إدريس ديبي ومتوالية إرجاء الانتخابات التشريعية في تشاد

0 103
د. سامي صبري عبدالقوي

باحث في الشؤون الإفريقية

رغم تبنّي الدستور التشادي لمبدأ التعدُّد الحزبيّ كسبيلٍ رئيسٍ لعملية التحوُّل الديمقراطي؛ إلَّا أنَّ واقع الأمر يبدو مغايرًا تمامًا، فلا يزال الحزب الواحد المسيطر يتصدَّر المشهد السياسي التشادي؛ حيث يهيمن الحزبُ الحاكمُ على مفاصل الدولة كافة، ويمتدّ هذا بدوره إلى البرلمان عبر استحواذه على جُلّ مقاعده، على نحوٍ يسمح له بتمرير أيّ قانون حتى لو تعلَّقت المسألة بمدّ أجل ولاية البرلمان ذاته، دون الالتفات لمدى دستورية ذلك.

في ظلّ هذه الهيمنة يأتي الإرجاء المتكرّر للانتخابات التشريعية بتشاد؛ بغضّ النظر عن الأسباب الكامنة خلف هذا الإجراء، أو التبريرات المتتالية التي يُروّجها ديبي وأركان حزبه بين الفينة والأخرى، وهو ما يشير بدوره إلى أن عملية التحوُّل الديمقراطيّ بتشاد تُواجه عراقيل عدَّة تَحُول دون تفعيلها على نحوٍ جدّيّ.

أولاً- ديبي والسيطرة على البرلمان

نصَّ الدستور التشادي المستفتَى عليه في عام 1995م، على تأسيس الجمعية الوطنية (البرلمان) التي ضمَّت 125 مقعدًا، ويُنتَخَب أعضاؤها كل أربع سنوات، من خلال 25 دائرة وحيدة التمثيل، و34 دائرة أخرى متعدِّدة التمثيل؛ أي: يمثّلها أكثرُ من شخصٍ، وقد تمَّ زيادة عدد مقاعد البرلمان على نحوٍ تدريجيّ خلال الانتخابات البرلمانية المتتالية، طبقًا لطبيعة النظام الانتخابي، وتقسيم الدوائر الانتخابية([1]).

وطبقًا لهذا الدستور -والذي عُدِّل في عام 2005م، ثم في عام 2016م-، يحظى رئيس الجمهورية بسلطاتٍ واسعةٍ، في ظلّ غياب آليَّات محاسبته عمَّا يتخذه من قرارات سلطوية.

ويُؤخَذ على هذا الدستور وتعديلاته مآخذ عدة؛ منها: غموض الموادّ المنظِّمة للممارَسة السياسية، كما لا توجد قوانين وتشريعات واضحة في القانون التشادي تُفسِّر مواد الدستور، وكيفية تطبيقها.

ومن خلال رَصْد ممارسات نظام ديبي، يمكن القول: إن ثمة عقبات قد حالت دون الالتزام بما جاء في بعض المواد الدستورية، في حين تمَّ الحرص على تنفيذ موادّ أخرى بدقة تسترعي الانتباه، كاستغلال السلطات التي منحها الدستور للسلطة التنفيذية، وخاصةً لرئيس الجمهورية.

وقد نتج عن مجمل هذه الثغرات: ضعف أداء البرلمان التشادي وتبعيته للرئيس([2])، بل إن التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2016م، ودخلت حيِّز التنفيذ في مايو 2018م؛ عزَّزت صلاحيات رئيس الجمهورية؛ حيث لم يَعُد الرئيس مُلْزَمًا بالمُثُول أمام البرلمان، ومن ثَمَّ منحت ديبي سلطة إدارة تشاد كما يشاء([3]).

وقد أُجريت أول انتخابات تشريعية في عهد ديبي في عام 1997م، ورغم أنه كان يُوجَد تمثيلٌ لعشرة أحزاب معارضة داخل البرلمان، غير أن حزب الحركة الوطنية للإنقاذ (أو الخلاص) Patriotic Salvation Movement الحاكم، حصَد وحده أغلبية مقاعد البرلمان، بحصوله على 63 مقعدًا من إجمالي 125، وحصل حزب الاتحاد من أجل النهضة والديمقراطية على 27 مقعدًا، في حين حصل حزب “الاتحاد الوطنى من أجل التنمية والنهضة” على 12 مقعدًا([4]).

وقد تمكن ديبي من استمالة العديد من أحزاب المعارضة الممثَّلة في البرلمان لصَفِّهِ، لا سيما خلال الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في مايو 2001م، التي خاضها ديبي بصفته رئيسًا لحزب الحركة الوطنية للإنقاذ؛ حيث تمكَّن من عَقْد تحالفات مع 27 حركة وحزبًا سياسيًّا كان من بينها ثلاثة أحزاب قوية ممثَّلة في البرلمان، وهو ما كان له دور في فوزه بها([5]).

