تقرير أوربي يقلل من فرص الانتقال الامن والتغيير الديمقراطي في السودان

0 278

خلص التقرير الذي أعده المجلس الأوروبي للسياسات الخارجية عن الحكومة الانتقالية في السودان، إلي افتراضات تجعل من مستقبل التغيير الديمقراطي في السودان حلم بعيد المنال ومحفوف بالمخاطر التي تهدد عملية الانتقال السياسي وفق الوثيقة الدستورية الموقعة بين تحالف قوي الحرية والتغيير الممثلة لقوي الثورة المدنية واللجنة الأمنية المتكونة من المؤسسات العسكرية .

وجاء التقرير الذي كتبه جان بابتيست جالوبين بعنوان “رفقة سيئة: كيف تهدد الضغوط المالية عملية الانتقال في السودان”.

ملخص التقرير :

• فشل انتقال السودان إلى الحكم الدستوري: إصلاح المؤسسات السياسية لم يبدأ بعد، بينما تواجه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، وتراجعًا حادًا في الظروف المعيشية، وتفاقماً في النزاعات العنيفة المحلية.
• الجناح المدني في الدولة السودانية مفلس، لكنه غير مستعد لمواجهة الجنرالات الأقوياء، والذين يسيطرون على شبكة مترامية الأطراف من الشركات، ويضخون المال للبنك المركزي ووزارة المالية بالقدر الذي يسمح لهم بامتلاك السلطة السياسية.
• يبدو أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تعملان لتنصيب زعيم ميليشيا يعرف باسم حميدتي كحاكم مقبل للسودان، لكن الجيش يعاديه بشدة.
• لقد خيبت الدول الغربية والمؤسسات الدولية آمال الجناح المدني للحكومة: لقد فشلوا في تقديم الدعم المالي والسياسي الذي يسمح لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك بمقاومة الجنرالات.
• لن تنجح عملية الانتقال إلا إذا عملت الحكومة على استقرار الاقتصاد وعمل المدنيون بجد لترجيح موازين القوة لمصلحتهم وضد الجيش
• يجب على الأوروبيين استخدام علاقاتهم مع حمدوك والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لفرض سيطرة مدنية على شبكات شركات الجنرالات.
المقدمة :-

في 15 أبريل 2020 ، تحدى سكان الخرطوم ، عاصمة السودان ، إغلاقاً ضد جائحة الكورونا تم فرضه حديثاً، بالانتظار في طوابير في هجير الشمس، على أمل شراء الخبز وغاز الطهي والوقود. لقد بدأ موسم الصيف الحار في الاقتراب، ومع اقتراب درجات الحرارة بشكل مطرد من 40 درجة مئوية ، لم يعد عذاب الطوابير مطاقاً، بحيث أصبح أفراد الأسرة يتناوبون عليه، بينما يترك الناس السيارات واسطوانات الغاز تقضي الليلة في الطابور للحفاظ على مواقعهم في قوائم الانتظار.

لقد عاد النقص المزمن في السلع الأساسية وارتفاع التضخم ليطبع حياة السودانيين العاديين. في القرى والمدن التي تعتمد على مضخات الوقود – مثل بورتسودان – غالبًا ما تجف الصنابير، مما يجبر الناس على الوقوف في طوابير طويلة لشراء براميل الماء. تقوم الحكومة بتجميع ما يكفي من العملات الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية مثل الوقود والقمح، ولكن ذلك لا ينجح إلا في تخفيف بعض الضغط.

لقد بعثت ثورة أبريل 2019 ، التي أنهت حكم عمر البشير العسكري الذي استمر لمدة 30 عامًا ، الأمل في ظهور نظام مدني يحكم السودان. ولكن – بعد أقل من عام على تعيين رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك – فإن هذا الأمل يتلاشى بسرعة.

في فبراير 2020 ، وصف صندوق النقد الدولي الآفاق الاقتصادية للسودان بأنها “مقلقة” – وهي لغة فظة بصورة غير معتادة بمعاييره. ثم جاء الكوفيد 19 والتراجع الاقتصادي العالمي المرتبط به، وراجع صندوق النقد الدولي تقييمه موضحاً أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان سيتقلص بنسبة 7.2 في المائة في عام 2020. وبحلول أبريل، ارتفع التضخم إلى 100 في المائة تقريبًا (بل إن أحد التقديرات المستقلة وجد أن التضخم ربما وصل إلى حوالي 116 في المائة). إضافة إلى هذه المجموعة المفجعة من الكوارث، فمن المتوقع على نطاق واسع أن تصل أسراب الجراد التي اجتاحت القرن الأفريقي في أسوأ تفشي منذ 70 عامًا إلى السودان في منتصف يونيو. وتقدر وكالة التنمية الدولية الأمريكية أن أكثر من 9 ملايين سوداني سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام.

في نفس ذلك اليوم في أبريل / نيسان ، كانت المجموعات السياسية في الخرطوم مشغولة بشائعات عن انقلاب عسكري. استغل الجنرال محمد حمدان دقلو – وهو زعيم ميليشيا من دارفور يُعرف باسم حميدتي ، استطاع الوصول إلى واحتلال ثاني أعلى منصب في الدولة خلال الثورة – تلك الفرصة ليعزز قوته وسلطته. حيث استطاع من خلال اللعب على مخاوف قوى الحرية والتغيير (FFC) ، الائتلاف المشكل من الأحزاب التي تدعم الحكومة المدنية ، الحصول على موافقتها ليصبح رئيسًا للجنة الطوارئ الاقتصادية – وهي هيئة تنفيذية قوية ، حتى وإن كانت غير دائمة. وعد حميدتي بإيداع 200 مليون دولار من أمواله الخاصة في البنك المركزي لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وأصبح حمدوك نائباً له في اللجنة.

لقد أفصح ذلك الوضع عن حقائق السلطة الجديدة في عملية الانتقال السياسي في السودان. على الرغم من حقيقة أن “الإعلان الدستوري” يضع الحكومة التي يهيمن عليها المدنيون في موقع المسؤولية عن الدولة، فقد أصبح الجنرالات هم الذين يحددون إلى حد كبير ما يتوجب عمله. إنهم يسيطرون على وسائل القمع وشبكة اخطبوطية من الشركات شبه الحكومية، التي تستولي على الكثير من ثروات السودان وتعزز سلطتها على حساب شركائها المدنيين في الحكومة. بالنسبة للناشطين الذين حشدوا من أجل التغيير الجذري، فإن هذا الوضع مرير للغاية ولا يمكنهم ابتلاعه، وأصبح الكثيرون منهم يرون أن حمدوك وحكومته لم يعودوا إلا دمى في أيدي الجنرالات.

لا يزال بإمكان القوى الديمقراطية إنقاذ المرحلة الانتقالية في السودان، لكن على حمدوك إبداء القيادة والحصول على الدعم الأجنبي. على وجه الخصوص ، سيحتاج حمدوك إلى فرض السلطة المدنية على الشركات شبه الحكومية التي يسيطر عليها الجيش والقطاع الأمني. تلك مهمة شاقة ومحفوفة بالمخاطر ، لكن بإمكان حمدوك أن يتحكم في ألأمر بشكل أكبر بالاستفادة من التنافس بين حميدتي والجنرال عبد الفتاح البرهان ، رئيس الدولة الفعلي، كما سيحتاج إلى مساعدة الأوروبيين إذا كان له أن ينجح.

توضح هذه الورقة كيف يمكن للأوربيين تقديم هذه المساعدة، وتستند إلى 54 مقابلة أجريت مؤخراً مع كبار السياسيين السودانيين، ومستشاري الحكومة ، ومسؤولي الأحزاب ، والصحفيين ، وضباط عسكريين سابقين ، ونشطاء ، وممثلي الجماعات المسلحة ، بالإضافة إلى الدبلوماسيين الأجانب والباحثين والمحللين والمسؤولين من المؤسسات الدولية. تستكشف الورقة الديناميات الدولية والمحلية التي تفسر تعثر الانتقال ؛ وتحلل ميزان القوى في الخرطوم وتأثير الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على العملية السياسية، وتحدد إمكانية ازدياد زعزعة الاستقرار، كما تستكشف تركز الشركات شبه الحكومية في أيدي الجنرالات منذ الثورة، وتوضح لماذا تمثل السيطرة المدنية على تلك الشركات أولوية اقتصادية ملحة وشرطًا مسبقًا للحكم المدني؛ وتحدد الطرق التي يمكن للأوروبيين من خلالها الدفع في هذا الاتجاه.

