أضواء على الخلاف في الكنيسة الارثوذكسية في اثيوبيا، انتفاضة كنيسة الاورومو قد تفتح حربا جديدة.

ورقة سياسات : علي هندي ، مركز تقدم للسياسات

0 117

 

بعد المواجهة الدامية التي خاضتها الحكومة الاثيوبية  ضد جبهةتحرير تيغراي بكلفتها البشرية والمالية،الا انها ادخلت البلاد فيامتحان صعب بات يهدد النسيج الاثني والديني . فالبلاد المتعددةالعرقيات والأديان باتت  في مواجهة اخرى بنفس المستوى ولكنبمقدمات وادوات مختلفة. فقد وضع التوتر المؤسسة الدينية العريقةفي إثيوبيا في مواجهة عرقية  الاورومو.

تهدف هذه الورقة ، تسليط الضوء على نوع من صراعالهوياتالقاتلةفي بلد أنهكته الحروب الأهلية منذ سقوط الامبراطورهيلاسلاسي إلى يومنا هذا.

التحليل :

نجحت الكنيسة الارثوذكسية في إبقاء هذا النوع من الصراعات فيغياهب النسيان، لكن المتغيرات السياسية الجارية ، وتحديدا منذنجاح انتفاضة الاورومو عام 2018 . فقد صعد احد أبنائها الدكتورابي احمد الى سدة السلطة لأول مرة في تاريخ البلاد ، هذه القوميةورغم أنها تشكل أغلبية عددية بمسلميها ومسيحييها ، إلا أنها عانتمن التهميش والإفقار التاريخي تحت حكم الامهرا والتيغراي . وبقيتحبيسة تشريعات دينية معقدة. ولم يقتصر الأمر على المطالبةبالمساواة في السلطة والثروة وحقها في استعادة ملكيتها منالأراضي ، بل وبروز مطالب لمعالجة الغبن التاريخي الذي لحقبالجزء المسيحي من تلك القومية الصاعدة.

فتح هذا الملف بعد مطالبة الكنائس الاورومية إقامة القداسوالصلوات باللغة الاورومية وكذلك صلاحية تعيين الأساقفة للكنائسوالأبرشيات التي تقع في المناطق التي يغلب عليها الاورومو.  في 22 يناير 2023 قامت مجموعة بقيادة الأب ساويروس، أسقف أبرشياتجنوب وغرب شوا، بمشاركة إثنين آخرين من رؤساء الأساقفة بتعيين17 أسقفا للأبرشيات الواقعة في منطقة أوروميا، و 9 آخرينخارجها. كما تم تعيين الأب ساويروس مطرانا عاما للكنيسة . وطالبت المجمع الكنسي الاعتراف بالتعينات الجديدة، وضمأعضائها إلى المجمع ، وهددت بتأسيس مجمع كنسي خاص بإقليمأوروميا إذا لم تستجب الكنيسة لمطالبهم. لكن المَجمَع الكنسي، وفياجتماع طارئ عقد في 26 يناير، اعتمد قرارا بطرد المجموعة المنشقةوإدانتها، واعتبر أعضائها خارجين على تعاليم الكنيسة وشرائعها. وقام المجمع بنزع الألقاب الكنسية والمناصب الكهنوتية عن أعضاءالمجموعة وحذر أتباع الكنيسة منهم. أما الأب ساويروس، فقد أوضحأن مجموعته اتخذت القرار بعد أن فشلت مشاورات طويلة الأمدداخل الكنيسة استجابة لخدمة المؤمنين بلغاتهم الأصلية واحترامثقافتهم، مما أدى إلى فقدان ملايين المؤمنين على مدى السنواتالماضية في أوروميا والمنطقة الجنوبية. كما اتهم الأب ساويروسالمجمع الكنسي الحالي بسيطرة مجموعة واحدة على ٨٥ % منأعضائها، في إشارة إلى قومية الأمهرا، مما يعرقل إجراء أيةإصلاحات. وفي المقابل، تتهم التيارات المتشددة داخل الكنيسة،القوميين بالسعي لإعادة تشكيل الكنيسة على الخط الإثني السائدسياسيا في البلاد.

