الحرب السودانية: الطرفان يستعدان للمعارك القادمة

لم يعد وقف الحرب بعوامل داخلية ممكنا

0 150

تقدير موقف: ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
في الاسبوع المنصرم، اتسمت الحرب بين الجيش والدعم السريع في السودان بالهدوء الذي يسبق العاصفة، وذلك في الفترة التي أعقبت خروج البرهان من الخرطوم واستقراره بالعاصمة الإدارية الجديدة بورتسودان، وبدء جولات خارجية شملت حتى الان دولتي مصر وجنوب السودان، ولقاءات داخلية شعبية وعسكرية متفرقة في كسلا وبورتسودان تضمنت رسائل عديدة، حراك، أثار الشكوك حول التزامه بخيار الحل السياسي والسلام. فيما انحصر الصراع المسلح على معارك محدودة حول مواقع السيطرة بالمدافع والطيران والمسيرات.


تحليل:
الزيارات الخارجية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان استهدفت حتى الان دول ، الاقرب دبلوماسيا لحكومته، وبحسب المصادر الإعلامية، تضمن جدول المباحثات في جنوب السودان طلب دعم دبلوماسي في المحافل الإقليمية والدولية وخاصة الايقاد والاتحاد الافريقي، وتأكيد شرعية الدولة التي يقودها الجيش، وكذا، ضرورة تأمين خطوط امداد النفط من الجنوب الى الشمال والتي بات الدعم السريع يتحكم في شريانها. ينطبق هذا الامر على زيارة مصر، التي طلب فيها البرهان تزويده بالسلاح النوعي والذخيرة وفق المصادر التي أفادت بتحفظ “ضرورة تتبع حركة الطيران بين مصر وبورتسودان بشكل يومي بعد الزيارة، كإحدى ثمرات نتائجها المباشرة”.
الرسائل السياسية الأخيرة للبرهان كانت مخالفة لتوقعات القوى السياسية والمدنية, ومفاجأة لتوقعات الدعم السريع , حيث جاءت عدائية ومليئة بالتهديد والوعيد بمواصلة الحرب حتى الانتصار . قد يكون خطاب البرهان تكتيكيا كما يشير ذوو النوايا الحسنة , وانه موجه للعناصر المتشددة داخل الجيش من جماعات النظام القديم والفصائل الإسلامية الحليفة ، وذلك بهدف محاولة استعادة السيطرة علي القيادة وجهاز الدولة خلال فترة حصاره في مباني القيادة العامة بالخرطوم , وتوجيهها للتوجه الجديد , ويحتمل أنها ردا على الاخبار المنتشرة بكثافه عن خروجه من الحصار بصفقة إقليمية ودولية تمهيدا للتفاوض مع خصومه, خاصة تأكيدات قيادات بارزة بتحالف الحرية والتغيير , على مثل هذه الصفقة ، مثل اللواء متقاعد فضل الله برمة ناصر , وهي الآمال التي حاجج ضدها العديد من القوى باعتبارها تغفل تاريخ البرهان وتجربته في الفترة الانتقالية الزاخرة بالتناقضات وتغيير المواقف وتبديلها وفق رياح مصلحته الشخصية .
تتزامن تحركات البرهان مع أنباء تتحدث عن نيته تشكيل حكومة تصريف أعمال , بضغط من شركائه الإسلاميين وحلفائهم , وذلك لإدارة البلاد والتصدي للأوضاع الإنسانية لحين انتهاء الحرب , أبرز المرشحين لها حاكم إقليم دارفور مني مناوي الذي استدعاه الى مقرة الجديد في بورتسودان , ووزير المالية جبريل إبراهيم , وذلك عبر استراتيجية تهدف لاستمرار الحرب وادارتها بعناصر دارفورية ، توفر له الحشد الاجتماعي الجهوي وتعميق الصراع عبر اشراك الحركات والمكونات القبلية المناوئة لحاضنة الدعم السريع الاجتماعية , وبعض القبائل العربية , فيما يشبه حكومة تحالف اجتماعي سوداني جديد لعبور المرحلة الحالية تحت قيادة البرهان .