النضال ضد الاستبداد :

فرصة التحول الديمقراطي في السودان هي نتاج صراع صعب ضد الدكتاتورية. لقد جثم البشير كرئيس لمدة ثلاثة عقود لحكومة وحشية، فقد تولى السلطة في عام 1989 كرئيس عسكري لانقلاب تم التخطيط له سراً من قبل عناصر من الإخوان المسلمين السودانيين، قبل أن يزيح جانبا المفكر الإسلامي حسن الترابي، الذي كان هو العقل المدبر لهذه المؤامرة. لقد تمكن البشير من البقاء في السلطة رغم العقوبات الأمريكية ، والعزلة عن الغرب ، والعديد من محاولات التمرد، وانفصال جنوب السودان، وسلسلة من الأزمات الاقتصادية، وأوامر القبض من المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في دارفور، كما تزعم حملات مكافحة التمرد الوحشية التي عمقت الخلافات السياسية ودمرت النسيج الاجتماعي لمناطق الهامش مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

في ذلك المعمعان، قام البشير بتجنيد أعداد متزايدة من الجنود والجواسيس ومقاتلي الميليشيات بينما كان يبني قوات جديدة للتحوط من الولاءات المتقلبة لمن أصبح يعتمد عليهم، فعزز جهاز المخابرات والأمن الوطني (NISS) – الذي أصبح يعرف الآن باسم جهاز المخابرات العامة – لإحباط أي محاولة انقلاب من القوات المسلحة السودانية (SAF)، وفي وقت لاحق ، حول الميليشيات القبلية الموالية للحكومة في دارفور إلى قوات الدعم السريع (RSF) ، وهي منظمة يتولى قيادتها حميدتي ، كتأمين ضد تهديدات جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

خلال السنوات التي تلت 2010 ، استطاع نظام البشير إخماد موجات متتالية من الاحتجاجات، غير أن الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 2018 – التي أثارها قرار البشير برفع الدعم عن الخبز – كانت أوسع من أن تستطيع الحكومة احتواءها. ومع نمو الحركة ، فرض تحالف من الجماعات المهنية يسمى بتجمع المهنيين السودانيين (SPA) نفسه قيادة غير رسمية للمظاهرات في جميع أنحاء البلاد ، مما ولّد وحدة غير مسبوقة بين قوى المعارضة. في يناير 2019، تمكن تحالف متنوع من الجماعات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة من الاتحاد تحت إعلان مشترك، ليعلن عن ميلاد تحالف قوى الحرية والتغيير. وبلغت الاحتجاجات ذروتها في أبريل 2019 بتنفيذ اعتصام على أبواب قيادة القوات المسلحة السودانية بالخرطوم، وبينما تعهد صغار الضباط بحماية المتظاهرين ، وضع قادة الجيش وقوات الدعم السريع وجهاز الأمن الوطني عدم ثقتهم ببعضهم البعض جانباً، وأطاحوا بالبشير ، ونصبوا مجلساً عسكرياً انتقالياً في السلطة.

في الأسابيع التي تلت ذلك، تفاوض الجنرالات مع قادة الحرية والتغيير. وبدعم من المجتمع الإقليمي، قاوم الجنرالات أي تنازل كان سيهدد هيمنتهم. [1] لكن المتظاهرين رفضوا التراجع، وطالبوا بالحكم المدني ونظموا اللوجستيات المعقدة لاعتصام طويل الأمد.
بمرور الوقت ، وعندما أتضح أنه لم يكن لدى الجنرالات نية للتخلي عن السلطة، أصبحت الحالة المزاجية في الاعتصام أكثر تشدداً، وتبنى العديد من المشاركين رفض أي شكل من أشكال التمثيل العسكري في المؤسسات الانتقالية. [2] وفي 3 يونيو ، في آخر يوم من شهر رمضان ، أرسل الجنرالات قوات لسحق الاعتصام، حيث قام رجال الميليشيات في قوات الدعم السريع ورجال الشرطة بضرب واغتصاب وطعن وإطلاق النار على المتظاهرين ، قبل إلقاء جثث العديد من ضحاياهم في النيل، ويعتقد أن حوالي 120 شخصا قد قتلوا وأصيب نحو 900 في تلك المذبحة.

تلك الانتهاكات دفعت واشنطن ولندن للضغط على أبو ظبي والرياض للحد من الانتهاكات التي يقوم بها عملاؤهم من الطغمة الحاكمة ، الأمر الذي أدى إلى تغيير مسار المفاوضات. بحلول أواخر يونيو ، اتفق الجنرالات و قزى الحرية والتتغيير FFC على الخطوط العريضة لاتفاقية تقاسم السلطة – حتى عندما أظهرت “المسيرة المليونية” التي نظمتها منظمات الجماهير أن المتظاهرين مازالوا ثابتين ولم تهن عزيمتهم. في 4 أغسطس ، وقع الجنرالات و قوى الحرية والتغيير الإعلان الدستوري.

لقد تصورت الوثيقة انتقالًا من شأنه – على مدار ما يزيد عن ثلاث سنوات بقليل ، وتحت إشراف مجلس وزراء بقيادة مدنية – التوصل إلى اتفاق سلام مع الجماعات المسلحة من مناطق الهامش في السودان ، مع إنشاء نظام دستوري جديد وتنظيم انتخابات حرة. ويتم وفق الوثيقة إنشاء هيئة مدنية – عسكرية مختلطة تعرف باسم مجلس السيادة تكون بمثابة رأس الدولة وتمارس رقابة محدودة، على أن تحتفظ الحكومة ب “السلطة التنفيذية العليا”، ويترأس الفريق أول عبد الفتاح البرهان ، رئيس المجلس العسكري ، مجلس السيادة – مع حميدتي كنائب له – حتى مايو 2021 ، قبل تسليم المنصب إلى عضو مدني. كما سينشأ مجلس تشريعي انتقالي ليكون بمثابة البرلمان: لسن القوانين ، والإشراف على مجلس الوزراء ومجلس السيادة ، وتمثيل المجموعات المتنوعة في البلاد.

عندما تولى حمدوك ، الخبير الاقتصادي في الأمم المتحدة الذي اختارته قوى الحرية والتغيير، منصبه في 21 أغسطس ، كانت هناك أسباب للتفاؤل الحذر. بدأت محادثات السلام مع الجماعات المسلحة بشكل جدي وبدا أنها تحرز تقدماً سريعاً. لقد ورث حمدوك وضعًا اقتصاديًا كارثيًا وبنية سياسية احتفظ فيها الجنرالات بمواقع في أعلى السلطة ولكن الإعلان الدستوري وضع المدنيين في مقعد القيادة. لقد أعربت الدول الغربية عن دعمها الكامل لعملية الانتقال. كان من المعروف أن الرحلة ستكون صعبة ، ولكن اتجاهها كان واضحًا.

انتقال متعثر:

لا شك أن المواطنين السودانيين اكتسبوا حقوقًا مدنية وسياسية جديدة منذ بدء المرحلة الانتقالية. لقد خففت السلطات الجديدة الرقابة، وانتهت المضايقة والاعتقال التعسفي الذي غالباً ما كان عنيفاً على أيدي ضباط جهاز الأمن والمخابرات، وأصبحت الأقليات مثل المسيحيين تتمتع الآن بحرية العبادة، كما ألغت الحكومة قانون النظام العام الذي كان يسمح بالجلد في الأماكن العامة، وهي بصدد تجريم ممارسة ختان الإناث.

لكن، بخلاف ذلك، فقد تعثر الانتقال، حيث لا يزال السلام بعيد المنال، وفقدت محادثات السلام زخمها بعد أن توحلت في المساومة على المناصب الحكومية. إن معظم قادة الجماعات المسلحة التي تتفاوض مع السلطات والذين تجمعوا تحت مظلة الجبهة الثورية السودانية يمثلون قواعد اجتماعية ضيقة، ويعمل العديد من مقاتليهم حاليًا كمرتزقة في الصراع الليبي، بينما الفصيلان المتمردان اللذان يسيطران على الأراضي في السودان لا يشاركان بنشاط في المحادثات، وفي غضون ذلك ، اندلعت أعمال العنف المحلي في دارفور والولايات الشرقية وجنوب كردفان.

لقد ظلت الأجندة المؤسسية لعملية الانتقال ، والمصممة لتمكين المدنيين ، تراوح مكانها، فلم يتم تعيين المجلس التشريعي الانتقالي ، ولا الولاة المدنيين الجدد، أو المفوضية المكلفة بالتخطيط للمؤتمر الدستوري. لم تحقق السلطات الكثير فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية. [3] وقال رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق في مذبحة اعتصام الثوار في 3 يونيو أنه لا يستطيع حماية الشهود. وقالت السلطات إنها مستعدة للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة البشير والقادة المطلوبين الآخرين ، لكن الجنرالات يمنعون تسليم المشتبه فيهم إلى لاهاي.

يستمر الاقتصاد في التدهور. لقد بدأ المأزق بانفصال جنوب السودان في عام 2011. وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، عندما تدفقت عائدات النفط المنتج إلى حد كبير في الجنوب إلى خزائن الخرطوم ، زاد الإنفاق الحكومي بأكثر من 600 في المائة. لقد حال الانفصال دون وصول الخرطوم إلى معظم هذه الاحتياطيات النفطية ، مما أدى إلى انهيار الإيرادات ونقص الدولار وأزمة في الميزانية والنقد الأجنبي.

