العندو القرش يركب مرسيدس، والعندو قرشين يركب بص حسين

0 70

كتب عبد الله علي إبراهيم:

كتبت هذه الكلمة عن محنة المواصلات عام 1988 في عمودي “ومع ذلك” بصحيفة “الخرطوم” بعد نشري كلمة سبقت عرضتها عليكم بالأمس. وهي عن تحول أزمة المواصلات إلى إهانة روحية لغمار السودانيين. فانقسام الشارع إلى راكبة، مدعومة بالسيارة الحكومية وتوابعها، من أهل الحظوة والقلم وإلى سابلة يطعن في شعيرة سودانية هي المساواتية (egalitarianism) التي، وإن اعترفت بالفوارق في الرزق، يسقمها الفحش فيها والتبذل. وقلت مرة إننا قد نرد إلى هذه الشعيرة الروحية حسن استقبال سواد الناس للشيوعية بغير اكتراث لمنظومتهم عن الصراع الطبقي مثلاً. فإلى الكلمة القديمة:

نعيت في كلمة سابقة على فكرنا السياسي والاجتماعي انقطاعه عن الاجتهاد في أزمة المواصلات بالعاصمة القومية حتى استفحلت. وبتطاولها وغياب وعد مستقبلي بحلها تعدت الأزمة كونها إشكال نقل لتصبح هاجساً اجتماعياً ونفسياً.

ووجدت بعد صدور كلمتي أن الشعر لم يغفل عن هذه الأزمة وأبعادها الاجتماعية. فقد سمعت أهزوجة منغومة للأطفال تقول:

العندو القرش يركب مرسيدس

العندو قرشين يركب بص حسين

العندو تلاته يركب بص فلاتة

فلاتة يا فلاتة

فلاته يا فلاته

وفي هذه الأهزوجة آية أخاذة من سحر اللغة. فأنطر إلى كلمة “القرش” المعرفة بالألف واللام في البيت الأول لترى أن التعريف أخرجها من توحش الواحد إلى الكثرة الكاثرة من القروش التي تكفي لشراء مرسيدس. وحين تظن أن “القرشين” أكبر من “القرش” يفاجئك البيت الثاني بأنك بالقرشين لن تركب غير بص حسين الذي هو أدنى مرتبة من بص فلاته: فلاته يا فلاته.

وقرأت كذلك للشاعر المجيد محمد المكي إبراهيم قوله:

والنساء الصبيات يركضن خلف البكاسي

ويقعين تحت المظلات منتظرات

وينبجس الحب ما بينهن وبين موديلات عام جديد

وهذه عبارة سديدة في انقسام الشارع إلى سابلة وراكبه، وكيف ينشأ الحب السري بين الفتيات المراهقات ومبتكرات الحديد.

وكانت إهانة النساء في زحام المواصلات موضوع عمود غاضب للأستاذ جعفر الريابي في جريدة “الوطن”. فقد تساءل الريابي إن كانت أوضاع النساء في المواصلات من الشريعة (المقترحة علينا في شكل القانون الجنائي لعم 1988) في شيء. واقترح الريابي أما أن تُفرد للنساء بصات معلومة في ساعات الذروة أو نراعي بجدية قانونية افساح المجال للنساء في المركبات بوسطة الرجال على طريقة “السيدات أولاً”.

أشارك الريابي عاطفته الغاضبة. وقد يبلغ اليأس من المواصلات والحكومة والرجال حد قبول اقتراحه بتخصيص “بصات حريمات”. وهو قبول يهدم قناعة عمر لدي بإمكانية اختلاط الجنسين في المرافق العامة باعتبار حصيف للأعراف المرعية حول الأدب للنساء وتقديممهن. وأعرف أنني بقبول هذا الاقتراح ارتكب خطيئتين. فهو اقتراح يخلو من العملية في تعقيد حياتنا المعاصرة علاوة على أنه سيوقع من يتبناه في فخ المحافظين الذين يؤمنون بالفصل بين الجنسين من غير اعتبار لاقتصاد هذا الفصل ومغازيه الحضارية.

وإنني لأقبل باقتراح الريابي في حالة من يأس الشعر. والشعر هو الأكثر يأساً حين يتعلق الأمر بالاستهانة بالنساء. ألا يا قوم من شاعر يحرم اضطرار النساء الركض وراء البكاسي مثل تحريم الحاردلو، شيخ الغاوين، صيد الغزلان لمشابهة بينهن والنساء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.