تعاني الكنيسة الأورثوذكسية في إقليم أوروميا والجنوب الإثيوبيفقدان كبير لأتباعها، حيث تتحول شرائح كبيرة إلى طائفةالبروتستانت، التي تستهوي تعاليمها الإصلاحية وتوجهاتها الليبراليةالكثير من النخب وشرائح الشباب.أبعد آبي أحمد نفسه وحكومته عنخلافات الكنيسة وقال ،هناك قدر من الحقائق لدى طرفي الخلاف،وجميعهم آباؤنا ، ونحن لا نقف مع مجموعة ضد أخرى، وهو مااعتبرته الكنيسة حيادا سلبيا لصالح المجموعة المنشقة. واعتبر رئيسالوزراء خلافات الكنيسة ذات بعد سياسي وعرقي ومصلحي، وحثالقيادات الدينية الابتعاد عن السياسة والخلافات الإثنية، ومحاربةالفساد المستشري داخل المؤسسات الدينية على عمومها. تأتيتصريحات آبي أحمد، في ضوء اتهامات من قبل الكنيسة والتياراتالمحافظة الحكومة بالتدخل في الشؤون الكنسية، وتشجيع القياداتالدينية ذات الأصول الأورومية بالتمرد على الكنيسة المركزية.

تاريخ الكنيسة الارثوذكسية في اثيوبيا

  تعد الكنيسة الارثوذكسية الاثيوبية واحدة من أقدم الكنائس فيالعالم ، حيث يعود تاريخ نشأتها إلى العام 330 ميلادية وهو العامالذي أقرت فيه مملكة اكسوم باعتماد الديانة المسيحية  كدين رسميللمملكة. وكانت بذلك ثاني دولة في العالم تتبنى المسيحية رسميًا.

يعرف المذهب الارثوذكسي في اثيوبيا باسمتواهدووهي كلمةجعزيةلغة سامية إثيوبية قديمة– . نشأت فيما يعرف الآن بشمالإثيوبيا وإرتريا، وهي قريبة من لغات التيغري التيغرينية المنتشرتانفي شمال اثيوبيا وارتريا وكذلك الأمهرية الشائعة في إثيوبياوتعنيكلمة تواهدومتحدون كواحدوهي تشير إلى الإيمان الأرثوذكسيالشرقي بالطبيعة الواحدة الموحدة تمامًا للمسيح. أي أن الاتحادالكامل بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية في طبيعة واحدة منأجل تحقيق الخلاص الإلهي للبشرية.

نجحت كنيسة التواهدو أو التوحد الأرثوذكسية الإثيوبية في تحقيقالقطيعة عن روما ، والتصدي لمحاولات انتشار الإسلام، كما نجحتفي التصدي لمحاولات الاستعمار المتكررة تغيير تعاليمها . وتعتبركنيسة التواهد والإثيوبية واحدة من أكبر الكنائس الأرثوذكسيةالشرقية. وواحدة من الكنائس المسيحية القليلة في أفريقيا جنوبالصحراء التي نشأت قبل الاستعمار الأوروبي للقارة.

تبنى الملوك والاباطرة الذين تعاقبوا على حكم الهضبة الحبشية ،المسيحية الارثوذكسية كدين رسمي لممالكهم التي تنوعت رقعتهاالجغرافية. ونتيجة لذلك أصبح للكنيسة دور في رسم سياساتالدولة، انتج في شقة الاول ، سردية السلالة الإمبراطورية شبه إلهيةالتي ارتبطت بالملك سليمان ونظرية ارتباط الدولة الإقليمية بمباركةالهية. اما الشق الثاني فيتمثل في دور المسيحية في السرديةالوطنية الإثيوبية والتي ارتبطت بحكم الظروف السياسية اللاحقةباللغة الامهرية.  جرى ترجمة الكتاب المقدس إلى الامهرية في العام1808 ، في مفارقة تاريخية ذات دلالة انها كانت على يد المصري أبوالرومي ، وقد أدى الى ارتباط الكنيسة بالثقافة الأمهرية التي صارتبعد ولادة إثيوبيا الحديثة في العام 1889 على يد الإمبراطور مينليكالثاني الدين الرسمي للبلاد وطبعت ثقافتها إلى يومنا هذا. ومعاحتفاظ المسيحية بموقعها كدين رسمي للدولة الحديثة، توفرتالظروف الملائمة لهيمنة قومية الامهرا على مؤسسات الدولة، وهذايفسر اقتران اسم الكنيسة بالامهرية حيث كانت ولسنوات عديدةتعرف بالكنيسة الارثوذكسية الامهرية.