ردت حكومة البشير بطباعة النقود لشراء السلع المحلية – خاصة الذهب من قطاع التعدين المحلي المزدهر – بالأسعار الدولية ، قبل بيعها في الأسواق الدولية. من خلال ذلك المخطط، حصلت الحكومة على عملة أجنبية لتمويل استيراد السلع التي تدعمها – الوقود والقمح والأدوية – لكنها خلقت دوامة مفرغة من ضخ النقود والتضخم. وعلى الرغم من هذه الجهود ، سرعان ما بدأت احتياطيات النقد الأجنبي من النفاذ لدى السلطات، وبحلول عام 2018 ، أصبحت السلطات تكافح من أجل تمويل الواردات ، وأصبحت الطوابير تتزايد حول محطات البنزين. استمر الانزلاق الاقتصادي، مما أدى إلى سقوط البشير، ولكن الأزمة تواصلت عقب ذلك ، حيث أصبح الجنيه السوداني ، الذي كان يتداول بسعر 89 مقابل الدولار في الأسابيع الأخيرة من حكم البشير ، يتداول الآن عند 147 مقابل الدولار.

أسباب جمود الأوضاع :

لقد خطط حمدوك لمعالجة الوضع الاقتصادي الكارثي من خلال حشد الدعم الدولي، كما بنى آمالاً عريضة على أن حسن النوايا الذي نتج عن تغيير النظام سيجلب للسودان مكاسب ضخمة من المساعدات الإنمائية. وإذا تمكن المجتمع الدولي من تمويل شبكة أمان اجتماعي جديدة لبضع سنوات – بتكلفة ملياري دولار سنويًا – فإن الحكومة سترفع الدعم عن الوقود ، ثم القمح، وستكون تلك هي الخطوات الأولى نحو معالجة العجز واستقرار سعر العملة.

في أواخر عام 2019 ، قام حمدوك ووزير المالية إبراهيم البدوي بزيارات دبلوماسية لواشنطن والعواصم الأوروبية وكانوا يأملون في الحصول على تعهدات مالية وإقناع الولايات المتحدة بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، هذا التصنيف ، الذي يجبر الولايات المتحدة على التصويت ضد تخفيف عبء الديون عن السودان في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، والذي هو من موروثات التسعينات ، عندما وفر البشير ملاذا آمنا للعديد من الجهاديين ، بما في ذلك أسامة بن لادن. لقد تضاءل الأساس المنطقي للإدراج بالفعل بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر حينما بدأ جهاز الأمن الوطني في تبادل المعلومات الاستخبارية حول التهديدات الإرهابية مع وكالة المخابرات المركزية. لقد أصبح ذلك الإدراج أقل منطقية الآن بعد رحيل البشير.

على الرغم من أن تصنيف الدولة الراعية للإرهاب لا يفرض عقوبات رسمية على السودان ، إلا أنه يرسل إشارة سياسية تشوه سمعة البلاد ، وتعيق الاستثمار الأجنبي وتخفيف عبء الديون ، وتلقي بظلال من الشك على مزاعم واشنطن بدعم الحكومة المدنية. لسوء حظ حمدوك ، فإن السودان لا يحتل مرتبة عالية في قائمة أولويات الإدارة الأمريكية الحالية، وقد قرر الرئيس دونالد ترامب عدم الإسراع بإخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، مما جعل العملية تتبع المسار البيروقراطي وتصبح عرضة للتضارب في وجهات النظر بين وزارة الخارجية والأمن القومي ووكالات الدفاع والكونغرس.

لقد تعهد الأوروبيون بتقديم الدعم للسودان لكنهم كانوا بطيئين في تقديمه ، على الرغم من انخراطهم في موجة من النشاط الدبلوماسي مع الخرطوم. ومنذ تعيين حمدوك، قاموا بدعوة الولايات المتحدة علناً وسراً إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتعهد الاتحاد الأوروبي بدفع مبلغ 250 مليون يورو كمساعدة إنمائية جديدة (إلى جانب 80 مليون يورو لدعم السودان لمكافحة جائحة الكورونا) ، بينما تعهدت السويد بتقديم 160 مليون يورو وألمانيا 80 مليونًا وفرنسا 16 مليونًا . ومع ذلك ، فهذه أرقام بسيطة بالمقارنة مع التزامات الأوروبيين المعلنة. [4]

وبالنظر إلى ديونه الباهظة، فإن من غير المرجح أن يستقر اقتصاد السودان دون تخفيف الديون وضخ تمويلات جديدة. بالإضافة إلى 2 مليار دولار سنويا المطلوبة لتمويل شبكة الأمان الاجتماعي فإن السودان يحتاج إلى ما يقدر بنحو 6 مليارات دولار لتحقيق الاستقرار في العملة الوطنية. إن الطريق لتخفيف عبء الديون في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HPIC) طويل في أي ظرف من الظروف، لكن اللامبالاة الأمريكية ، والجبن الأوروبي ، وحيرة حكومة حمدوك تضافرت كلها لتقبر الآمال في أن يترجم الزخم الدبلوماسي الذي خلقه السودان في سبتمبر وأكتوبر 2019 بسرعة إلى مساعدة دولية كبيرة.

إن تصويت الولايات المتحدة ضد تخفيف عبء الديون عن السودان بموجب مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون HPIC لن ينطبق إلا عند الوصول إلى ما يسمى ب “نقطة اتخاذ القرار” ، والتي تأتي بعد حوالي عام من بدء العملية. من الناحية النظرية ، فإن ذلك يمنح الحكومة السودانية وصندوق النقد الدولي الوقت الكافي للتعاون في إطار المبادرة بينما تعمل الولايات المتحدة على إخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. لكن المؤسسات المالية الدولية لن تقدم تمويلاً جديداً للسودان قبل تسوية البلاد لمتأخرات ديونها. لم تسفر المناقشات بين صندوق النقد الدولي والحكومة السودانية في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020 عن أي شيء جوهري: حيث ترددت الحكومة في الالتزام بالإصلاحات الهيكلية – بدءًا بإصلاحات الدعم – التي يطلبها صندوق النقد الدولي لإعداد برنامج مراقبة الخبراء ، وهي خطوة أولى نحو تخفيف عبء الديون بموجب مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون HPIC.

لاحظت المؤسسات المالية الدولية أيضًا افتقار القوى الأجنبية إلى الحماس للسودان. [5] في سبتمبر 2019 ، في اجتماع في واشنطن ، ورد أن مسؤولي صندوق النقد الدولي نصحوا البدوي بتأجيل إصلاح الدعم إلى حين الوصول إلى التزام من المانحين الدوليين بتمويل شبكة الأمان الاجتماعي الجديدة ، والتي ستخفف من الآثار. [6] سعى البنك الدولي إلى جمع الأموال لصندوق ائتماني جديد متعدد المانحين للسودان في أكتوبر وديسمبر 2019 ، لكنه فشل في الحصول على تعهد واحد. [7]

لقد عبرت مجموعة أصدقاء السودان ، وهي مجموعة مخصصة من الجهات المانحة والمنظمات المتعددة الأطراف والتي أنشئت لتنسيق المبادرات الدولية بشأن البلد ، عن هذا التردد عن غير قصد. لقد تم تشكيل الهيئة من مجموعة أساسية من الجهات الفاعلة التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي وفرنسا والنرويج ، وتوسعت الهيئة منذ ذلك الحين لتشمل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. لم تؤد الاجتماعات المتتالية في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020 إلى فعل مؤثر، وسيكون مؤتمر التعهدات المقرر عقده في يونيو اختبارًا حاسمًا للنوايا الحسنة الدولية. لكن مؤيدي السودان الدوليين فقدوا الوقت الثمين بالفعل.

مأزق الدعم :

يرجع المانحون الدوليون ترددهم في مساعدة الحكومة السودانية إلى تقاعسها عن إصلاح الدعم. في كانون الأول / ديسمبر ، قدم البدوي مشروع ميزانية تعتمد على الإلغاء التدريجي للدعم. لكن قيادة الحرية والتغيير- الائتلاف الحاكم اسميًا – عارضت السياسة ، على أساس أنها ستزيد من تكلفة المعيشة. وحيث أنه لم يكن راغباً في المضي قدما دون دعم قوى الحرية والتغيير، فقد وافق حمدوك على أن يتم البت في المسألة في مؤتمر اقتصادي وطني كان من المقرر عقده في مارس 2020، وتم تأجيله في وقت لاحق حتى يونيو 2020، وبسبب القيود على الاجتماعات الناجمة عن جائحة الكورونا، فقد أصبح من غير الواضح الآن ما إذا كان ذلك المؤتمر سيعقد على الإطلاق.

يرى المانحون خطرًا أخلاقيًا في تمويل شبكة الأمان الاجتماعي الحكومية قبل أن تلتزم بصرامة بإلغاء دعم الوقود. إنهم قلقون من أنهم إذا قدموا الأموال في وقت مبكر جدًا ، فقد تنفق الحكومة المال بينما تؤجل الإصلاحات ، مما يجبرهم في نهاية المطاف على التزام مفتوح بتمويل شبكة أمان اجتماعي تم تصميمها لتكون مؤقتة.

