الشرطة والشعب !

0 77

كتب: زهير السراج

.

* اصدر رئيس الوزراء قرارا بإعفاء مدير ونائب مدير الشرطة لما حدث من قتل وقمع وحشى للمتظاهرين السلميين بعد الانقلاب المشؤوم، وعين مكانهما ضابطين حقوقيين هما الفريق (عنان حامد محمد عمر) واللواء (مدثر عبدالرحمن نصرالدين عبدالله)، ما يعطى بعض الامل فى حدوث نوع من التحسن فى تعامل الشرطة مع المواطنين وفق القانون والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، ولقد حان الوقت لوجود شرطة تحمى وتخدم المواطن وليس قتله وانتهاك حقوقه، الامر الذى يتطلب عملا جادا وجهدا كبيرا نرجو أن يرى النور فى اقرب وقت إن شاء الله، حتى يقود الى احترام متبادل بين الشرطة والمواطن ويرسخ فى ذهن الطرفين انهما شريكان فى الوطن، وليسا عدوين يتربص كل منهما بالآخر ليفتك به، ولا بد أن تكون البداية بإرساء مبدا المحاسبة لكل من يخطئ فى تجاوز سلطاته، والذى رسَّخ غيابه استمرار الأخطاء والتجاوزات، وفاقم من حدة العداء بين الطرفين!

* ما زلت حتى هذه اللحظة اتذكر التجربة المؤلمة للصيدلية (سمر ميرغنى) التى عانت من العنف المفرط والانتهاك الممنهج لكرامتها بواسطة الشرطة خلال مظاهرات سبتمبر 2013، وصارت قصتها على كل لسان، ولو وجد الذين انتهكوا حقوقها وكرامتها العقاب المناسب لما تجرأ شرطى على تجاوز حدود اختصاصاته وسلطاته وانتهاك القانون والاعتداء على المواطنين!

* لا شك أن كثيرين وكثيرات تعرضوا فى تلك المظاهرات وما سبقها وما تلاها لانتهاكات وصلت مرحلة القتل، ولكننى ما زلت اتذكر تجربة (سمر) لانها رسخت فى الاذهان بسبب التداول الكثيف فى اجهزة الاعلام والوسائط ووصولها الى القضاء الذى برأها من كل التهم التى وجهتها لها الشرطة، وهى فرصة ادعو فيها لتوثيق كل الانتهاكات، حتى لا ننسى من تعرضوا لها وفتح ملف قانونى لمحاسبة الذين ارتكبوها .. من هنا يبدأ العمل الحقيقى لاستعادة حقوق الضحايا وتعرية المتورطين وتقديمهم للقضاء وارساء العدالة، وليس الاعتماد فقط على لجان التحقيق الرسمية التى اعتادت على وأد الحقيقة.

* دعونى اعود بسرعة لقصة (سمر ميرغنى) التى تصادف وجودها فى بيت خالتها بـ(حى الصافية) بالخرطوم بحرى اثناء خروج مظاهرة عقب صلاة الجمعة (27/ 9/ 2013) تندد بالغلاء وتطالب باسقاط النظام البائد، وكانت المرة الأولى فى حياتها التى تشهد مظاهرة فأخرجت هاتفها لالتقاط بعض المشاهد ومشاركتها مع صديقاتها، ولكن شاء حظها العاثر أن يلحظها بعض افراد الشرطة وهى تقوم بالتصوير من وراء باب المنزل لحظة مقتل أحد الشباب، فاقتحموا المنزل واختطفوا الموبايل وألقوا عليها القبض، ورفعوها فى عربة الشرطة واخذوا يضربوها بوحشية ويوجهوا لها اقذع الشتائم، ثم اقتادوها الى قسم شرطة الصافية ليواصلوا الضرب الوحشى والشتائم، واشترك معهم آخرون فى القسم، وارغموها على فتح الموبايل وعندما وجدوا التسجيل الذى يصور جريمتهم الوحشية ازدادوا عنفا وقسوة، وانهالوا عليها بالضرب بالخراطيش وكعوب البنادق حتى فقدت الوعى، وعندما فاقت واصلوا الضرب حتى تعترف باسماء الاشخاص الذين أرسلت لهم الفيديو، وكانت حكاية طويلة تخللها التهديد بالتشويه والاغتصاب، وشارك فى ذلك بشكل منهجى كل من كان فى القسم حتى كبار السن.

وتصادف اثناء وجودها فى القسم وصول امها للتبليغ عن اختفائها، وعندما شاهدتها على تلك الحالة انهارت من الصدمة ووقعت وكسرت يدها، وقالوا لها إنهم عثروا على افلام فاضحة فى موبايل ابنتها التى اتهموها بممارسة الدعارة واغواء الفتيات، وهددوها بالزج فى الزنزانة ان لم تخرج من القسم، الى ان وصل بعض أقاربها وذهبوا بها الى المستشفى، وبمجرد خروج الام اقتادوا الابنة الى قسم شرطة بحرى، ومارسوا معها فى الطريق كل اشكال التحرش وهددوها بالاغتصاب فضاقت الدنيا فى وجهها وحاولت القفز من العربة مفضلة الموت على انتهاك شرفها!

* القصة طويلة جدا تعكس تفاصيلها البشعة ما يحدث لكل مَن يُلقى عليه القبض، خاصة الفتيات، والسلوك الممنهج تجاه المتظاهرين، ولقد انتهت بتقييد عدد من البلاغات الكاذبة ضدها واطلاق سراحها بالضمان بعد وصول شقيقها الذى يعمل ضابطا فى القوات المسلحة، ثم برأتها المحكمة فيما بعد، غير أن ما ترسَّب فى نفسها من الخوف والرعب لا يزال قائما حتى اليوم!

* ليس بالضرورة ان تنطبق تلك الصورة على جميع افراد الشرطة، فهنالك كثيرون يعرفون جيدا حدود مسؤولياتهم ويتعاملون بمهنية مع المواطنين، ويقدمون النماذج المضيئة، بمثل ما يقدم البعض النماذج السيئة، ولكن ينتظرنا عمل كثير سواء فى هذا الجانب أو ذاك (الشرطة والمواطن) للوصول الى شرطة تحمى وتخدم، والى مواطن يقدر عمل الشرطة ويتعاون معها للوصول الى الدولة المدنية الديمقراطية التى تقوم على احترام القانون وحقوق المواطن وكل طرف للطرف الاخر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.