ممارسة التمييز العنصرى، ونشر خطاب الكراهية جريمة وعدوان على المجنى عليه، وإستفزاز شديد ومفاجئ يبيحُ للمجنى عليه الرد عليه بنفس درجة العنف والضرر الذى أحسَّه. ولا يُعتبر الفعلُ جريمة إذا وقع رَدَّاً سريعاً ومباشراً على فعل أو قول يُعتبر تمييزاً عنصرياً، أو خطاب كراهية فى مواجهة المجنى عليه. ويحِقُّ للمجنى عليه مطالبة الجانى بتعويضٍ مُجزٍ كجزء من الدعوى الجنائية، ويكون ذلك التعويض دَيناً مُمتَازاً). هذا من النصوص المُهمَّة التى يجب تضمِينها فى هذا القانون، أقصد إعتبار أن توجيه فعل أو قول يشكِّل تمييز عنصرى أو توجيه خطاب الكراهية هو عدوان خطير ومفاجئ يبيحُ الرَدَّ، ويكون الردُّ مُمَارسة لحقِّ الدفاع الشرعى عن النفس.. هذا مُهم جدَّاً،
. كما أنصحكم بتفادى إستخدام كلمة (قومى) التى وردت فى المادة (8)، لا تقعوا فى فخِّ هذه الكلمة المدسوسة على ثقافة السودان ووَعيِه على أنه يعبِّر عن (الوطن) بشموله، “قومى” نسب لقوم، والسودانيين ليسوا قومَاً، بكل هم شعوب مختلفة وأقوام متنوعة، والذى يجمع السودانيون هو(الوطن السودان) بأقاليمه المختلفة، ولا يجمعهم (عرق) أو (جنس) أو (قوم)، فتفادوا إستخدام كلمة (قومى) وإستخدموا (وطنى)، فقولوا “المُنتخب الوطنى”، و”القضايا الوطنية”، قل “أنا إنسان وطنى”، وليس “قومى”.. قوم مَنْ مثلا؟،
. لا يَسوَى شيئ إصدار قانون لمكافحة التمييز العنصرى، ولا يغيِّر من واقعنا اليومى، ما لم تُتَّخد إجراءات كفيلة بإعادة هيكلة الدولة السودانية بإخراجها من هيمنة ثُلَّة الجلابة الحاكمة التى تُمارس العنصرية وخطاب الكراهية بشكل طبيعى، يومى، ومُباح،
. وإليكم نماذج من عنصرية الدولة تُمارس جهراً من أعلى المسؤولين فى حكومة السودان:
. “هسى الغرباوية دى، لو رِكِبا جعلى، دا إغتصاب ولا شرف ليها ؟”، عمر البشير رئيس سودان الجلابة 30 سنة، حتى 11 أبريل 2019م،
. فيديو أسرى حركة العدل والمساواة السودانية فى معركة قوز دنقو، المُعلِق على الفيديو وهو ضابط كبير فى الجيش، يتحدَّث بلا مواربة أمام الأسرى بقوله (ديل كلهم عبيد، أى عبيد والله.. كلهم عبيد).. حديث مُقزِز من شخص جبان، يتجاسر أمام أسرى لا حول لهم ولا قوَّة،
. فيديو المجرم الهارب أنس عمر وآلى ولاية شرق دارفور المخلوع، قال مُخاطِباً أسرى حركة تحرير السودان، أن هؤلاء لا يستَحِقُّون القتل بطلقة ثمنها سبعة جنيهات، هؤلاء لا يستحقون القتل بطلقة!، لا ندرى يريدُ أن يقتلَهم بماذا ؟!،
. العنصرى الطيب مصطفى خال الرئيس ذبح ثوراً أسود إحتفالاً بأنفصال جنوب السودان،
. الكوزة الحاقدة حياة عبد الملك، تعرَّضت (لشاكوش) عاطفى من أحد أبناء دارفور فقامت بتسجيل ونشر خطابات كراهية تشتُم فيه وتسيئ لعمومِ دارفور وأهلِها، وتطالِب بفصلِ دارفور.. يقال أنَّ عشيقها الدارفورى هَجَرَها ؟، أو رفضَ الإستمرار معها، أو قل طلَّقها؟ أو رُبَّما كانَ الحُبُّ من طرفٍ الدكتورة وَحدَها ؟.. وهذه فى كلِّ الأحوال قضية خاصَّة يمكن حلَّها بسهولة، لكن الجلابة عموماً فى تكوينهم النفسى تلك البقعةِ المُظلِمة.. معقولة يا حياة شاكوش يطَلِّع مِنِّك السِم دا كلُّو ؟!،
. وزارات الحكومة الفدرالية الموظفين فيها 99% منهم جلابة: الخارجية، المالية، التجارة، البترول، الإعلام، بنك السودان .. إلخ،
. الجنرالات ولاة ولايات دارفور كلهم جلابة لأن دخول الكلية الحربية ممنوعة على أبناء دارفور، فلا بُدَّ من أرسال جنرالات جلابة لحُكمنا بالحديد والنار، وقمعنا وإذلالنا وقتلنا،
. سُفراء السودان لجميع الدول، زائد القناصل والموظفين 99% منهم جلابة،
. الأحزاب السياسية السودانية 99% من قادتها جلابة، ونقول لهم “تانى زول يجى يقاطع لينا فى ولاياتنا مافى”،
. حتَّى أيقونات ثورة ديسمبر الشعبية 2018م، أبناء الهامش منهم تآمرَ عليهم الجلابة وأدخلوهم السجون ومستشفيات الأمراض النفسية (دسيس مان، شو تايم)، بينما الأقل منهم إبداعاً وعطاء من عِيال الجلابة “طاروا السماء” ولصوص الإعانات الإنسانية لمعسكرات النازحين فى دارفور صاروا وزرَاء،
. الشارع السودانى عادة، مشحون بخطاب كراهية من صباح الرحمن للعِشاء، ولا يمكنك أن تسمعَ حديثاً ودُودَاً بين إثنين فى الشارع العام، الكلام كله عنصرية وكراهية وإزدِرَاء،
. وأخيراً، رأى الناس بأعيُنِهم، كيف مارس الجلابة التنمُّر والعنصرية وخطاب الكراهية فى مواجهة حارس مرمى فريق من نيالا تزوج بإمرأة جلابية!. طيب يا جلابة ما انتو اقنِعوا بناتكم ما يحِبَّن أولادنا ؟!، ليه بناتكم السمحات مُغرمات بأولادنا الشينين؟! سِين سؤال،
نواصل إذا إقتضَى الحال.