لكن الخطر الأخلاقي هو سيف ذو حدين، حيث يريد المانحون، من جانب، أن تلتزم الحكومة السودانية بالإصلاحات التي ستكون لها تكلفة اجتماعية مقابل وعد بمستويات غير محددة من التمويل. ولكن، من الجانب الآخرـ فقد تكون التعهدات التي سيتلقاها السودان في يونيو / حزيران أقل بكثير من ال 1.9 مليار دولار التي تحتاجها الحكومة ، مما سيجبر السلطات على إنشاء شبكة الأمان الاجتماعي بشكل تدريجي فقط، [8] وهو ما سيتعارض مع المنطق القائم على برنامج مؤقت مصمم لتعويض ارتفاع الأسعار دفعة واحدة. وفي ظل هذه الظروف، فإن إصلاح الدعم – مهما كان ضروريًا – سيكون مقامرة من جانب الحكومة.

الجدل حول الدعم :

يكلف دعم الوقود والقمح والأدوية الحكومة ما يقدر ب4 مليارات دولار سنويًا ، أو حوالي 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. هذا المبلغ يعادل العجز الحكومي ، أو 38 في المائة من الميزانية. [9] ولأنه يمول من خلال ضخ النقد ، فإن الدعم يميل إلى النمو بمعدل مركب. وعلى حد تعبير المبعوث الأمريكي الخاص للسودان دونالد بوث ، فإن تلك التدابير “غير مستهدفة” و “غير مستدامة”. [10]

الإصلاح هو قضية محلية شائكة ، حيث أدت محاولة البشير لخفض الدعم إلى اندلاع الثورة. هذه القضية لها تأثير فوري على حياة العديد من السودانيين ويتردد صداها عبر الالتزامات الأيديولوجية الشيوعية والناصرية والبعثية للأعضاء الأقدم في قيادة الحرية والتغيير، الذين يسيطرون على صنع القرار داخل التحالف.

إن هناك ما يبرر المخاوف بشأن التأثير الاجتماعي لإصلاح الدعم. قبل انهيار أسعار النفط هذا العام ، كان صندوق النقد الدولي قد قدر أن الإصلاح سيزيد أسعار البنزين بمعدل 44-70 في المائة سنوياً على مدى السنوات الست المقبلة. لا يوجد تحليل متاح للعموم عن التأثيرات المحتملة لهذا الارتفاع على الطلب الكلي ؛ وعلى أسعار السلع الأساسية التي تعتمد على الوقود لإنتاجها ، مثل المنتجات الزراعية ؛ أو على إمدادات المياه في المناطق التي تعتمد على مضخات البترول.
وإدراكا للمخاطر ، فإن صندوق النقد الدولي – على عكس المانحين – يجادل بأن “شبكة الأمان الاجتماعية الموسعة يجب أن تكون موجودة قبل القيام بتنفيذ إصلاحات الدعم وسعر الصرف والتي يحتمل أن تؤدي إلى الاضطرابات”.

يضغط العديدون في قيادة الحرية والتغيير من أجل اتخاذ تدابير أخرى، تشمل استعادة الأصول التي استولى عليها نظام البشير ؛ وزيادة الضرائب ، على سبيل المثال ، على السلع الكمالية ؛ وفرض سيطرة مدنية على الشركات العسكرية والأمنية. [11] وقد شجب التيجاني حسين ، العضو البارز في اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير ، سياسات البدوي ووصفها بـ ” الوصفات الجاهزة … من قبل صندوق النقد الدولي “.

هناك حجج تقدمية لصالح إصلاح الدعم. يساعد النظام الحالي على إنشاء سوق سوداء منظمة للغاية يتسرب من خلالها ما يتراوح بين 20 و 80 في المائة من السلع المدعومة – مما يستنزف مبالغ هائلة من المال من الخزينة العامة دون تقديم أي مزايا اجتماعية. [12] يتم استهلاك الوقود في الغالب من قبل الطبقات المتوسطة والعليا ، في بلد يمتلك فيه عدد قليل من الناس سيارات. كما أن إعانات الخبز تعطي أفضلية لسكان المناطق الحضرية الأثرياء نسبياً على سكان الريف ، الذين تتكون المواد الأساسية لغذائهم من الذرة الرفيعة والدخن. وبالطبع ، فإن العجز الناشئ عن ميزانية الدعم أصبح الآن كبيرًا لدرجة أنه يمنع الحكومة من تحسين الخدمات الاجتماعية.

بالنظر إلى أن أزمة الدعم تعرض عملية الانتقال للخطر ، يجب على كل من الحكومة السودانية والمانحين الدوليين أن يدركوا أن لديهم مصلحة راسخة في النظر أبعد من اهتماماتهم قصيرة المدى والتغلب على مشكلة التنسيق هذه. كانت هناك مؤخرا بعض علامات التقدم. وقد أشارت الحكومة إلى أنها مستعدة للمضي قدما في إصلاح الدعم. في 11 مايو ، قدمت الحكومة أخيرًا طلبًا لبرنامج مراقبة الخبراء لدى صندوق النقد الدولي، وأعلن البدوي في 14 مايو عن إطلاق شبكة الأمان الاجتماعي التي أعيدت تسميتها بـ “برنامج المساعدة الأسرية”، وأصبح يتحدث “إدارة أفضل” للدعم. لقد بدأت الحكومة عمليًا تحرير أسعار الوقود من خلال تقييد توزيع الوقود المدعوم على 20٪ من محطات الوقود في البلاد. [13] إن انهيار أسعار النفط هذا العام سيسهل العملية. على أي حال ، وقد أصبحت الأسعار التجارية حقيقة واقعة بالفعل في العديد من محطات البنزين في جميع أنحاء البلاد: إلا أن الشاحنات التي كانت تحمل بنزيناً مدعومًا ، في عهد البشير ، وتخضع لسيطرة صارمة من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني أصبح تحول الآن إلى السوق السوداء بعد مغادرتها الخرطوم. [14]

هناك أيضًا مؤشرات على أن قيادة الحرية والتغيير تعيد النظر الآن في معارضتها لإصلاح الدعم ، وأن التحالف يمكن أن يتوصل إلى اتفاق مع الحكومة بشأن هذه القضية قبل المؤتمر الاقتصادي الوطني في يونيو. [15] ولكن ، إذا فشل فريق حمدوك في إقناع الحرية والتغيير بالمضي قدمًا قبل مؤتمر التعهدات للمانحين في وقت لاحق من ذلك الشهر – أو إذا جاء الاتفاق في وقت متأخر جدًا بالنسبة لمجلس الوزراء لإعداد خطة ترضي المانحين الدوليين – فمن المرجح أن المساعدات الخارجية للسودان ستكون أقل بكثير مما يحتاجه السودان، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان.

توازن القوى الهش :

إن الفشل في استقرار الاقتصاد السوداني ستكون له عواقب بعيدة المدى ليس فقط على البلد ولكن على المنطقة ككل. منذ تعيين حمدوك ، رجح ميزان القوى المحلي مرة أخرى لصالح الجنرالات ، الذين يمكنهم استغلال مناخ الأزمة لاستعادة الحكم العسكري. ولكن إذا قامت الفصائل المتنافسة داخل الجهازين العسكري والأمني بإبعاد القادة المدنيين من المعادلة ، فإنها ستضع نفسها في مسار للتصادم بين عناصرها.

تفكك تحالف قوة الحرية والتغيير :

إن أعضاء تحالف الحرية والتغيير هم الآن أضعف بكثير مما كانوا عليه قبل عام. لقد تفكك التحالف الثوري تحت وطأة التنافس الحزبي على السلطة. لقد سيطرت مجموعة ضيقة ومثيرة للجدل من قادة الأحزاب في الخرطوم على قيادة الحرية والتغيير، بعد إقصاء المكونات الأخرى للتحالف. لقد تنازعوا حول المناصب الحكومية مما أعاق ، بدلاً من أن يدفع ، جدول الأعمال الانتقالي.

عند إنشائها في يناير 2019 ، مثلت الحرية والتغيير ثلاث مجموعات. تضمنت الأولى الأحزاب السياسية التي عارضت البشير ، والتي ينتمي قادتها إلى النخب الاجتماعية والثقافية في المناطق الوسطى التي هيمنت على البلاد منذ الاستقلال. والثانية تتألف من الجماعات المسلحة من مناطق الهامش، التي كانت مهمشة تقليديًا. وتضمنت المجموعة الثالثة منظمات المجتمع المدني المتنوعة ، مثل تجمع المهنيين السودانيين SPA ، وجماعات حقوق الإنسان ، وما يسمى “لجان المقاومة” – وهي المجموعات غير الرسمية في الأحياء التي ظهرت خلال الانتفاضة لتعبئة الثوار.