وطبقًا للدستور الذي حدَّد إجراء الانتخابات البرلمانية كل أربعة أعوام، كان من المفترض أن تُجرَى انتخابات الولاية البرلمانية الثانية في أبريل 2001م، لكنَّها أُرْجِئَتْ بقرارٍ من اللجنة الوطنية المستقلّة للانتخابات (the Independent National Electoral Commission (CENI، ويبدو أن الإرجاء كان مرتبطًا في حقيقة الأمر بالأوضاع الأمنية بتشاد، وتنامي المعارضة المسلحة المتمردة ضد نظام ديبي، لا سيما في منطقة تيبستي Tibesti شمال البلاد، ولم تُجْرَ الانتخابات إلا في أبريل 2002م، بعد إجراء ديبي مفاوضات مع المتمردين، ووضع الترتيبات الأمنية الكفيلة بضمان تحرُّك المرشحين المتنافسين بدوائرهم؛ للترويح لبرامجهم الانتخابية، وتمكين اللجنة الوطنية المستقلّة للانتخابات من تنظيم الانتخابات على النحو الصحيح.

وقد شارك في هذه الانتخابات 40 حزبًا، حصد خلالها حزب الحركة الوطنية للإنقاذ الحاكم وحده 113 مقعدًا من إجمالي 155 مقعدًا بنسبة 72,9%، في حين تقاسم أربعة عشر حزبًا بقية المقاعد، وقد شكَّك العديد من المراقبين في نزاهة سَيْر العملية الانتخابية ومصداقية نتائجها، وهو ما يعني بدَوْره التشكيك في مشروعية المقاعد التي حصل عليها الحزب الحاكم([6])، والتي وظَّفَها ديبي على أفضل ما يكون للبقاء في السلطة؛ ففي عام 2005م قام ديبي بتعديل المادة (61) من الدستور، والتي تحدّد مدة انتخاب الرئيس لفترتين فقط، كل منها خمس سنوات؛ لتصبح مدة انتخاب الرئيس مفتوحة -وهذه المادة هي أكثر المواد الدستورية إلغاءً في الدول الإفريقية، في ظل سيطرة العسكريين على الحياة السياسية-.

وقد وافق البرلمان على هذا التعديل؛ بحكم سيطرة الحزب الحاكم عليه، وسط رفضٍ شديدٍ من أحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية، ما أدَّى إلى حدوث اضطرابات كبيرة في البلاد بين إضرابات ومظاهرات، واجهها ديبي بحملة كبيرة من الاعتقالات، كان لها انعكاسها على سعيه الدائم لدَحْر المعارضة أو تدجينها على أقل تقدير([7]).

أما انتخابات الولاية البرلمانية الثالثة التي كان من المقرَّر أن تُجْرَى في عام 2006م؛ فقد تم تأجيلها بقرار من البرلمان التشادي ذاته، ثم باتفاق وُقِّعَ في أغسطس 2007م بين الحزب الحاكم وحلفائه من جانب، وجُلّ أحزاب المعارضة من جانبٍ آخر، بعد ستة أشهر من المفاوضات من خلال وساطة قام بها الاتحاد الأوروبي؛ لحلِّ النزاع بين الحكومة وأحزاب المعارضة التي طالبت بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر.

وقد تمَّ الاتفاق على بنود عدة؛ أهمها: تنقية الجداول الانتخابية وتحديثها، وإعداد قاعدة بيانات للناخبين، وتشكيل لجنة انتخابية مستقلة مؤلفة من 31 عضوًا يُمَثَّل فيها الحزب الحاكم والمعارَضة على نحوٍ متساوٍ، ويتم اختيار رئيسها بتوافق من الطرفين، كما تم الاتفاق على إجراء اقتراع من دور واحد حتى يتسنَّى لقوات الأمن التشادية التصويت قبل بقية السكان بيومٍ.

ولإتاحة الوقت لتنفيذ هذا الاتفاق تم التوافق على تأجيل الانتخابات حتى عام 2009م، مع تمديد ولاية البرلمان لحين إجراء هذه الانتخابات، وقد وصف ديبي هذا الاتفاق بأنه خطوة نحو تحقيق السلام. على أنه عندما حلَّ الموعد المحدَّد للانتخابات سرعان ما تأجَّلت مرة أخرى إلى نوفمبر 2010م، لكن قبل هذا الميعاد بشهرين تم تأجيلها للمرة الثالثة بعد اجتماعٍ عُقِدَ بين الحزب الحاكم وزعماء المعارضة.

وقد أرجعتْ اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة ذلك إلى قيود التوقيت الناجمة عن التأثيرات السلبية التي واجهتها إبَّان الاستعداد لإجراء العملية الانتخابية، إضافة إلى التعلل بعدم إمكانية إجراء انتخابات ذات مصداقية في الوقت الذي يوجد فيه تمرُّد في جزءٍ من البلاد ([8]).

في الحقيقة، لقد ارتبطت هذه الفترة بعدم الاستقرار الأمنيّ، ونشاط المعارَضة المسلَّحة ضد نظام الرئيس ديبي، ولكن نظرًا لما اتَّسم به الرئيس التشادي من قدرة هائلة على المداهنة؛ فقد تمكَّن ديبي على نحوٍ كبيرٍ من احتواء معارضيه، لا سيما بعد تمرد 2008م، حينما كان نظامه قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وقد بدأ اختبار سياسة الاحتواء هذه في أغسطس 2010م، حينما أصدر قرارًا بالعفو العامّ عن المعارضة التشادية الموجودة بإقليم دارفور دون شروط، ودعوتها للعودة إلى البلاد، ومناقشة القضايا المهمة التي تُؤرّقها، وقد نجح عقب ذلك في عقد اتفاقية سلام مع السودان، التي كانت تُتَّهَم بدعم تلك المعارضة([9]).

