*الصادق المهدي يحاول عبثاً مغالطة التاريخ وتزويره (1)*

0 101

كتب: سليمان حامد الحاج

.

في خطبته في عيد الاضحى المبارك يتناقض الصادق المهدي تناقضاً تاماً مع مسلكه في الواقع العملي المعاش في ضروب الحياة السياسية. في هذا الحيز لا القي الكلام على عواهنه، بل استند على ذخيرة حية ووافرة من الممارسات التي لا يجمعها جامع مع ما يطلقه الصادق من افكار وتصريحات.
الصادق المهدي عدو أصيل للديمقراطية:
قال الصادق المهدي في الخطبة المشار اليها (القوى الوطنية الديمقراطية ساعية لتحقيق السلام العادل الشامل ولتحقيق المساواة في المواطنة… ونحن على رأسها، وسوف نعمل على تكوين قوى الوسط السياسي…الخ).
لم يقل الصادق من هذه القوى الوطنية الديمقراطية التي يقف على رأسها. ومع ذلك في هذا المقال سنكشف لاحقاً من هذه القوى الوطنية الديمقراطية التي تقبل أن يكون مثل الصادق المهدي على رأسها.

حقائق التاريخ وممارسات الواقع المعاش تدحض كل الادعاءات الجوفاء التي يتشدق بها عن الديمقراطية. فالصادق المهدي بعد عودته من الدراسة في الخارج ولما يبلغ السن القانونية ليصبح عضواً في البرلمان ثم رئيساً للحكومة بدلاً من السيد محمد احمد محجوب، أصر على اخلاء دائرة له من أحد دوائر طائفة الأنصار. فأخليت له دائرة كوستي التي فاز بها السيد بشرى حامد في انتخابات ديمقراطية.
بهذا المسلك الطائفي والممعن في الغرور وحب الذات والمصلحة الطبقية، أصبح الصادق في يونيو 1966م عضواً في البرلمان. فأي ديمقراطية هذه التي يتحدث عنها الصادق المهدي؟!
إن ما يؤكد أن الصادق المهدي يستند في كل تاريخه السياسي على الولاء الطائفي القسري، وليس الولاء السياسي عبر الممارسة الديمقراطية، أنه سقط سقوطاً مدوياً في الانتخابات التالية في عقر دار ومعقل طائفة الأنصار (الجزيرة أبا وما حولها) عندما سُحب منه هذا الدعم الطائفي بسبب عدائه لعمه الهادي المهدي امام الأنصار في ذلك الوقت.
حادث آخر يؤكد بعد الصادق المهدي عن الممارسة الديمقراطية، هو أنه وبعد أيام معدودات من دخوله الجمعية التأسيسية، بدأ حرباً ضروساً ضد رئيس وزراء حكومة حزب الأمة السيد محمد احمد محجوب، معتبراً نفسه أنه هو الأحق بهذا المنصب لأنه من بيت آل المهدي. فجمع حوله بعض اتباعه في حزب الأمة وآخرين من جبهة الميثاق الاسلامي وجماعة وليم دينق وبعض الاتحاديين وأقصى السيد محمد أحمد محجوب من رئاسة الحكومة ليتقعر هو فيها.
إن كان الصادق يتحلى بذرة من الديمقراطية، كان من الطبيعي أن يناقش مسألة من هو الأنسب لرئاسة الوزارة داخل حزبه أولاً، وينفذ رأي الحزب. ولكن بما أنه بعيد عن الممارسة الديمقراطية بعد السماء عن الأرض، سلك هذا السبيل التآمري لأنه يعلم علم اليقين لو أن القضية سلكت الطريق الديمقراطي داخل حزبه، فانه لن يجد إلا صوته وبضعة أصوات أخرى في مواجهة شخص في قامة السيد محمد أحمد محجوب.
هناك أيضاً عداء الصادق المهدي مع عمه الهادي المهدي حول إمامة الانصار ورئاسة حزب الأمة، بعد وفاة السيد الصديق وخلو المنصب. اعتبر الصادق أنه الوريث الشرعي لهذا المنصب. وعندما فشل في ذلك عمل على فصل حزب الأمة عن إمامة الأنصار، ليصبح هو رئيساً للحزب. وشكل تجمعاً من الأخوان المسلمين الموالين للترابي وحزب سانو وبعض أعضاء حزب الأمة وسماه (تجمع القوى الجديدة)!! ولم يسعف هذا (التلتيق) الذي يلجأ إليه الصادق المهدي دوماً حتى يومنا هذا، بديلاً للمسلك الديمقراطي، لا في فصل الحزب عن الأنصار وحسب، اذ أصر الأمام الهادي على المسك بالمنصبين رئاسة الحزب وإمامة الانصار، بل أُسقط الصادق المهدي بذات الأساليب التي سلكها عن رئاسة الحكومة ليعود السيد محمد أحمد محجوب بعد تسعة أشهر فقط رئيساً للوزراء في حكومة حزب الأمة نفسه!!
ما يجسد عداء الصادق المهدي للديمقراطية، دوره في حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، ونقضه لقرار المحكمة التي ابطلت قرار الجمعية التأسيسية.
بعد ثورة اكتوبر، وبسبب الهلع من اتساع نفوذ الحزب الشيوعي، امتشق الصادق المهدي وحسن الترابي والقوى المعادية للحزب الشيوعي سلاح الالحاد، زوراً وبهتاناً، ودمغ الحزب الشيوعي به. وكما اشرت في مقالة سابقة، كانت الخطب الملتهبة التي اطلقها الصادق المهدي وهو رئيس للوزراء، بمثابة الضوء الأخضر للهجوم على الحزب الشيوعي حتى تم طرد نوابه من البرلمان.
رفع الحزب الشيوعي ثلاثة قضايا دستورية. الأولى ضد تعديل الدستور والثانية ضد قرار الحل والثالثة ضد طرد نوابه من البرلمان. فانتقلت القضية من حيز الدعارة السياسية الى القضاء. في 22/12/1966م اعلن قاضي المحكمة العليا صلاح حسن قراراً بعدم دستورية التعديلات وإلغاء كل ما تعلق بها من تشريع، واعتبار ما تم كأن لم يكن. وقضت محكمة مديرية الخرطوم في 20/2/1967م حكمها ببطلان حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. إلا أن الصادق المهدي بعدائه الفطري والطبقي للديمقراطية أعلن أن حكم المحكمة العليا حكم تقريري، ناسفاً بذلك اساس الديمقراطية الليبرالية التي تستند على حكم القانون والقضاء العادل.
ورغم أن الصادق المهدي، يعترف بعد أكثر من عشرين عاماً في حديث إلى مجلة طلاب جامعة الخرطوم في العام 1985م ويقول (ما حدث كان انفعال .. وأن ما حدث في موضوع حل الحزب الشيوعي كان موقفاً سياسياً غير محسوب ننتج عن موقف انفعالي) إلا أنه لم يقر بأن ما فعله غير ديمقراطي، بل معادي تماماً للديمقراطية وحكم القانون والعدالة التي يتشدق بها.. ولم يدين نفسه ولم يصحح موقفه ذلك حتى الآن بدليل .. موقفه الثابت من العداء للحزب الشيوعي.