بحلول أبريل 2019 ، تمكنت الأحزاب السياسية وتجمع المهنيين من الهيمنة على فريق الحرية والتغيير الذي تفاوض مع المجلس العسكري ، بعد استبعاد ممثلي الجماعات المسلحة ومعظم منظمات المجتمع المدني. في أغسطس ، وقعت الأحزاب السياسية السودانية على الإعلان الدستوري دون استشارة الجماعات المسلحة ، مما أدى إلى الطلاق الفعلي بينهما. كما اشتكت العديد من منظمات المجتمع المدني من استبعادها من العملية. بحلول نهاية عام 2019 ، تم اختراق تجمع المهنيين ولجان المقاومة من جميع الجهات وتضاءل تأثيرها إلى حد كبير. ووقع ما تبقى من تحالف الحرية والتغيير تحت سيطرة حزب الأمة – وهو حزب كبير ، وإن كان قد بدأ في الانكماش ، يقوم على أساس الولاء الديني التقليدي -و الحزب الشيوعي السوداني ؛ وحفنة من المجموعات اليسارية ذات الميول اليسارية، مثل حزب المؤتمر السوداني ؛ والفصائل البعثية والناصرية الصغيرة التي اكتسبت دورًا كبيرًا من خلال المناورات السياسية الرشيقة. وقد تعرض هذا التحالف للانهيار في أبريل ومايو ، عندما علق حزب الأمة مشاركته في الهيئات القيادية في التحالف ، ودعا حزب المؤتمر السوداني إلى استقالة الوزراء والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة. وفي وقت كتابة هذا التقرير ، كانت عضوية الحرية والتغيير قد تقلصت عملياً لتقتصر على الحزب الشيوعي ، حزب المؤتمر السوداني ، تجمع المهنيين SPA ، والتجمع الاتحادي ، أحزاب البعث ، وقليل من الأفراد – لا يمكن لأي منها أن يدعي أن لديه قاعدة شعبية واسعة.

نبذ الإعلان الدستوري :

داخل الحكومة ، فإن تشكيل السلطة الذي نشأ منذ سبتمبر 2019 لم يكن، إلى حد كبير، يشبه التوازن المؤسسي الدقيق – المنصوص عليه في الإعلان الدستوري – والذي ناضلت قوى الحرية والتغيير بجد لتحقيقه في مفاوضاتها مع المجلس العسكري.

لقد قام الجنرالات بتحويل سلطات تنفيذية لمجلس السيادة ، وبالتالي ، لأنفسهم. وترك البرهان ، وهو أكبر جنرال في الجيش السوداني ، ونائبه في المجلس ، حميدتي ، لحمدوك مهام اجتذاب الدول الغربية والتوسط في المحادثات الدقيقة بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي الضخم. ولكن، بخلاف ذلك، فقد كان الجنرالات هم من يديرون الشؤون الخارجية والقضايا الداخلية الحاسمة.

في يناير ، بعد أن طلب حمدوك من مجلس الأمن إطلاق بعثة جديدة للأمم المتحدة في السودان ، أجبره مجلس السيادة على التراجع، وفي فبراير، أرسل رسالة ألغت أي إشارة لمنح البعثة تفويضًا لمراقبة إصلاح قطاع الأمن وتنفيذ الإعلان الدستوري ورفع التقارير بشأن ذلك. لقد شكلت هاتان المهمتان تهديداً مباشراً لمصالح الجنرالات (الإعلان الدستوري يمنع أعضاء مجلس السيادة من الترشح في الانتخابات المستقبلية).

وقد ظهر تأثير الجنرالات أيضًا في صنع القرار المحلي، فقد شرع حميدتي في إجراء مفاوضات السلام مع الجماعات المتمردة ، متجاوزًا في البداية الحكومة المدنية وقوى الحرية والتغيير، وفيما بعد عين البرهان وترأس مجلساً مشتركاً للدفاع والأمن، يشكل فيه الأعضاء المدنيون في الحكومة أقلية.
ويرأس أعضاء مجلس السيادة أيضًا اللجان الثلاثية المتخصصة الأخرى التي تضع، كأمر واقع، السياسات، مثل تلك المتعلقة بفيروس الكورونا، ومكافحة الفساد ، والطوارئ الاقتصادية.

لقد أصبحت للجنرالات ماكينة علاقات عامة جيدة التشحيم، حيث فتح الجيش مخبزًا في عطبرة مهد انتفاضة 2018- 2019، وأسس حميدتي عيادات صحية وصندوقاً لدعم المزارعين ؛ كما قامت قواته بتوزيع إمدادات غذائية تحمل علامة الدعم السريع وشنت حملة لمكافحة البعوض.

في هذه الأثناء، لم يثبت حمدوك أنه القائد الذي كان يأمله البعض. وبدلاً من استخدام موقعه لدفع عملية الانتقال، فقد سعى إلى توافق الآراء – والامتناع عن اتخاذ أي قرار دون ضوء أخضر من الحرية والتغيير أو الجنرالات أو كليهما. على سبيل المثال ، فقد اختار عدم ممارسة سلطته لاستبدال الولاة العسكريين الموروثين من عهد البشير بولاة مدنيين ، لأنه لم يوافق على الأفراد الذين رشحتهم قوى الحرية والتغيير. كما أعطى الأولوية للعلاقات الجيدة مع الجنرالات ، مشيرًا إلى أن “الشراكة [بينهما] تعمل” ، حتى على حساب الانخفاض المضطرد لسلطته. “إن حميدتي يعتبر حمدوك مجرد كاتب” كما ذكر أحد الأشخاص المقربين من الزعيم شبه العسكري.

ونتيجة لذلك ، أصبحت اللجان المختصة – التي تضم أعضاء من مجلس السيادة ، والحرية والتغيير، ومجلس الوزراء – هي المركز الجديد لصنع القرارات. وحيث أنها تمكنت من اكتساب نفوذ على وضع السياسات من خلال هذه الآليات الغامضة، لم يعد لدى القيادة المحدودة لقوى الحرية والتغيير حماساً كبيراً لإنشاء المجلس التشريعي الانتقالي ، على الرغم من أن هذا البرلمان المؤقت كان سيشكل أداة حاسمة لمحاسبة مجلس السيادة ومجلس الوزراء.

لكن هذا الترتيب غير متماسك. ولم يحاول، أي من حمدوك أو قوى الحرية والتغيير، حشد الدعم العام عندما يواجه أي منهما عرقلة أو مقاومة من قبل الجنرالات. على هذا النحو، فقد تخليا عن واحد من الكروت القليلة التي كانا يحتفظان بها مما خلق انطباعًا بأن النظام القديم قد استوعبهما. لقد انهارت شعبية الحرية والتغيير. لقد حصل حمدوك على تأييد ضخم من الجمهور السوداني في أواخر عام 2019 ، لكن صبر تلك الجماهير بدأ ينفد ويردد العديد من النشطاء الآن أنهم كانوا سيعودون إلى الشارع لولا احترازات جائحة الكورونا (التي كان لها حتى الآن تأثير صحي محدود على السودان ولكن ، كما هو الحال في أماكن أخرى ، أدت إلى فرض قيود على التجمعات العامة).

بعد تخليهما عن أجندة بناء مؤسسات قوية يمكنها صياغة العملية السياسية الوطنية ، فقد استمر حمدوك وقوى الحرية والتغيير في ممارسة نفس السياسات السودانية غير الرسمية التقليدية. وقد وضع هذا الأمر الجنرالات – الذين يسيطرون على المال ووسائل القمع – في الموقع الأفضل، وعندما تشتعل الأزمة السياسية المقبلة ، فلن تكون هناك مؤسسة لتحول بينهم وبين الاستيلاء المحتمل على السلطة.

المناورات الإقليمية :

وقد أخذت هذه التطورات تتجلى تحت تأثير القوى الإقليمية، والذي وصل حدوداً غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث. لقد استفادت ما يسمى “الترويكا العربية” المكونة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر من الثورة لتهميش منافسيها الإقليميين تركيا وقطر، اللتين دعمتا منذ فترة طويلة نظام البشير. ويلعب الإماراتيون ، بالتعاون مع السعوديين ، دورًا نشطًا بشكل خاص في تشكيل العملية السياسية في السودان، ويقال إنهم ينفقون ببذخ ويناورون لتنصيب حميدتي كأقوى رجل في السودان الجديد على الرغم من المقاومة الشرسة من القوات المسلحة السودانية.

لقد وجدت الترويكا في الانتفاضة الثورية 2018-2019 فرصة، بعد أن نفذ صبرها، للتخلص من البشير، الذي كان يطلب دعمها ولكنه يستغل ذلك في لعبة تضارب المصالح مع قطر وتركيا. لقد رأت الترويكا أن لديها فرصة لإسقاط البشير وإقامة علاقة أوثق مع الحكومة السودانية، فاتصلت الإمارات بالمعارضة السياسية والجماعات المسلحة في فبراير 2019 ، في ذروة الانتفاضة ، للتحقق من استعدادها لدعم تغيير النظام. [17] وفي نفس الوقت تقريبًا ، قام رئيس جهاز الأمن الوطني ، صلاح قوش ، بزيارة سجناء سياسيين بارزين في السجن سراً ، وكما ورد، وبدعم من الإماراتيين ، عرض على البشير خطة للمغادرة (رفضها البشير).