وقد ترتب على ذلك عودة الاستقرار النِّسبي للبلاد، على نحوٍ بدت فيه الظروف مهيَّأةً لإجراء الاستحقاق الانتخابي المؤجَّل من عام 2006م، وفي إطار ذلك أعلنت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلّة للانتخابات في نهاية المطاف عن إجراء الانتخابات التشريعية في 13 فبراير 2011م، أي بعد خمس سنوات من موعدها الدستوري، ونُظِّمَتْ هذه الانتخابات من جولة واحدة بالنظام (النسبي). وقد شاركت جُلّ أحزاب المعارضة فيها، لا سيما الأحزاب الموقِّعَة على اتفاق أغسطس 2007م مع الحزب الحاكم؛ حيث سعت المعارضة من خلالها إلى تحديد ثقلها الانتخابي في مواجهة هذا الحزب. وأشرف على هذه الانتخابات نحو ألفي مراقب محلي ودولي([10]).

وقد تمكَّن حزب الحركة الوطنية للإنقاذ الحاكم من الحصول على أغلبية مطلقة بـحصده 113 مقعدًا من إجمالي 188 مقعدًا بنسبة 60%، وحصل حليفا حزب ديبي: التجمع من أجل الديمقراطية والتقدم” (RDP)، و”التجمع الوطني من أجل التنمية والتقدم” (RNDP) على 8 مقاعد و4 مقاعد على التوالي، في حين حصل حزب “الاتحاد الوطني من أجل الديموقراطية والتجديد” (UNDR) بزعامة صالح كيزابو Saleh Kebzabo على 9 مقاعد، ليصبح الحزب الأول المعارض لنظام ديبي. وحصلت أحزاب المعارضة الأخرى على 35 مقعدًا بعدد ضئيل للغاية لكلٍّ منها؛ أي: أن إجمالي ما حصلت عليه المعارضة كان 44 مقعدًا بنسبة 23%، في حين حصل المستقلون على ١٩ مقعدًا بنسبة 10%، وهو ما جعَل القوى السياسية التشادية تصف هذه النتائج بأنها “مهزلة انتخابية”([11])، ربما في إشارةٍ إلى استحواذ الحزب الحاكم والأحزاب المتحالفة معه على ثلثي مقاعد البرلمان، وهي النسبة التي أعطت دعمًا قويًّا للرئيس ديبي خلال الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في أبريل 2011م -أي: بعد شهرين من الانتخابات البرلمانية- التي حقَّق فيها فوزًا ساحقًا بحصوله على نسبة 83% من الأصوات؛ لترسخ بدورها من هيمنة نظام ديبي على البرلمان، كان من أبرز مؤشراتها أنه منذ الولاية البرلمانية الأولى في عام 1996م وصولًا للولاية الثالثة حتى الوقت الراهن، لم يحدث على نحو مطلق أن ألغى البرلمان أيّ مشروع قانون مرَّرته الحكومة، كمؤشِّر رئيس على هيمنة نظام ديبي على البرلمان على نحو مطلق.

ثانيًا- ديبي والإرجاء المتكرِّر لانتخابات الولاية البرلمانية الرابعة:

دستوريًّا، كان من المفترض أن تُجرَى الانتخابات البرلمانية الرابعة في عهد ديبي عام 2015م، بعد انتهاء الولاية الثالثة للبرلمان الذي انتُخِبَ في 2011م، غير أنها أُرْجِئَتْ بعد أن صدر قانونٌ دستوريّ نصَّ على مدّ ولاية البرلمان، وقد عَدَّ قانونيون تشاديون أن هذا الإجراء يجعل الهيئة التشريعية غير قانونية وغير شرعية ألبتة؛ من منظور أنه لا يمكن أن يتم تمديد مأمورية نواب بقانون يُقِرُّه أعضاء البرلمان ذاته، غير أن نظام ديبي لم يعبأ بذلك.

وفي فبراير 2017م أرجأ ديبي الانتخابات حتى إشعار آخر؛ مُتعلِّلًا بنقص الموارد، وحاول أن يجعل من هذه الذريعة السبب الرئيس للتأجيل دون غيره؛ حيث قال ما نصه: “عندما أقول: إننا لا نستطيع تنظيم الانتخابات التشريعية، فهذا بسبب نقص الإمكانيات. في فترات نقص الأموال لا يمكننا أن نفعل شيئًا. عندما يكون لدينا موراد يمكننا تنظيم الانتخابات التشريعية”([12]).

