ورشة إصلاح القطاع الأمني والعسكري في السودان

هل تشكل بداية للتوافق ونزع فتيل الصدام بين الجيش والدعم السريع

0 108

تقدير موقف
وحدة الشؤون الأفريقية – مركز تقدم للسياسات
مقدمة:
تنعقد بالخرطوم ورشة الإصلاح الأمني والعسكري كآخر ورش ومؤتمرات القضايا الخمس العالقة في الاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر الماضي بين قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي والمكون العسكري، والتي تضم أيضاً قضايا العدالة الانتقالية وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، وقضية شرق السودان بجانب اتفاق السلام .
-تعهد رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في أولي جلسات الورشة، بالعمل على تأسيس قوات مسلحة ملتزمة بمعايير الأنظمة الديمقراطية، ومؤكدا أن الإصلاح الأمني عملية معقدة وطويلة وستتم وفق أسس سودانية خالصة ..
– أكد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي ,في ذات الورشة , إن الوصول لجيش واحد هو هدف الجميع، وذلك وفقاً للمسائل الفنية المتفق عليها، وأن إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية يحتاج إلى تطوير ومواكبة في التشريعات والقوانين، وهي مهام تعنى بها مؤسسات مدنية مثل وزارة العدل والمجلس , مطالبا بإبعاد قضية الإصلاح الأمني والعسكري من السجال السياسي.
تحليل :
تأتي هذه الورشة استجابة لمطالب القوى السياسية المدنية المتعلقة بهيكلة القطاع الأمني والعسكري وإصلاحه عبر إبعاد عناصر النظام القديم والحد من سيطرة الإسلاميين ، إلى جانب إنهاء استقلالية قوات الدعم السريع ودمجها في القوات المسلحة , ومعها الحركات المسلحة والمليشيات وذلك لتكوين جيش قومي وطني موحد .وهو مطلب الجيش أيضا , وذلك بعد النفوذ المتزايد لقوات الدعم السريع والذي بات يهدد مصالحه .
تصريحات قائد القوات المسلحة والدعم السريع , البرهان و حميدتي , كانت منسجمة فيما يتعلق بالإجراءات الفنية حول إصلاح المؤسسة العسكرية , وكانا متفقين حول إبعاد القوى السياسية عن عملية هيكلة القطاع الأمني والعسكري الذي لا ينفصل ( وفق اشتراطهم) عن الإصلاح السياسي والمدني ، والذي يجب أن تتوافق خطواته مع عملية الإصلاح الأمني والعسكري , الأمر الذي يعتبر تطورا إيجابيا في العلاقة ما بين المؤسستين والتي كانت قد بلغت أسوأ مراحلها في الأسابيع الماضية , مما يؤشر لوصول الجنرالين لتفاهمات حول خلافاتهم السابقة ( دمج الدعم السريع والحاضنة السياسية ) والتقاء مصالحهم بعيدا عن القوى المدنية , حيث تشير معلومات مؤكدة أن دمج الدعم السريع سيكون خلال عشرة أعوام تتم في خلالها المعالجات الفنية والإدارية العملية , أما الحاضنة السياسية فسوف يكتفي الطرفان بمراقبة العملية السياسية من دون توفير الدعم لأي طرف ، كتعبير عملي عن عدم تدخلهم في الشؤون السياسية .
أيضا، تتطلع القوى السياسية في مشروعها الدستوري لجعل القوات المسلحة تحت إمرة السلطة المدنية، لكن ذلك يتعارض مع تصريح الفريق البرهان الذي قطع بعدم خضوع الجيش إلا لحكومة منتخبة، وبقاء الجيش خارج السلطة مع الاكتفاء بمراقبة الفترة الانتقالية، مما يضع القوى المدنية تحت السيطرة غير المباشرة للعسكريين. ويوحي بأن المكون العسكري يراهن على عدم قدرة المدنيين في إدارة خلافاتهم وبالتالي إدارة الفترة الانتقالية.
الخلاصة:
ورشة إصلاح القطاع العسكري والأمني تعتبر موضوعيا، المدخل الرئيسي لنزع فتيل الأزمة ما بين القوات المسلحة والدعم السريع، اللذان يعتبران الأساس الحافظ لكينونة الدولة، ومن المفترض أن توفر الدعم لعملية الانتقال السلمي على الرغم من التحديات التي تقف امامها، والمتمثلة : في تيار الكتلة الديمقراطية وقوى النظام القديم وتيار الجذريين. المعضلة الاولى تتمثل انضمام حركتي مناوي وجبريل للاتفاق السياسي ، مما يعني ضمنيا انهيار الكتلة الديمقراطية وفشل مخطط بعض الأطراف الإقليمية والدولية مؤقتا في في إدخالها في الصراع مع الدعم السريع. وبالتالي وضع بقية أطراف الكتلة المستبعدة في مواجهة مع التسوية السياسية . أما المؤتمر الوطني وعناصر النظام القديم ، فالتقدير أنهم يسعون لشراء الوقت والاستعداد للانتخابات أو الاصطياد في خلافات أطراف العملية السياسية، آخر التحديات هم تيار الجذريين بقيادة الشيوعي والبعث ، فرهانهم يتوقف على مقدرة أطراف الاتفاق السياسي على تنفيذ برنامجهم وعلى روافع قوى الشارع في تحقيق أهدافهم.
لكن الشكوك لا زالت تحيط بفرضية قرب نهاية الصراع بين الجيش الذي لم تتغير بنيته وعقيدته ومكونات قيادته منذ ثورة ديسمبر 2019 وبين قوات الدعم السريع التي كانت أداة رئيسة لنظام البشير في مواجهة التمرد المسلح في دارفور. فالحسابات الجهوية والقبلية لدولة الشمال النيلي لا زالت راسخة ، ولم تصل روح الثورة والتغيير الى بنية القوات المسلحة بعد ، وذلك بإعادة هيكلتها من الأعلى وصولا الى شروط القبول في الكليات العسكرية والشرطية والأمنية ، ورغم كل الادعاء بأن الجيش هو لكل المكونات العرقية والقومية السودانية ، إلا أنه عقلية جماعات الإسلام السياسي التي حكمت البلاد طيلة ثلاثين عاما ، هي المتحكمة حتى اليوم بمفاصل عمل الجيش والدولة ، كما أن شعارات الثورة الأولى بضرورة خروج الجيش من عالم التجارة والصناعة والمال والتفرغ لمهامه العسكرية في الحفاظ على حدود البلاد وأمنها القومي، لا زالت دون تحقق . المسالة الأخرى التي تميز المرحلة الحالية وتجعل من التوافق السياسي غاية في التعقيد تتمثل في البعد الإقليمي والدولي ، مع فقدان المشهد السياسي برمته قراره المستقل في مواجهة التدخلات الخارجية ، الإقليمية المتعارضة والمتناقضة أحيانا ، وكذا الدولية ، التي ترى في الدعم السريع هو العدو الذي يجب إخراجه من المعادلة السياسية ، بل وشرطا لدعم انتقال سلمي أمن للبلاد ، حيث يتهم بأنه أداة لقوات شركة فاغنر والطموحات الروسية في بناء قواعد عسكرية في الساحل السوداني .
من الواقعية بمكان ،الشك المبرر بقدرة القوى المدنية والعسكرية على تجاوز مصالحها الضيقة ، لهذا يبقى مصير البلد معلقا ، بانتظار توافق الأطراف الإقليمية والدولية على استقرار السودان مدخلا لتوافق أهله ومستقبل نظامه السياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.