عندما أطاح الجنرالات بالبشير في أبريل ، التقى جيران السودان – مصر ، تشاد ، جنوب السودان ، إريتريا ، وكانت إثيوبيا معهم في البداية – مع المملكة العربية السعودية والإمارات لدعم المجلس العسكري الجديد ضد مطالب المتظاهرين الثوريين.
[18] وقد وعدت الرياض وأبوظبي بتقديم 3 مليارات دولار لدعم الجنرالات، كما قدم الإماراتيون مستشارين وأسلحة إلى حميدتي ، مما أغضب القوات المسلحة السودانية. [19]

لقد تغلغل النفوذ الإماراتي في السياسة السودانية منذ ذلك الحين. وبعد العودة من الرحلات إلى أبو ظبي ، اتخذ ممثلو الأطراف المؤثرة في قوى الحرية والتغيير والجماعات المسلحة مواقف موالية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وحميدتي. لقد عرف الإماراتيون على نطاق واسع بسخاء مساهماتهم المالية السرية ، التي تتدفق إما مباشرة إلى مختلف الفاعلين السياسيين أو بشكل غير مباشر من خلال حميدتي. لقد ظل محمد دحلان ، الفلسطيني المنشق، والذي يدير العديد من المشاريع الأمنية المهمة نيابة عن الحاكم الإماراتي محمد بن زايد ، يدير ملف الإمارات العربية المتحدة في السودان. [21] وبحسب ما ورد، فإن الجنرال السوداني السابق عبد الغفار الشريف ، الذي كان يعتبر في السابق أقوى رجل في جهاز الأمن والمخابرات الوطني ، يعيش الآن في أبو ظبي وقد وضع شبكته الاستخبارية الهائلة في خدمة الإمارات. [22]

لقد عملت الترويكا العربية أيضا على تقويض حمدوك ودعم الجنرالات. فعلى سبيل المثال ، سهّلت الإمارات العربية المتحدة عقد اجتماع سري بين البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، فضلاً عن ترتيب الاتصال المباشر بين البرهان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وقد تم تجاوز حمدوك في تلك الخطوة. كذلك قامت الإمارات بتقويض سياسة وزارة الخارجية الأمريكية لدعم الحكومة المدنية ، ووضعت البرهان في مكان يؤهله لجني الثمار السياسية للإلغاء المحتمل لوضع السودان كدولة راعية للإرهاب. [23] كما قدمت الإمارات العربية المتحدة دعماً مالياً لمحادثات السلام بين الحكومة السودانية والجماعات المسلحة، وقد أعطى ذلك حميدتي والجنرال شمس الدين الكباشي ، العضو البارز الآخر في مجلس السيادة ، فرصة للظهور كصانعي سلام. [24] وقد زار كل من البرهان وحميدتي أبو ظبي والرياض والقاهرة مؤخرًا، كلاً على حدة في بعض الأحيان، أو مع حمدوك.

ولعل الجانب الأكثر إثارة للقلق في سياسة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يكمن في الطرق التي وجهوا بها مساعداتهم المالية ، بتدفق الأموال أو قطع الدعم لكسب النفوذ السياسي. لقد أنهت الدولتان دعمهما للحكومة بهدوء في ديسمبر 2019 ، بعد أن صرفتا فقط نصف مليار دولار تعهدتا بها في أبريل 2019. [25] وقد بدت تلك الخطوة كانعكاس لقرارات الإمارات بوقف مساعدتها للبشير في ديسمبر 2018 – مما ساهم في إسقاطه – وتقديم الدعم للحكام الجدد الأكثر توافقاً مع الأفضليات الإماراتية. لقد تجنبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تمويل الآليات الشفافة مثل الصندوق الائتماني متعدد المانحين التابع للبنك الدولي. في هذه الآناء ، بدا كأنما كان حميدتي يمتلك كميات وفيرة من النقد لدعم البنك المركزي، حيث أودع في مارس، 170 مليون دولار في البنك. تشير هذه التطورات إلى أن القوى الخليجية يمكن أن تستخدم قوتها المالية لتشكيل نتائج العملية السياسية الداخلية في السودان، وإعادة توجيه تدفق الأموال لدعم حميدتي ومفاقمة الأزمة الاقتصادية لتصويره كمنقذ.

المياه المجهولة :

إن المسار الحالي للسودان يجب أن يكون مصدر قلق بالغ لصانعي السياسة الأوروبيين. لقد أصبح التحول الديمقراطي عرضة لمخاطر التغيرات في ميزان القوى بين البرهان ، وحميدتي ، وحكومة حمدوك ، وقوى الحرية والتغيير. و بسبب التفتت الشديد للسياسة السودانية وغياب الضمانات الدستورية ، فإن مصير السودان هو الآن أكثر غموضا مما كان عليه منذ عقود، ومن المرجح أن يتدهور الوضع في العام المقبل. تتضمن السيناريوهات ذات المصداقية انتفاضة جماهيرية أخرى، أو انهيار بطيء الاحتراق للاقتصاد وللدولة بسبب الجمود السياسي ؛ أو رفض البرهان التنحي عن رئاسة مجلس السيادة في سنة 2021 ؛ أو خطوة من الجنرالات للإطاحة بقوى الحرية والتغيير واستبدالها برموز مدنية طيعة ، قبل إجراء انتخابات مبكرة ؛ أو انقلاب عسكري كامل ؛ أو حرب أهلية تنتج عن محاولة انقلاب فاشلة أو تصاعد الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

إن التوتر بين الأعضاء السابقين في نظام البشير قد يكون هو المهدد الأخطر لمستقبل الدولة. لقد استند حكم البشير على أربع ركائز: حزب المؤتمر الوطني (NCP) – وهو فرع من جماعة الإخوان المسلمين السودانية – القوات المسلحة السودانية ، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ، وقوات الدعم السريع. لقد أدى ظهور البرهان وحميدتي لاحقا كقادة للمجلس العسكري الجديد إلى تهميش حزب المؤتمر الوطني ، الذي قامت السلطات بحله في نوفمبر 2019 ، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني.

إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع يبدوان كشريكين متنافرين. لقد ولد التحالف بينهما في أبريل 2019 ، عندما أجبر انشقاق ضباط القوات المسلحة السودانية ذوي الرتب الدنيا قادة الجيش والأمن على الإطاحة بالبشير لتجنب الصدام بين الضباط المتمردين والموالين. ومنذ ذلك الحين ، تمحور تحالف القوات المسلحة السودانية-قوات الدعم السريع حول العلاقات الشخصية بين البرهان وحميدتي، التي نمت خلال فترة وجودهما في اليمن ، عندما قادا القوات السودانية المنتشرة لدعم تحالف بقيادة السعودية والإمارات. لكن ، وبغض النظر عن البرهان ، فإن استياء ضباط القوات المسلحة السودانية من حميدتي عميق، لأنه يأتي من دارفور ويرأس ميليشيا شبه عسكرية ، ولأن بزوغ نجمه أصبح يهدد تفوق كبار الضباط الذين ينتمون بشكل ساحق إلى مناطق وسط السودان، كما يستاء الضباط في الرتب الدنيا من دور قوات الدعم السريع في مذبحة 3 يونيو. [26]

وخلف الكواليس، يتنافس كل من البرهان وحميدتي لتملك الموارد ، مثل شبكة المخابرات الهائلة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني. لقد قامت قوات الدعم السريع باجتذاب ضباط القوات المسلحة السودانية من خلال تقديم أجور أفضل لهم. إن المنافسة هي تحت السيطرة – على الأقل في الوقت الحالي – ويرجع ذلك جزئيًا إلى وجود حمدوك وقوى الحرية والتغيير، مما يعقد من الحسابات الاستراتيجية للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بينما يمنع ظهور انشقاق سياسي يتمحور بصورة رئيسية حول الأجهزة العسكرية والأمنية.

بالإضافة إلى ذلك ، فقد بدا أن حميدتي والعديد من أعضاء قوى الحرية والتغيير، في الأشهر القليلة الماضية ، يخشون من أن تحالفًا بين القادة السابقين في حزب المؤتمر الوطني وضباط جهاز الأمن والمخابرات والضباط الإسلاميين داخل القوات المسلحة السودانية سيحاول الاستيلاء على السلطة ، إما عن طريق زعزعة استقرار البلاد كمقدمة للانقلاب، أو باغتيال برهان أو حميدتي أو كليهما. [27]

لقد انتشرت المخاوف من زعزعة الإسلاميين للاستقرار منذ الثورة ، ولكن من الصعب تقييم التهديد الذي يشكله قادة حزب المؤتمر الوطني السابق. لقد أنشأ الحزب هيكلًا أمنيًا سريًا مؤلفًا من الموالين ، الأمن الشعبي ، الذي تغلغل في جميع مؤسسات الدولة. لقد كان معظم ضباط جهاز الأمن والمخابرات، أثناء حكم البشير، موالين لقادة حزب المؤتمر الوطني. داخل القوات المسلحة السودانية. لقد ورد أن الذين تعهدوا بالولاء للحزب بلغوا حوالي 30 في المائة من الضباط، لكنهم كانوا منظمين بشكل جيد. [28] الآن بعد أن تم إيداع العديد من كبار مسؤولي حزب المؤتمر الوطني السجن وتغيرت حقائق السلطة ، فإنه لم تتضح بعد مدى قوة تلك الانتماءات السابقة.