الاورومو في مواجهة الكنيسة:

وفق لبعض المصادر فان رجال الدين الارثوذكس كانوا من ضمنجنود الامبراطور منيليك الذي كان يسعى إلى توسيع رقعة مملكتهمن خلال بسط نفوذه على أراضي الاورومو، وأن قدومهم على هذهالشاكلة وليس كرجال دين يحملون دعوة الرب،  الأمر الذي تسبب فيأن ينظر السواد الاعظم من ابناء الاورومو لهم نظرة سلبية. وتعززهذا الشعور بعد ان قام رجال الدين اسوة بملاك الأراضي منالاقطاعيين الذين كان غالبيتهم من الامهرا بانتزاع الأراضي منالفلاحين واجبارهم على العمل فيها.  ورسخ حكم الامبراطورهيلاسلاسي لسلطة الكنيسة بعد أن اصبحت رسميا سلطة موازيةلسلطة الامبراطور وبات لها الحق في ربع أراضي الدولة، وهو ما صعب من مهمة الأورومو في مقاومة التهميش والاضطهاد الذيمورس عليهم ، من قبل رجال الدين او الاقطاعيين من ملاك الأراضيالجدد. وظهرت محاولات مختلفة من قبل شخصيات اورومية من أجلتحقيق مشاركة فعالة للاورومو في إدارة شؤونهم الدينية والتخلصمن أشكال الهيمنة التي مورست عليهم، وكان أبرز هذه المحاولاتالترجمة التي قام بها الاورومي اونيسموس نصيب للكتاب المقدسإلى اللغة الأورومية عام 1905. وقادت تلك المحاولة اونيسموس إلىالمحاكمة من قبل رجال الدين الذي اتهموه باستخدام لغة غير مفهومةوالتعدي على ذات مريم العذارء، وامر بابا الكنيسة انذاك بنفيه إلىخارج البلاد لولا تدخل الامبراطور الذي أمر بعدم نفيه والاكتفاءبتحديد إقامته في مدينة نكمتي ومنعه من ممارسة الدعوة. وبعدمرور 90 عاما ، في عام 1993 رفض رجال الكنيسة السماح باقامةالقداس على جثمان الناشطة ابراش دبالا، ابنة الـ22 ربيعا وذلك بعداتهامها بالهرطقة على إثر قيامها بنشر تعاليم دينية باللغة الاورومية. سنوات طويلة مرت على الحراك الأورومي المسيحي ،قبل أن تتوفرالظروف الملائمة ، كي يقوم بطرح مطالبة التي مهدت لما اعتبرهالمجلس الكنسي العام تجرؤا على الكيان المقدس. وتمثلت المطالبفي الآتي:

·  وجوب توفر نسخة باللغة الأورومية للكتاب المقدس وذلك كييتمكن الاورمو من فهم تعاليم الدين.

·  اقامة كلية أو جامعة لتدريس اللاهوت بالاورومية، ومنعالتمييز الذي يمارس ضد الطلبة الاوروميين في معاهد اللاهوت.

·  ضرورة وضع قيود لضمان استفادة الأهالي من الاراضيالتي في حوزة الكنيسة، والتوقف عن منح الامتيازات للغرباءباستخدام مبررات عقائدية.

·  وضع قوانين لمنع  رجال الدين والأساقفة والرهبان الذين لايرغبون في تعلم الاورومية من الاستفادة من الأموال التي تجمع منالمصلين.

·  ضرورة ضمان الاستفادة الحصرية لمناطق الاورومو منالأموال التي يتم جمعها باسم التوسع الاستثماري للكنائس فياوروميا. وعدم تخصيصها لمشاريع تعود بالفائدة على غير الاورومو.

في السابق كان غالبية المسيحين الاورومو يتبعون المذهبالارثوذكسي، ولكن السنوات الثلاثين الماضية شهدت هجرة أعدادكبيرة منهم نحو المذهب البروتستانتي الذي لعب انتشاره من خلالالإرساليات التبشيرية الغربية دورا في حصول أعداد كبيرة من أبناءالاورومو على فرص التعليم. ولا تتوفر إحصائيات رسمية عن نسبةالارثوذكس والبروتسانت، وذلك يسري على نسبة أعداد المسيحينالاورومو وهذا راجع إلى الغموض الذي يكتنف التصريحات الرسميةحول الأعداد والنسب كذلك.