وبدا أن الرجل الذي لم يَجِد غضاضةً في التصريح لإحدى الصحف الفرنسية (اللوموند) بأنه “أُجْبِرَ على البقاء في السلطة بناءً على ضغط فرنسي”؛ قد استخدم البرلمان المُمَدّ ولايته لتكريس استمراريته بها، ففي عام 2018م قام هذا البرلمان بإجراء تعديلات دستورية، نصَّت على تمديد ولاية الرئيس إلى 6 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ما يُتِيح لديبي البقاء في السلطة حتى عام 2033م([13]).

وبهذا التعديل تحوَّل نظام الحكم إلى رئاسي شامل، يجمع خلاله ديبي بين منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وهو ما يُمَكِّنُهُ من تمثيل حكومته أمام البرلمان الذي يسيطر حزبه على جُلّ مقاعده، الأمر الذي يجعل السلطة الرقابية للبرلمان شكليةً؛ إن لم تكن منعدمةً.

ربما تكون تشاد بالفعل تعاني من أزمة اقتصادية وتنموية حادَّة؛ حيث يُمثّل استشراء الفساد والمحسوبية أهمّ التحديات التي تواجه الرئيس ديبي؛ الذي لم يستطع أن يُقدِّم فيها إنجازات مقنعة للشارع التشادي أو للمستثمرين الأجانب؛ ولا سيما بعد اكتشاف النفط والبدء في تصديره بكميات تجارية منذ عام 2003م. والغريب أن أول عائد من عوائد النفط تسلَّمته الحكومة التشادية تم توجيهه لشراء أسلحة؛ رغم أن تشاد تحتل مرتبة متدنية في مؤشِّر التنمية البشرية، فمن بين 177 دولة شملها المؤشر احتلت تشاد المرتبة 167، هذا في الوقت الذي يعيش فيه حوالي 8% من السكان تحت خط الفقر، مما يدلّ على تكريس النظام موارد الدولة لتأمين استمراريته دون الالتزام بمسيرة عملية التحول الديمقراطي وما يترتب عليها من استحقاقات([14]).

ودحضًا للتعلل بنقص الموارد المالية اللازمة لتنظيم الانتخابات، فقد عُقِدَ في باريس خلال الفترة من 6 إلى 8 سبتمبر 2017م مؤتمرٌ للدول المانحة، تحت مسمَّى مؤتمر “التنمية والاستثمار في تشاد”، لدعم برنامج التنمية الوطنية الشاملة بها للأعوام 2017- 2021م. وحصلت على تعهدات بنحو 18.5 مليار دولار لدعمه، وهو ضعف ما كان يتوقعه ديبي. وقد ساهمت فرنسا وحدها بمبلغ 267 مليون دولار؛ لدعم هذا البرنامج، ومساعدة تشاد في إنعاش اقتصادها المتعثر. وعقب ذلك وبحكم علاقاتها القوية به، حثَّت فرنسا في 11 سبتمبر 2017م الرئيس ديبي على البدء في إجراء انتخابات برلمانية، والإعلان عن جدول زمني لها في أقرب وقت([15])، وقد فُسِّرَتْ الخطوة الفرنسية هذه على أنها نوعٌ من الضغط غير المباشر.

وتحت هذا الضغط أيضًا، وجد الرئيس ديبي نفسه مُجْبَرًا على التظاهر بالتعاطي مع ملف الانتخابات البرلمانية المؤجَّلة، فأعلن في 31 ديسمبر 2017م عن إجراء الانتخابات في عام 2018م، وفي رسالة تأكيدية على ذلك قال في خطاب مُتَلْفَز ما نصه: “يسرني أن أعلن عشية العام الجديد، أن انتخابات تشريعية ستُجْرَى فى 2018م. هذا الاستحقاق الانتخابي الأساسي الذي تنتظره الطبقة السياسية التشادية برُمّتها، ستواكبه من دون شكّ حماسة سياسية كبيرة”([16]).

وتحديدًا للموعد على وجه الدقة أعلن ديبي في أبريل 2018م أن الانتخابات البرلمانية ستُجْرَى في نوفمبر من العام ذاته. وفي واقع الأمر لم تتَّخذ الحكومة التشادية أيّ خطوات جدية بشأن التجهيز لهذه الانتخابات، لكن عندما حلَّ أجلُ الاستحقاق؛ لم يجد نظام ديبي حرجًا في عدم الوفاء بتعهده، ففي 13 نوفمبر 2018م أعلن أحد أعضاء “الإطار الوطني للحوار السياسي” عن تأجيل الانتخابات البرلمانية مجددًا؛ وقد قدم تبريرات جديدة للتأجيل؛ وهي: ضرورة إقرار قانون الانتخابات، وتشكيل اللجنة الوطنية المستقلّة للانتخابات، وضرورة إجراء التعداد الانتخابي للسكان، إضافة إلى إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية طبقًا التقسيم الإداري الجديد لعام 2012م الذي قسَّم تشاد إلى 23 منطقة (وهي نفس مناطق تقسيم 2008م، مع زيادة تقسيم منطقة إنيدي إلى منطقتين: إنيدي شرق، وإنيدي غرب)، هذا بالإضافة إلى عدم توافر الموارد المالية الكافية([17]).