الصادق المهدي والاخوان المسلمون توأمان سياميان:
قال الصادق المهدي في خطبة العيد (سوف نعمل على تكوين قوى الوسط السياسي الذي سوف يجمع قوى بناء الوطن وخلاصه من براثن الاسلاموية واللعمانوية.)
أولاً:
أرجو أن أؤكد أن ايراد (الخلاص من براثن الاسلاموية) هو خداع للذات قبل أن يكون خداع للشعب. فالهدف من ايراد الاسلامويين هنا، قصد منه الصادق (الفهلوة) للتغطية على هدفه الأساسي المتمثل في: الخلاص من الحزب الشيوعي والمهنيين ولجان المقاومة والحركة الشعبية بقيادة الحلو. ووصفه بأنه تكتل علمانوي يحظى بدعم خارجي تقدمه القوى اليمينية الأمريكية الانجيلية، فهؤلاء يدعمون تقرير المصير مستهدفين تقسيم السودان.
التاريخ يؤكد أن ممارسات الصادق المهدي جميعها منذ نشأته السياسية وحتى آخر لقاء جمع بين حزبه والاخوان المسلمين وآخرين مع الكباشي في الاجتماع السري الذي عقد في الحتانة ضد الثورة، أنه والاخوان المسلمين توأمان سياميان لا يفترقان، وإن فعلا مؤقتاً، فذلك للتقية والتضليل. ويؤكد ذلك ما قاله الصادق المهدي في احدى خطبه في البرلمان عندما ذكر أنه ينتمي إلى اليسار سياسياً وإلى اليمين الاسلامي أيديولوجيا.
[راجع كتاب منصور خالد “السودان أهوال الحرب وطموحات السلام ص 287]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.