إن بعض ضباط المخابرات العامة ، على سبيل المثال ، هم الآن موالون لحميدتي [29]. كما أن العداء الشعبي الواسع للإسلام السياسي يجعل من استيلاء الإسلاميين على السلطة أمراً عسيراً.

ومع ذلك ، فقد أثارت العديد من الأحداث الأخيرة تلك المخاوف. لقد سعى البرهان إلى إزالة عضو بارز في لجنة إزالة التمكين يقود عملية استرداد الأصول من قادة حزب المؤتمر الوطني السابقين. وبحسب ما ورد فهو يتواصل مع علي كرتي ، الزعيم السابق البارز في حزب المؤتمر الوطني، المختبئ الآن. وقد زاد ذلك من شكوك حيمدتي. [30] لقد حرض بعض الإسلاميين البارزين علنا على شن الهجمات ضد حميدتي و حمدوك. وفي مارس / آذار ، ألحقت قنبلة محلية الصنع أضراراً بموكب حمدوك في الخرطوم. ومنذ أبريل. لقد قربت تلك الأحداث المسافة بين قوى الحرية والتغيير و حميدتي وجعلتهما أقرب إلى بعضهما البعض. وينظر بعض قادة الحرية والتغيير لحميدتي كحام – على المدى القصير ، على الأقل – إذ بالرغم من أنه مجرم حرب ، فهو ليس إسلاميًا. [31]

لقد ازداد التوتر بين القادة السودانيين في مايو ، عندما اجتاحت أعمال العنف المحلية جنوب دارفور ، وكذلك كسلا ، وهي مدينة رئيسية في الشرق ، وكادقلي ، عاصمة جنوب كردفان. وفي معظم الحالات ، نتجت تلك الحوادث عن تصاعد التوتر بين المجتمعات المحلية. لكن حجمها وتزامنها ، وعدم تصدي السلطات المحلية لها ، دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن الهجمات كانت جزءًا من محاولة منسقة لزعزعة استقرار السودان.
وبغض النظر عما إذا كان ذلك هو الحال ، فإن مثل ذلك الشك يكفي لزيادة التوتر. في كادقلي ، قتلت وحدة من القوات المسلحة السودانية مؤلفة من مقاتلين من النوبة تسعة أشخاص في هجوم على قوات الدعم السريع ، التي تجند إلى حد كبير من المجتمعات الرعوية المحلية المعربة في المنطقة. في 13 مايو ، اتهم حميدتي قوات مجهولة بمحاولة “جر قوات الدعم السريع إلى حرب أهلية من خلال تصادم مع الجيش ودفع قواته إلى خارج الخرطوم”. إن الاستياء بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية يتصاعد بمستويات تجعل الكثير من الضباط يخشون من أن يتصاعد حادث محلي إلى اشتباكات أوسع نطاقا بين القوتين. [32]

كيف يمكن للمدنيين السيطرة على عملية الانتقال ؟

حشد الإيرادات وتوازن القوى :

لعكس مسار الأمور، فإنه يتعين على حمدوك وقوى الحرية والتغيير العمل بشكل عاجل لتحويل ميزان القوى بعيدًا عن الجنرالات. إن من شأن وجود عناصر مدنية قوية في الحكومة أن تخلق التوازن مع الجهازين العسكري والأمني ، وأن تخفف من حدة التنافس بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ، وأن تزيد من احتمالات نجاح الانتقال.

لن يكون من السهل تحقيق ذلك. وسيتطلب من قوى الحرية والتغيير وحمدوك المضي قدما في تنفيذ بنود الإعلان الدستوري، بما في ذلك تعيين المجلس التشريعي الانتقالي والحكام المدنيين الذين طال انتظارهما ، تمهيدا للمؤتمر الدستوري والانتخابات الحرة.

كما سيتطلب ذلك استقراراً اقتصادياً. وبعيدًا عن الإعانات ، فقد تحول الجدل الاقتصادي في السودان مؤخرًا إلى مسألة كيف يمكن للسلطات المدنية أن تحصل على إيرادات أكبر – لا سيما من خلال استعادة الأصول التي سرقها نظام البشير ، وعن طريق السيطرة على الشبكة المترامية الأطراف للشركات شبه الحكومية التابعة للجيش و قطاع الأمن.

يشكل عبء الضرائب في السودان حوالي 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ، وهو واحد من أدنى المعدلات في العالم. يشدد صندوق النقد الدولي على أن تعبئة الإيرادات يجب أن تكون أولوية عاجلة للحكومة. ليس من الصعب تحديد من سيتعين عليهم تسديد الضريبة: هناك الشركات التي يملكها رجال أعمال حزب المؤتمر الوطني ، وعائلة البشير ، والقوات المسلحة السودانية ، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ، وقوات الدعم السريع التي تلعب دوراً مهيمناً في الاقتصاد ، ولكنها تستفيد من الإعفاءات الجمركية والضريبية السخية. إنهم موجودون أنى أجال المرء نظره.

وقد ذكرت لجنة حكومية لمكافحة الفساد بقيادة شخصيات تتسم بالتصميم من قوى الحرية والتغيير أنها استعادت ما بين 1.06 مليار دولار و 3.5 مليار دولار من الأصول ، معظمها من قادة حزب المؤتمر الوطني وأعوانهم. ويقال إن مليارات الدولارات من الأموال المسروقة مخبأة في الإمارات والمملكة المتحدة وماليزيا. على سبيل المثال، فقد قدر المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في عام 2010 أن البشير كان يمتلك 9 مليارات دولار في البنوك البريطانية. ولا تزال الإجراءات القانونية التي تتم دون ضجة لاسترداد هذه الأموال جارية.

توسيع إمبراطوريتي البرهان وحميدتي:

تمثل الشركات المملوكة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني وأقارب البشير وقادة حزب المؤتمر الوطني غنائم مرغوبة لكل من البرهان وحميدتي ، اللذين يتنافسان على السيطرة على موارد تلك الشركات. لقد كلف البرهان شركة الصناعات العسكرية – وهي شركة قابضة تابعة للقوات المسلحة السودانية تمتلك مئات الشركات – بالمسؤولية عن العديد من الشركات التي كان يملكها في السابق قادة حزب المؤتمر الوطني وعائلة البشير ، بينما سيطرت قوات الدعم السريع على العديد من الشركات التي كانت تديرها في السابق أجهزة الأمن والمخابرات الوطنية. [33] بالإضافة إلى ذلك ، يحتفظ الجيش الآن بأرباح شركات القوات المسلحة السودانية التي كان يتم توجيهها في ظل النظام السابق، إلى حد كبير، إلى حزب المؤتمر الوطني.

إن الأجهزة العسكرية والأمنية تمتلك اليوم أسهماً في أو تمتلك بالكامل شركات تشارك في إنتاج وتصدير الذهب والنفط والصمغ العربي والسمسم والأسلحة واستيراد الوقود والقمح والسيارات والاتصالات والخدمات المصرفية؛ وتوزيع المياه؛ وأعمال الإنشاء والتعاقد ؛ والتطوير العقاري؛ والطيران؛ والنقل بالشاحنات ؛ وخدمات الليموزين ؛ وإدارة المنتزهات السياحية وأماكن تنظيم الفعاليات.
وتقوم شركات الدفاع بتصنيع مكيفات الهواء وأنابيب المياه والأدوية ومنتجات التنظيف والمنسوجات، كما تقوم بتشغيل المحاجر الرخامية والمدابغ الجلدية والمسالخ، وحتى الشركة التي تنتج الأوراق النقدية السودانية تقع تحت سيطرة قطاع الأمن. [34]

ولأنها جهات فاعلة مركزية في أسواق واردات الوقود والقمح ، فإن الشركات المملوكة من قبل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تستفيد مباشرة من الدعم المقدم لهذه السلع (وهي تحتل وضعاً جيداً لتحقيق مكاسب إضافية من خلال تحويل ذلك إلى السوق السوداء). على سبيل المثال ، فإن شركتي الفاخر والسوباط – اللتين يسيطر عليهما الدعم السريع والمملوكتين جزئياً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني – هما لاعبتان رئيسيتان في سوق استيراد الوقود، ويقال أن شركة سين، وهي شركة كانت مملوكة سابقًا لجهاز الأمن والمخابرات الوطني وأخضعها البرهان مؤخراً للسلطة الحصرية للقوات المسلحة السودانية ، تسيطر على 60 في المائة من سوق القمح.