ومن الملاحَظ أن ديبي لم يتصدَّر مشهد إعلان تأجيل الانتخابات البرلمانية هذه المرة، وإنما جاء عبر آلية “الإطار الوطني للحوار السياسي” الذي يتكوَّن من 30 عضوًا نصفهم من الحزب الحاكم والنصف الآخر من المعارَضة، والمنبثق عن الحوار الوطني الذي جرى في أبريل 2018م، والذي تكرَّست مهمته حول مناقشة الشؤون السياسية الوطنية، وتشكيل اللجنة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات؛ وذلك ليبدو أن مسألة التأجيل جاءت بتوافق القوى السياسية التشادية على اختلاف توجهاتها، ولم تأتِ بقرارٍ مباشرٍ من السلطة التنفيذية، مما يُخفّف من وطأة الغضب الشعبي إزاء الإرجاء المتكرّر لهذه الانتخابات؛ حيث أُجِّلَت مرةً أخرى إلى ديسمبر 2020م، ثم إلى أكتوبر 2021م، لتصل مرات التأجيل إلى خمس مرات متتالية، بدا أن بعضها مرجعه لأسباب موضوعية، والبعض الآخر لأسباب ذرائعيَّة، يمكن توضيح مجملها في الآتي:

أ- إشكالية تقاسم المقاعد البرلمانية بين الحزب الحاكم وحلفائه:

في عام 2012م، تم اعتماد التنظيم الإداري الجديد لتشاد؛ حيث قُسِّمَتْ على إثره البلاد إلى 23 إقليمًا في ظل التنظيم اللامركزي، والذي يُمثّل فيه حاكم الإقليم حكومة مصغَّرة في إقليمه، بكل ما تعنيه هذه العبارة من صلاحيات وإمكانات مادية وسلطات تنفيذية.

وقد أربَك هذا التقسيم حسابات تحالف الحزب الحاكم، وأدَّى حسب بعض المراقبين التشاديين إلى وجود خلاف واضح داخل هذا التحالف حول تقاسيم المقاعد البرلمانية، إضافة إلى عدم توفر الموارد المالية للتحالف للترويج للحملات الانتخابية، والتي تعتمد على شراء الولاءات والأصوات، لا سيما لدى الطبقات الفقيرة.

وهناك اعتقاد أنه في حالة وُلُوج التحالف الحاكم هذه الانتخابات ستسحقهم المعارضة -التي تمكَّنَتْ من اكتساب شعبية كبيرة خلال السنوات الأخيرة-، ليس دعمًا لبرامجها السياسية، بقدر الرغبة في الاتكاء عليها لتغيير نظام ديبي.

 ب- التوترات الأمنية على الحدود التشادية:

تُواجه تشاد خلال الفترة الأخيرة تحديات عسكرية على حدودها كافة، فمنذ شهر أغسطس 2018م فتح الجيش التشادي جبهة جديدة في جبل تيبستي، من خلال عملية ضد متمردين تشاديين قدموا من ليبيا، ومتمردين من قبائل “التبو” الذين يُشكِّلون أغلبية في شمال البلاد.

وقد تعرَّضت هذه المنطقة مجددًا إلى خطرٍ داهمٍ، ففي 9 فبراير 2019م، قامت جماعة مسلحة من المتمردين قادمة من جنوب ليبيا بمحاولة الهجوم للاستيلاء على الحكم في إنجمينا بقوة السلاح، وقد نجحت فرنسا -بناء على رسالة خطية من ديبي لحمايته- بتدخلها العسكري الجوي في صدّ هذا الهجوم، والحيلولة مجددًا دون سقوط نظام ديبي([18]).

وفي غرب البلاد في منطقة بحيرة تشاد، تَشُنّ إنجمينا منذ عام 2015م حربًا ضد مقاتلي جماعة بوكوحرام، أسفرت عن تراجع هجماتها نسبيًّا، غير أن نشاطها بدأ في التنامي مرة أخرى منذ بدايات 2018م، لا سيما بعد تأسيس هذه الجماعة بُؤَر تمركُّز لها على جزر صغيرة بالبحيرة.

وفي شرق البلاد تُشَنّ هجمات بين الفينة والأخرى في منطقة “وداي” من عرب تشاد الرُّحَّل.

والجبهة الأخيرة في الجنوب على الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى؛ البلد الذي تسيطر مجموعات مسلحة على مساحة كبيرة من أراضيه، الأمر الذي خلق تخوُّفات من إمكانية حدوث توغُّل من هذه المجموعات إلى داخل الحدود التشادية. ورغم أن التهديد بات أقل حدَّة، لكن إنجمينا لا زالت تُراقب في هذه المنطقة بعض المتمردين التشاديين، التابعين لاتحاد القوى من أجل التغيير والديمقراطية بقيادة آدوم يعقوب، إضافةً إلى مجموعات من قبائل الفولاني([19]).

