الإمام الصادق المهدي وإستمرار الحرب الباردة، محاولة لإحياء التحالف الطائفي الأخواني في العام 2020م

0 134

كتب د. حيدر ابراهيم علي:

رغم أن الحرب الباردة قد توقفت في كل أنحاء العالم إلا أنها مازالت مشتعلة في عقل السيد الإمام الصادق المهدي حين يعود بنا بكتاباته في نقد الشيوعية إلى ستينيات القرن الماضي . والمشكلة أن السيد الامام قد حدث له كما يقول علماء النفس نوع من التثبت (Fixation) في مرحلة فكرية معينة ولم يتقدم منها، ويريد أن يعيد كل السودانيين إلي هذه المرحلة المنقرضة . ويعد نفسة لقيادة البلاد بعد انتخابات مبكرة إلى تلك الماضوية التي أوصلت البلاد الى ماهي علية الآن . والسيد الامام يكتب تاريخا متخيلا للسودان غير التاريخ الواقعي . “فهو يبدأ مقالاته بالقول” : شهد السودان منذ استقلاله نظاما ليبراليا كامل الدسم غير معهود في المناطق المحيطة . ما حدث غير ذلك . فقد استقبلت بشائر الاستقلال بالعنف في أحداث مارس “1954” ثم تمرد في الجنوب أغسطس 1955م ثم حوادث عنبر جودة المشؤمة . كما أن المادة 105 المقيدة للحريات ظلت سارية طوال حقبة الاولي للحكم الوطني . وأين هذه الليبرالية التي تصوت من داخل البرلمان بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه ال 11 المنتخبين شعبيا ؟
واسأل السيد الإمام ماهو البرنامج الانتخابي الذي قدمته الطائفية لجماهيرها في النيل الابيض وكسلا والبحر الاحمر ودار فور وكردفان . وهل ناقش السيد عبدالله خليل برنامجه الانتخابي مع الجماهير في أم كداده ؟ وصدق الصحفي الساخر الذي كتب: أم كداده ما ذنبها ؟ فقيادي حزب الامة كان يسكن في ام درمان ويترشح في أم كدادة .

ما شهده السودان منذ الاستقلال وحتي اليوم وهو تحالف خفي بين الطائفية والأخوان المسلمين . وقد دشن الأخوان المسلمون هذا الحلف في اجتماع معركة الدستور الاسلامي (دسمبر 1955) في نادي أم درمان الوطني بدعوة من كيان الأنصار والختمية وليس حزب الامة والوطني الاتحادي آنذاك . ووقعوا علي بيان المطالبة بالدستور الاسلامي. وتجدد الحلف في حادثة معهد المعلمين التي أدت إلي حل الحزب الشيوعي . ثم تكرس الحلف في الجبهة الوطنية في الستينيات حتي المصالحة الوطنية حين وقف الإمام الصادق والشيخ حسن الترابي أمام المشير جعفر نميري لأداء القسم كأعضاء في الاتحاد الاشتراكي _ الحزب الواحد . ثم يحدثنا الإمام عن الليبرالية كاملة الدسم منذ الاستقلال !!!

يبدو أن الإمام شعر بفراغ فكري في الساحة السياسية السودانية بعد غياب عبدالخالق محجوب والترابي وبابكر كرار ومحمد ابوالقاسم حاج حمد ومحمد علي جادين ونقد والتيجاني الطيب . ولذلك يجد السيد الإمام الفرصة سانحة ليقدم من خلال مقالات عرضا مستمرا ل(Striptease) فكري يستعرض فيه ثقافته ويحشد أسماء المفكرين الغربيين رغم التباين والاختلاف في أفكارهم ويكفي أن يرهب القارئ بأسماء كبار الفلاسفة ولكن يكرر كثيرأ من الإفكار الخطيرة والظلامية .
وكالعادة لايهتم مفكر الوسطية بتدقيق التعريفات للمفاهيم والمصطلحات وينطلق في التحليل وإطلاق الاحكام المجانية . ويخلط الإمام متعمدا بين الماركسية والشيوعية، فالأولي فلسفه والثانية تنظيم سياسي، فليس بالضرورة أن ينضم الماركسي لحزب شيوعي وليس حتمأ أن يكون الشيوعي مطلقأ وهاضمأ لافكار ماركس . فسارتر كان وجوديا وماركسيا وابتعد عن الانضمام للحزب الشيوعي الفرنسي وروجيه غارودي استقال من الحزب الشيوعي ثم كتب : “ماركسية القرن العشرين ” مؤكدأ الفرق بين الشيوعية والماركسية .
الحزب الشيوعي السوداني ظل شيوعيا ولم يقترب من الماركسية مما أعطي للامام فرصة جيدة لنقده . وضمن مسلسل الخلط يدرج السان سيمونية القائمة علي الاشتراكية الخيالية أو المثالية ضمن مكونات الماركسية وهي الاشتراكية المادية . ويخلط بين ابن عربي وهيجل باعتبار فكرة تجلى الله التدريجي مع الزمن . مع أن مساهمة هيجل هي فكرة الديالكتيك (الجدلية) والتي يفسرها الامام خطأ : بأنها الدعوة ثم الواقع الجديد بينما هي في الحقيقة الدعوى أو الفرضية (( Thesis- النقيض (antithesis) ثم التركيب أو الواقع الجديد (Synthesis) يتداخل عند الامام في فهم الماركسية الفلسفي مع الاجتماعي . فجوهر الماركسية ليس الصراع الطبقي بل هي فلسفة ضد اغتراب الانسان (alienation) وحتي الالحاد الماركسي مصدره فكرة نفي اغتراب الانسان عن ذاته وعن رسائل الانتاج لم يتطرق الامام لفكرة الاغتراب في الماركسية مع أنها أساسية وفردية جزء من الشيوعية السودانية ولا أختلاف معه كثيرأ في نقده للشيوعية السودانية التي لم تنتج فكرا ماركسيا صادقا يعبر عن الواقع بينما الماركسية هي فهم الواقع . فالحزب الشيوعي السوداني لم يقدم تحليلا طبقيا علميا للمجتمع السوداني ولا خريطة طبقية وظل يقدم أوصافا غامضة مثل ” شبه الاقطاع عن علاقات الانتاج في الريف السوداني . خلت كل أدبيات الحزب الكلاسيكيه (بالذات 70_60 القرن الماضي ) من مصطلح علمانية فقد تجنب الحزب مناقشة علاقة الدين بالدولة الإ مؤخرا خشية ألاتهام بالالحاد ومع ذلك لاحقه الإخوان والطائفية بالتهمة ولم ينقده الحذر والخوف ولايوجد في المكتبة السودانية سوي كتيبات عن الإخوان المسلمين لعبدالخالق محجوب ، وكراسة للرشيد نايل .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.