ان نشر التعليم في بعض مناطق الاورومو الذي تم على يدالإرساليات البروتستانتية، كان له الفضل في إمداد الحراك الذينشأ للدفاع عن حقوق الاورومو بالكفاءات العملية التي تحملتمسؤولية مجابهة القوى التقليدية.

الخلاصة:

احتفظت الكنيسة الارثوذكسية بمكانتها بالرغم من الرياح العاتيةالتي تعرضت لها منذ سقوط النظام الإمبراطوري في أواسطالسبعينيات من القرن الماضي. كما ترتب على سقوط النظامالعسكري العام 1991 تعيين الاب بولس بطريركا جديدا خلفا للابميركوريوس الذي قالت الحكومة حينها أنه تنحى من منفاه، الأمرالذي أنكره هو ومجموعة الأساقفة الذين انضموا إليه ليعلنوا رفضهملشرعية المجمع الكنسي في اثيوبيا ويعلنوا تاسيسهم لمجمع يمثلالكنيسة الارثوذكسية من المنفي، وانتهي الانشقاق داخل الكنيسةالذي استمر  لمدة 26 عاما في العام 2018 ، بعد أن أعلن مندوبونمن البطريركية في أديس أبابا ، ومن هم في الولايات المتحدة ، إعادةالتوحيد في واشنطن، وكان ذلك بسبب المساعي التي بذلها أبيأحمد فور وصوله للسلطة. أما الانشقاق الثاني فكان حين حصلتالكنيسة الأرثوذكسية الإريترية على استقلالها  عن الكنيسةالأرثوذكسية الإثيوبية في 28 سبتمبر 1993. وهي خطوة قوبلتبمعارضة شرسة من قبل مجموعة من الاساقفة الذين وصفوا الخطوةبانها تفكيك التراث الروحي لاثيوبيا. هذه الاحداث كانت بالنسبةللقوميات الاثيوبية الاخرى فصلا من فصول المسرحية الاثيوبية التيعسكت ملامحهم وتاريخهم، اما بالنسبة للامهرا فان تلك الانشقاقاتالتي أصابت الكيان الديني ، اعتبروها  تهديدا لهويتهم و مكانتهمونفوذهم ، حيث ارتبط تاريخ تشكلها بالكنيسة واقترن اسمها باسمالكنيسة وشكل لسانهم ثقافتها. وهذا يقودنا الى حقيقة،  ان الامهرامعنيون بكل تفاصيل هذه المواجهة التي اشتعلت بين رجال الدين،وان ما يترتب عليها من نتائج ، ستكون له انعكاسات على مستقبلالمواجهة بينهم وبين الاورومو. فبعد النجاح في زحزحة هيمنة الامهراعلى إقليم شوا حيث المركز أديس أبابا، ستكون الكنيسة هيمسرحها الآخر، وأن نجاحهم في كسب المعركة الثقافية ، يمهدلزحزحة هيمنة الثقافة الامهرية. أما رئيس الوزراء ابي احمد فقديواجه تحديا يتمثل في انعكاس نتائج المواجهة بين الامهرا و الاوروموعلى نجاح  مشروعه في صهر القوميات الاثيوبية المختلفة، والذيأطلق عليه نظرية الدمجمدمر” . ومن غير الواضح ما  إذا كان سيوفق في تسويق رؤية مغايرة فيما يخص دور الكنيسة ، تنطويعلى نظرية الفصل وليس الدمج، وبالتالي تجنيب إثيوبيا مواجهةدموية أخرى قد تكون أكثر خطورة من تلك التي كانت مع جبهةتحرير تيغراي.

المصادر:

https://gospodarka.dziennik.pl/news/artykuly/8665880,isw-wyciek-kreml-dokument-wojna-ukraina-rosja-bialorus-nato-wladimir-putin.html

https://seerqabeenya.wordpress.com/2018/12/07/oromos-in-orthodox-church-the-forgotten-people/

https://niloticpost.com/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%84-%d9%8a%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%b9%d8%b6%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa/

https://addisstandard.com/news-orthodox-synod-says-agreement-to-resolve-schism-breached-as-breakaway-group-expresses-dissent/

https://www.rct.uk/collection/1005085/orite-zafetherate-book-of-genesis 2023.02.28

https://en.wikipedia.org/wiki/Onesimos_Nesib#Life

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.