وقد أدَّى ذلك في مجمله إلى إفراط ديبي في نشر قوات الجيش على حدود تشاد كافة، في وقتٍ تعاني فيه تشاد من صعوبات اقتصادية خطيرة؛ لتعظيم المخاوف، وتكريس عامل “الهشاشة الداخلية”، والترويج له؛ لتصعيب إمكانية إقامة الانتخابات البرلمانية، وضبط الإيقاع الأمني خلالها، وتصدير فكرة أن إجراء هذا الاستحقاق مرتبطٌ إلى حدّ بعيد بتحقيق استقرار أمني ملموس على الحدود التشادية، لا سيما من جهة ليبيا، التي تعاني بدورها من انعدام الاستقرار الأمني، وغياب فاعلية ضبط حدودها الهشَّة.

 ثالثًا- موقف المعارضة من الإرجاء المُتكرِّر للانتخابات:

منذ عام 2015م، بدأت المعارضة التشادية في الداخل مناقشة المسار السياسيّ، وسُبُل الخروج بالبلاد من السيطرة المطلقة لإدريس ديبي ونظامه؛ الذي ضيَّق الخناق على العمل السياسي المعارض، وقد بدا موقفها هذا أكثر وضوحًا بعد فوز ديبي بولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل 2016م؛ حيث اتهمته بالغشّ والتزوير، وبدأت تتكتل في تحالفات لمناهضة نظامه وإسقاطه.

وبما أن الحزب الحاكم الذي يرأسه ديبي هو المهيمن على البرلمان، لذا سعت المعارضة إلى تكريس جزء كبير من معركتها معه في المطالبة بضرورة تنفيذ الاستحقاق الانتخابي للبرلمان، لكن لم يصل الأمر إلى حدّ الضغط؛ نظرًا لعدم امتلاكها قُوًى فاعلة داخل برلمان مهيمن عليه من جانب حزب واحد، يملك أغلبية تُمَكِّنه من تمرير أيّ قرار أو قانون دون الحاجة الى تقديم تنازلات للمعارضة، ومِن ثَمَّ أضحى البرلمان في ظلّ هذه الهيمنة في حالة وَهَنٍ شديدٍ، وفاقدًا لأيّ تأثير في المشهد السياسي التشادي غير المتوازن([20]).

وعندما أعلن ديبي في فبراير 2017م عن تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى أجلٍ غير مسمًّى، وجَّهت منظمات المجتمع المدني التشادية نداءً للمعارضة، مطالبةً إيَّاها بضرورة استقالة نوَّابها بالبرلمان، غير أن صالح كيزابو اعتبر هذا النداء وما دار حوله من نقاشٍ سيئَ الطرح ومنحرفًا كليًّا من ناحية الشكل والمضمون، مشيرًا إلى أن “وجود نواب المعارضة في البرلمان رغم قلة نسبة تمثيلهم، ليس فقط مهمّ وضروريّ بل إنه رادعٌ ومفيد”. وفي الوقت ذاته عَدَّ كيزابو أن التبرير الذي ساقه ديبي بشأن عدم توافر موارد مالية، مُضلِّل.

غير أنَّ العديد من رؤساء أحزاب المعارضة المنضوية في تحالف “الجبهة الجديدة للتغيير والتناوب” (فوناك FONAC) الذي يضم ثلاثين حزبًا معارضًا؛ كان لهم رأيٌ آخر؛ حيث صرَّحوا بأنهم لا يجدون أنفسهم في تبريرات كيزابو([21])، وهو ما يُعَدّ مُؤشِّرًا على أن المعارضة تبدو غير متوافقة فيما بينها، ومن ثَمَّ ليست لديها رؤية موحَّدة تجاه مناهضة النظام، الأمر الذي يُضْعِف من أدواتها في الضغط عليه في تنفيذ الاستحقاق الانتخابي المُؤَجَّل، وهو ما يستغله ديبي في مناورة المعارضة المناهضة له على طول الخطّ وتثبيط عزيمتها، بهدف ولولوج حزبه للانتخابات التشريعية حال تنظيمها، مع أحزاب المعارضة الداعمة له، ما سيُمَكِّنه من الاحتفاظ المعهود بأغلبية المقاعد داخل البرلمان.

 ويبدو أن ديبي لا يأبَهُ كثيرًا بمطالب المعارضة المكرَّر بتنظيم الانتخابات التشريعية، وطالما يأتي تحرُّكه في هذا الإطار بناءً على توجيهات فرنسية، لا تَرْقَى إلى الضغوط بأيِّ حالٍ، لا سيما أن باريس تنظر إلى الرئيس ديبي على أنه الحليف الأساسي في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وهو ما يجعلها تغضُّ الطرفَ عن ممارساته التي تصفها المعارضة بغير الديمقراطية. وبدا ذلك جليًّا إبَّان زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشاد في 23 ديسمبر 2018م، لتفقُّد الجنود الفرنسيين العاملين في “قوة برخان”؛ حيث التقى بديبي. وضمن ملفات أخرى طُرِحَتْ مسألة الانتخابات التشريعية المؤجَّلة للنقاش بينهما؛ حيث تعهَّد ماكرون بمساعدة إنجمينا ماديًّا على تنظيم الانتخابات؛ من خلال دعم متوقع من المجتمع الدولي يُقَدَّر بنحو 45 مليون يورو لإجراء هذه الانتخابات([22]).