تشير المصادر الى ان تشكيل قيادات دارفورية للحكومة المؤقتة في بوتسودان من شأنه اشعال الحروب الاهلية داخل تكوينات دارفور الاثنية والقبلية ، خاصة بعد رفض قادة فصائل عسكرية من دارفور هما عضوا مجلس السيادة الهادي ادريس والطاهر حجر وقائد حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور المشاركة في الحكومة الجديدة في حال تشكيلها , كما ان قادة أساسيين في الحركة التي يقودها مناوي يرفضون المشاركة في تحالف مع الجيش والميليشيات الإسلامية وقتال الدعم السريع ، ويقود هذا التيار قيادات وازنة في الحركة أمثال نائب القائد العام جابر اسحق وقائد هيئة الأركان فيصل صالح. وسيجد تشكيل حكومة تصريف الاعمال قبل الوصول لاتفاق وقف اطلاق النار، معارضة شديدة من قوات الدعم السريع وتحالف الحرية والتغيير والقوى المدنية ولجان المقاومة , التي ستكون أمام خيار استمرار الحرب بحاضنتها الجديدة, تحالف الإسلاميين وبعض اطراف سلام جوبا وشركاء النظام القديم تحت مسمى جديد وشرعية جديدة .
رغم أجواء التفاؤل الكاذب الذي اشاعه خروج البرهان من مبنى القيادة العامة بقرب وقف المعارك والعودة لطاولة التفاوض ، الا ان تطورات الأيام القليلة الماضية يشير الى عكس ذلك تماما ، فالتعبئة والحشد العسكري لطرفي الصراع لا زالت مستمرة وبوتائر عالية , ففي الوقت الذي يحشد الجيش جنوده في وادي سيدنا وكرري بمنطقة امدرمان , ومعسكر حطاب بشرق النيل , ويواصل في تخريج المستنفرين الجهاديين في الولايات المتاخمة للخرطوم, لجأ الدعم السريع لتعزيز قواته في الخرطوم , والعمل علي استحضار قوات جديدة من معسكراته في الحدود السودانية الليبية التشادية ومنطقة جنوب دارفور , كمؤشر لرغبة الطرفين في تحقيق انتصار حاسم , دافعها لدى البرهان وشركائه، تأكيد تفوقهم الميداني وخلق وضع تفاوضي يتيح لهم تغيير مواقف القوى الإقليمية ويحقق استعادتهم للسلطة , بينما يأمل الدعم السريع في تعويض خسارته المتمثلة في خروج البرهان سالما من الخرطوم وتحقيق انتصار عسكري يجبر قيادة الجيش علي توقيع اتفاق سياسي ينهي الحرب , ويتضح جليا من استدعائه لقواته من الأطراف رغبته في السيطرة علي الخرطوم وتأجيل معاركه في الولايات الغربية.
خلاصة:
السودان اليوم امام خياريين, أولهما ، مسار الحوار والحل السياسي التفاوضي للازمة , وفق ترتيبات إقليمية ودولية بتنسيق مع الدعم السريع والقوي السياسية المدنية ما عدا المؤتمر الوطني , لكن هذا التصور للحل يستدعي وجود البرهان بوصفه القائد العام للجيش وراس السلطة , وهذا الشرط سيدخل البرهان في صراع مع قوى استمرار الحرب المتمثلة في الإسلاميين المسيطرين علي جهاز الدولة المدني والعسكري , وطبقة الجنرالات العسكريين المستفيدين من امتيازات القيادة وقد يكلفه هذا الخيار راسه , يعززها مخاوف الحواضن الاجتماعية في السودان الشمالي والاوسط من انتصار قوى الأطراف والهامش وسيطرتهم علي مقاليد السلطة التي يتحكمون بها من الاستقلال الى اليوم .
في تقديرنا ان الأداء السياسي لقوي الحرية والتغيير سيدفع البرهان للعودة لمعسكر الإسلاميين كمحصلة لاجتهادهم في مهاجمة البرهان وتعريته، كتصور يفترض ان الحسم العسكري سيزيله من الخارطة ومعه حلفه من الميليشيات الإسلامية ، وهو الخط الأقرب لموقف “الجذريين” من الشيوعيين والبعث، فدخول المعارك شهرها الخامس دون حسم مع استمرار الكارثة الإنسانية، يتطلب مقاربة أخرى تمكن القوى المدنية من لعب دور انقاذي في مواجهة أصحاب السلاح باعتباره الخيار الوحيد.
الخيار الثاني هو خيار استمرار الحرب عبر استراتيجية كسر العظم لاحد طرفيها، بكل ما تحمله من أخطار تحولها لحرب تقسيمية أهلية، وتداعياتها الإنسانية الكارثية على السودان والمنطقة وذلك لقابلية انتشارها وتمددها، وتحولها لبيئة مثالية لإعادة تصدير الإرهاب وتفويج الهجرة غير الشرعية.
الوضع السوداني بالصورة التي تظهر اليوم وانسداد افاق الحلول السلمية ، وما يحمله من مخاطر، بات يستدعي التدخل الإقليمي والدولي والمنسق لفرض تسوية بكل الوسائل المتاحة ، والتوقف عن المراهنة على العوامل الداخلية لوقف كارثة الحرب .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.