وطوى صلاح عبد العال بيان انقلاب القوة الثالثة بشجاعة واحتضن نميري مهنئاً

0 88
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
اجتمعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في سبتمبر ١٩٧١ ولم ينقض شهران على الضربة القاتلة التي تلقاها الحزب في ٢٢ يوليو ١٩٧١ بعودة نميري واغتياله لنوارة قيادته. وتلقينا في المعتقلات خبر انعقاد تلك الدورة، التي انتخبت محمد إبراهيم سكرتيراً، بفرح “نحن القالو فتنا وقالو متنا”. وهي الدورة التي أعلنت بغير لبس أننا أبرياء من دم بيت الضيافة.
وكنت قد نبهت إلى غيبة طالت لوثيقة صدرت من تلك الدورة حملت أول عبارة عن “القوة الثالثة” التي، من رأينا، أنها قتلت الضباط الذين تحفظ عليهم انقلاب 19 يوليو 1971 في بيت الضيافة. وهي قوة ثالثة في القوات المسلحة أرادت تقلد الحكم بالقضاء على دولة نميري وسلطة انقلاب 19 يوليو بضربة واحدة. بل ووصلت تلك القوة قريباً من إذاعة بيانها بواسطة الرائد آنذاك صلاح عبد العال كما روى المرحوم إبراهيم الجزولي. فقد جاءه صلاح، ود حلة من الموردة، في التلفزيون وطلب منه إعداد الاستوديو ليذيع خبر انقلابه الذي ظن نجاحه. وبقي يذاكر في البيان بينما يعد الجزولي في الاستديو. وفجأة ظهر نميري في حشد ودخل مبنى التلفزيون. فطوى صلاح بيانه بشجاعة وحشره في جيبه وعانق نميري بالتهنئة بالعودة.
وأنقل لكم أدناه نص هذه العبارة الشيوعية الأولى عن القوة الثالثة كما وردت في كتاب “الثورة المضادة في السودان” (١٩٧٣) “:
-إن الدبابات المهاجمة للبيت استخدمت مدفعيتها الثقيلة وأحدثت قذائفها فجوات كبيرة وواضحة على جدران البيت. وتظهر آثار شظايا القذائف على جثث الضباط القتلى مما يكذب الادعاء القائل بأنهم قتلوا بالمسدسات والرشاشات.
-لم تثبت في المحكمة الاتهامات الموجهة ضد الشهيد الحاردلو وزميله بأنهما قتلا الضباط، كما لم تثبت التهمة ضد الشهيد الجندي أحمد إبراهيم، الذي قدمته السلطة (للمحاكمة بتهمة قتل الضباط) بعد ثلاثة أسابيع (من وقوع المذبحة). هذا بالإضافة إلى أن الأمر كله لم يخضع للتحقيق الذي تتطلبه العدالة أو القوانين العسكرية.
-ذكر بعض الضباط الذين استجوبتهم الإذاعة أنهم لا يستطيعون تحديد الجهة التي انطلق منها الرصاص: هل من جانب المهاجمين للبيت أم المكلفين بحراسته، كما ذكر أحد الجنود أنهم اقتحموا أبواب البيت (بيت الضيافة) بالرشاشات وفتحوه عنوة.
-إن استغلال حادث بيت الضيافة، وإثارة المشاعر بموكب الدفن، يؤكد أن الأمر كله نسخة أخرى من حادث معهد المعلمين العالي عام 1965، لإثارة موجة العداء للشيوعية والحركة الثورية. واستخدمت السلطة موضوع بيت الضيافة لتغطية إبادتها لمائتي جندي دون محاكمة وهم عزل من السلاح، والتستر على الذين ارتكبوا الجريمة، وتبرير مجازرها والإعدامات الوحشية، وحشية انتقام البرجوازي الصغير عندما تمس سلطته أو ملكيته.
لم يوال الحزب الشيوعي نظريته حسنة التأسيس عن القوة الثالثة منذ أذاعها قبل نحو 40 عاماً. فقد عطل التفكر فيها حين قالت اللجنة المركزية للحزب إنها وحدها التي ستتولى كِبَر تحري 19 يوليو وذيوله. ولم تفعل ذلك إلا في 1996 في كتاب لم يتطرق لواقعة بيت الضيافة. وهذا تضييق شديد كنت احتججت عليه وأنا رهن الحزب في منتصف السبعينات. ولما منع الحزب المجتهدين بالنظر والمتفننين بالإبداع التوثيقي من أعضائه من “الاقتراب أو تصوير” 19 يوليو وذيوله بقيت نظرية القوة الثالثة (على وجاهتها وقابليتها للتطوير) في حالتها الأولى كجنين مجهض. وبقى وزر مذبحة بيت الضيافة معلقاً على جنب الشيوعيين لا يعرفون لدفعه عنهم صرفاً ولا عدلاً. وهذه هي الحزبية البغيضة. تجتمع أفضل العقول وأذكى المواهب في حركة للتغيير ثم يقوم فيهم “ألفة” يوريهم نجوم القايلة. وأكثرهم يقبل بهذه الغلظة ويتبخر الخير والإبداع فيهم إلى الأبد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.