وقد رفض ماكرون خلال هذه الزيارة الاستجابة لمطلب قُوَى المعارضة التشادية بالبرلمان الاجتماع بها، ومناقشة مسألة الانتخابات التشريعية، ربما خشية إغضاب ديبي، الذي باتت توصف علاقته بماكرون وطاقم إدارته بالصداقة الشخصية([23]).

 وقد تظاهر ديبي بتفاعله مع تعهدات ماكرون على نحو حثيث؛ حيث أعلن في الأول من يناير 2019م –أي: بعد أسبوع من الزيارة- عن إجراء الانتخابات التشريعية قبل نهاية النصف الأول من 2019م؛ بدعم من شركاء تشاد، وكان من المرجَّح أن تُجْرَى في مايو، غير أن بعض أطراف المعارضة الرئيسة اعتبرت ذلك مناورة حديدة من ديبي، وأن الجدية تقتضي أن تُشَكَّل بدايةً اللجنةُ الانتخابية الوطنية المستقلة، يَعقبها إعلان هذه اللجنة عن موعد تنظيم هذه الانتخابات وفقًا للقانون الانتخابي، وليست من صلاحية ديبي تحديدها، الذي عدَّته تدخُّلاً في شؤون عمل اللجنة([24]). وفي إطار هذا الخلاف الذي وصل مداه إلى الخلاف بين الأحزاب سواء المؤيدة لديبي والمناهضة له؛ وبالتالي فلم تُجْرَ الانتخابات في موعدها.

وقد حاولت المعارضة مرة أخرى الاتكاء على فرنسا للضغط على ديبي؛ للإيفاء بهذا الاستحقاق، فخلال زيارة وزير خارجيتها جان ايف لودريان Jean-Yves Le Drian لإنجمينا في 21 مايو 2019م، والتي كان من المقرَّر أن يلتقي خلالها بقادة المعارضة الممثلة في البرلمان؛ لعرض مطالبها، وتأكيد الحصول على دعمه لتنظيم الانتخابات التشريعية؛ حسب تعهُّد ديبي، لكن هذا الاجتماع أُلْغِيَ من جانب البرلمان ذاته بعد التشاور مع الرئيس ديبي. وهو ما كرَّس من اتهامات المعارَضة لباريس بمواصلة دعم نظام “مُتَسَلِّط”([25]).

 وقد دخلت الولايات المتحدة على خط أزمة الانتخابات المؤجَّلة، في محاولةٍ لمزاحَمَة الدور الرئيس الذي تلعبه باريس في هذا البلد الغنيّ بالنفط؛ حيث أبدت واشنطن عبر سفارتها في إنجمينا في يونيو 2019م استياءها من الإرجاء المتكرر للانتخابات التشريعية التشادية، مطالبةً سلطات إنجمينا بتحمُّل مسؤولياتها حيال تنظيم انتخابات نزيهة والسماح الفوري للأحزاب السياسية التي تستجيب للمعايير المحددة قانونيًّا في المشاركة في مراحل العملية الانتخابية.

وقد اعتبر حزب الحركة الوطنية للإنقاذ الحاكم ذلك ضغوطًا أمريكية على تشاد، وتدخلًا في شؤونها الداخلية ومسًّا بسيادتها، بل سارعت وزارة الخارجية التشادية إلى إصدار بيان، أكَّدت فيه أن “الخيار الديمقراطي كنمط للحكم في تشاد” لم يُفْرَض من الخارج على أيِّ نحوٍ، وأن النصوص المُنْشِئَة للأحزاب السياسية وعملها محددة طبقًا للدستور والقوانين([26]).

ورغم هذه الإدانة؛ فإن نظام ديبي بدَا قَلِقًا تجاه هذه الضغوط، لا سيما أن الولايات المتحدة تُقدِّم لتشاد بعض المساعدات العسكرية اللازمة لمكافحة الإرهاب في منطقة بحيرة تشاد، كما أنها تتطَلّع دائمًا للمساعدات المالية الأمريكية لدفع عجلة الاقتصاد التشادي، ومن ثَمَّ بدأ هذا النظام في إظهار تفاعله مع مطالب الأحزاب السياسية، فيما يخصّ تَرْك تحديد موعد الانتخابات التشريعية للجهة المختصَّة.

وفي ضوء ذلك عقد ديبي اجتماعًا في 6 فبراير 2020م، مع قادة الأحزاب السياسية المعارِضة، بالإضافة إلى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والإطار الوطني للحوار السياسي؛ وذلك بهدف دراسة الجدول المقترَح المقدَّم مِن قِبَل الهيئتين المكلَّفتين بتنظيم الانتخابات، وتم التوافق على دراسة الجدول مِن قِبَل الهيئتين، ثم عرضه على الجمعية العمومية للمشاركين في هذا الاجتماع؛ لاعتماده بعد التأكُّد من موافقته للقوانين الانتخابية ومناسبته للبيئة الجغرافية للبلاد([27]).

وبعد استكمال هذه الإجراءات؛ أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في 14 فبراير 2020م، عن تنظيم الانتخابات التشريعية في 13 ديسمبر 2020، مع شرح البرنامج الزمني للاقتراع، بعد توافق الطبقة السياسية ذات الصلة عليه ([28]).

ورغم ما بدا من خطوات جدية تجاه تنظيم هذه الانتخابات بعثت على التفاؤل بإجرائها؛ غير أن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة سرعان ما أعلنت في 9 يونيو 2020م عن تأجيل الانتخابات التشريعية إلى أجلٍ غير مسمّى، متعلِّلةً بالظروف المرتبطة بفيروس كورونا، التي أخَّرت عملية تسجيل الناخبين، واستحالة تحديث السجلات إبَّان موسم الأمطار بين شهري يوليو وسبتمبر؛ بسبب سوء حال الطرق في أرجاء البلاد([29]).

وقد دفع هذا التأجيل بعض أقطاب المعارضة إلى إبداء شكوكها حيال هذه اللجنة، بل وحيال رئيسها الدكتور كودي محمد بام، والذي تم اختياره مِن قِبَل منسّقية الإطار الوطني للحوار السياسي في 25 مارس 2019م؛ فقد طالَب صالح كيزابو في يونيو 2020م باستقالة رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، معتبرًا أن انتخابه جاء في ظل ظروف “احتيالية”؛ ليتم التلاعب به مِن قِبَل السلطة، متهمًّا لجنته بتلقِّي تعليماتها من الرئيس ديبي، رغم وجوب حياديتها بتبنّيها التوجهات الجماعية من الأحزاب وغيرها من مكوّنات المجتمع التشادي([30]).

وفي إطار ذلك أجرت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، وآلية الإطار الوطني للحوار السياسي مناقشات مع الحزب الحاكم وزعماء أحزاب المعارضة، بشأن تحديد موعد جديد للانتخابات التشريعية، على إثرها أعلنت اللجنة والآلية معًا الموعد الجديد لإجراء هذه الانتخابات في 24 أكتوبر 2021م، مع الإقرار على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدَّد لها سلفًا 11 أبريل عام 2021م([31]).

وقد بدا أن التشاور مع أحزاب المعارضة لم يكن سوى مع المؤيدة للحزب الحاكم، والتي تقرّ دائمًا بما يُمْلَى عليها منه، كما أن الأحزاب المعارضة المناهضة فعليًّا لديبي لم تستطع ممارسة أدنى قَدْر من الضغط في طرح رؤيتها في التعجيل بإجراء هذا الاستحقاق الانتخابي، وكان هذا جليًّا على نحوٍ ملحوظٍ في المفارقة المتمثلة بحرص نظام ديبي على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها دون أدنى تأخير مع تأجيل الانتخابات التشريعية؛ حيث لم تُبْدِ أيّ استياء يُذْكَر، رغم إمكانية احتجاجها بأن الظروف قد تبدو متشابهة إن لم تكن متطابقة، إضافةً إلى أن دولاً إفريقية عدة وفَّت باستحقاقاتها الانتخابية في موعدها في ذروة انتشار فيروس كورونا؛ مثل مالي التي أجرت انتخاباتها التشريعية في 29 مارس 2020م، بالرغم من استمرار أعمال العنف بالبلاد وانتشار فيروس كورونا بها في ذلك الحين، فضلًا عن دولة بنين التي أجرت انتخاباتها المحلية في 17 مايو 2020م، وبوروندي التي أجرت انتخابات عامة (رئاسية وتشريعية) في موعدها في 20 مايو 2020م.

وإذا كان ذلك يعكس وهن المعارضة التشادية على نحوٍ جَلِيّ، فإنه في الوقت ذاته يُبْرِز ازدواجية تعاطي نظام ديبي مع الاستحقاقات الانتخابية، تبعًا لما يخدم استمرارية بقائه في السلطة.

خاتمة:

إجمالًا، يمكن القول: إن الإرجاء المتكرِّر لانتخابات الولاية الرابعة للبرلمان التشادي المستحقة منذ عام 2015م لخمس مرات متتالية؛ ليس بجديد على نظام ديبي، فجميع الانتخابات البرلمانية في عهده لم تُجْرَ في موعدها إطلاقًا. وعليه فإنَّ الإعلان الأخير عن إجرائها في أكتوبر 2021م، يتوقَّف الوفاء به على عوامل ثلاثة:

 أولها: فوز ديبي بالولاية السادسة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أبريل 2021م، وشروعه في طرح مقاربات جديدة نحو إحداث تحوُّل ديمقراطيّ حقيقيّ وليس شكليًّا، وهو ما سيتوجب عليه حينها الوفاء بالاستحقاق الانتخابيّ التشريعيّ المؤجَّل.

ثانيها: استقرار الأوضاع الأمنية على الحدود التشادية على نحوٍ نسبيّ.

ثالثها: جدية فرنسا في الوفاء بتعهدها حيال حثّ المجتمع الدولي على تقديم الدعم الماديّ اللازم لتنظيم تشاد لهذه الانتخابات، فحينئذ ربما تسقط من يد ديبي ورقة مهمَّة طالما تذرَّع بها لإرجاء الانتخابات التشريعية، التي بات إرجاؤها المتكرر عنوانًا لحالة العجز الديمقراطيّ بتشاد، وانسداد الأفق السياسي بها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.