ومنذ الثورة ، عين البرهان موالين له لإدارة العديد من الشركات التي تسيطر عليها القوات العسكرية، فاللواء الميرغني إدريس ، وهو صديق البرهان منذ زمن الكلية الحربية ، هو الآن رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية، و كذلك فإن الجنرال عباس عبد العزيز – الرئيس السابق لقوة الدعم السريع وهو أيضا صديق مقرب من البرهان – هو الآن مسؤول عن شركة قابضة أخرى، بينما أصبح زميل سابق آخر في الدراسة، هو الجنرال مهلب حسن أحمد ، رئيساً لمنظمة الشهيد، وهي شركة قابضة كانت تمول من قبل حزب المؤتمر الوطني ، ولها استثمارات في تعدين الذهب وأماكن الترفيه. [37] يبدو أن الحاجة إلى ضمان تحقيق هذه الشركات للربح قد شجعت البرهان – الذي قام في البداية بتطهير العديد من الضباط الإسلاميين البارزين من صفوف القوات المسلحة السودانية وجهاز الأمن والمخابرات الوطني – لاستعادة بعض أصدقائه المخلصين من التقاعد. [38]

حتى وقت قريب ، كانت قوات الدعم السريع تركز أنشطتها التجارية على سوق الذهب ، والذي كانت تسيطر عليه إلى حد كبير ، وكذلك على البناء والمقاولات والاتجار بالبشر. لكن قوات الدعم السريع وسعت أنشطتها الاقتصادية في العام الماضي، وأصبحت تستخدم العملة الصعبة التي تجنيها من مبيعات الذهب في دبي لشراء المشاريع الزراعية والعقارية. وفي إحدى عمليات الشراء الأخيرة ، ورد أن قوات الدعم السريع حصلت على 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية في الولاية الشمالية، ويتضمن المشروع حفر قناة ري من النيل. [39]

هذه الشركات محاطة بالسرية ويخترقها الفساد عالي المستوى، بينما يجعل تضارب المصالح الحدود بين الأموال الخاصة والعامة سهلة الاختراق. على سبيل المثال ، لم يعد لحميدتي أي دور رسمي في شركة الجنيد، الشركة القابضة التي يديرها شقيقه عبد الرحيم دقلو، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت أرباح شركة الجنيد تمول عمليات الدعم السريع ، [40] بالرغم من أن بعض المصادر تعتقد أن تلك الشركة تقع تحت نطاق فرع العمليات الخاصة بالقوات. [41] ومن جانب آخر ، فإن الشركات العسكرية مملوكة للدولة السودانية لكن مناصبها الإدارية توفر فرصًا مربحة للاختلاسات ، مما يعني أن التعيينات تشكل جزءًا من نظام مكافآت الولاء. [42]

وعلى الرغم من صعوبة تقدير أرباح هذه الشركات ، إلا أن نظرات سريعة من حين لآخر في أنشطتها تُظهر أنها تمتلك مبالغاً ضخمة من النقد. لقد باعت شركة الجنيد ، التي أسسها حميدتي ، حوالي طناً واحداً من الذهب في دبي ، بقيمة 30 مليون دولار تقريبًا ، خلال فترة أربعة أسابيع في 2018 – وهو رقم يشير إلى مبيعات سنوية قدرها 390 مليون دولار. وفي شهر مايو ، افتتحت شركة الاتجاهات المتعددة ، وهي شركة تابعة لمؤسسة الصناعات العسكرية ، في ضجة كبيرة، مسلخ الكدرو الصناعي – وهو استثمار بقيمة 40 مليون دولار ، تم إرسال شحنة منتجاته الأولى إلى المملكة العربية السعودية، ويقوم حميدتي حالياً ببناء مسلخ على نفس المستوى شمال الخرطوم.

إن حكومة حمدوك لا تسيطر على هذه الشركات ولا يمكنها الوصول إلى دفاترها، وفي 14 مايو 2020 ، اعترف البدوي بأن لا شيء من أرباح صادرات مسلخ الكدرو سيعود إلى وزارة المالية. إن الجنرالات يستخدمون هذه الأموال كشريان لإبقاء الحكومة المدنية على قيد الحياة، بما يجعلهم على ثقة من أنها ستظل تعتمد عليهم. وبعد الوعد بالمساهمة بملياري دولار في ميزانية الحكومة لعام 2020 ، خفضت القوات المسلحة السودانية ذلك الرقم بشكل تعسفي إلى مليار دولار ، وألقت باللوم في ذلك على الانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة الكورونا [43]. وبحسب ما ورد فقد قامت شركة الصناعات العسكرية بسد فجوة قدرها 70 مليون دولار في ميزانية الحكومة المدنية بعد أن وافق حمدوك على تسوية مع ضحايا تفجير المدمرة يو إس إس كول في أكتوبر 2000 – والتي وجدت المحاكم الأمريكية أن الدولة السودانية مسؤولة عنها – كجزء من محاولة لإخراج السودان من قائمة الدول الراعية لقائمة الإرهاب. [44] لقد قام حميدتي بإثارة ضجة استعراضية حول وعده بنقل امتيازه في جبل عامر ، أكبر منجم ذهب في دارفور ، إلى الحكومة ،دون توضيح قيمة هذه المنشأة [45] ولكن مساهماته في البنك المركزي كانت حاسمة في تنصيبه رئيساً للجنة الطوارئ الاقتصادية.

فرض الولاية المدنية على الشركات شبه الحكومية:

إن الاعتماد المالي للحكومة المدنية على الجنرالات يخلق عدم تناسق في السلطة ويجعل من الصعب على الحكومة أن تكون حازمة في القضايا غير المالية. وبصرف النظر عن فوائدها المالية الواضحة، فإن الولاية المدنية على الشركات شبه الحكومية هي شرط مسبق للحكم المدني. كما أنها ستخفف من القلق الرئيسي للمانحين الدوليين (بالرغم من ترددهم في الاعتراف بذلك علنا): بأن المساعدة الإنمائية للسودان تذهب فقط لمساعدة الجيش والقطاع الأمني على تجنب القيام بدورهما في إصلاح الاقتصاد السوداني المدمر. من خلال السيطرة على الشركات شبه الحكومية ، يمكن للحكومة المدنية إقناع هؤلاء المانحين بأن السودان منخرط في إصلاح جوهري.

يزعم البدوي أن الحكومة قد بدأت مراجعة شاملة للشركات المملوكة للجيش ، بهدف وضع جميع الشركات المنخرطة في قطاعات لا علاقة لها بالدفاع تحت سلطة وزارة المالية. [46] وقد وافقت القوات المسلحة السودانية (SAF) رسميًا على التعاون مع العملية ، ولكن في الواقع ، فإنها لا تتقاسم مع الوزارة البيانات المالية ذات الصلة. [47] ومع ذلك ، وبدلاً من الدعوة لمزيد من الشفافية والتعاون ، فإن البدوي يدافع علناً عن الجيش ويبرر أفعاله.

إن طرح مناقشة عامة حول ثروات هذه الشركات هي تطور إيجابي في حد ذاته، ولكن من غير المرجح أن تسفر الاجتماعات بين وزير المالية والجنرالات والتي تتم خلف الأبواب المغلقة عن نتائج مهمة. إن على حمدوك الانخراط بشكل واضح في هذه المسألة، من خلال لفت انتباه الجماهير إلى أهمية المهام الخاصة بزيادة الإيرادات الحكومية وضمان الشفافية في المالية العامة. ولهذه الغاية ، فإن عليه تشكيل لجنة تضم شخصيات مؤثرة في المجتمع المدني – الذين يوجد عدد كبير منهم خارج الحكومة حاليًا – وضباطاً عسكريين متقاعدين معروفين باستقلالهم. كما أن عليه أن يطرح صراحة طلب مجلس الوزراء بتعيين مدنيين في المناصب الإدارية في الشركات العاملة في أعمال غير دفاعية. ويمكن لحمدوك استغلال التنافس بين البرهان وحميدتي بمهارة ، إذ أن لكل منهما مصلحة في منع الآخر من أن يصبح أكثر ثراءً.

الاستنتاجات و التوصيات:

بعد عقود من الاستبداد الشامل، دخل السودان في فترة فريدة من عدم الاستقرار في ميزان القوى، حيث لا يستطيع البرهان ولا حميدتي أو حمدوك أو قوى الحرية والتغيير أن يأمل في الحكم، في الوقت الحالي، دون دعم البعض الآخر. إنهم جميعاً يلعبون الآن لعبة خطرة حيث يتسابقون للحصول على رضا قوى إقليمية ومجموعات محلية متعددة في بيئة سياسية مجزأة للغاية. إن هذه الفترة محفوفة بالمخاطر ، لكن تقلباتها تخلق أيضاً فرصًا للتغيير الجذري.

لقد تركت الولايات المتحدة وأوروبا والمؤسسات المالية الدولية السودان لآلياته الخاصة ، مما أودى باقتصاده إلى الركود و أدى بانتقاله السياسي للوصول إلى طريق مسدود. في غضون ذلك ، قام الجنرالات بتوسيع نطاق سلطتهم، وعاد قادة قوى الحرية والتغيير إلى المساومات التقليدية النخبوية في السودان ، على حساب الإصلاح المؤسسي. وقد مكّن التقاعس الغربي الجهات الفاعلة الإقليمية – وعلى رأسها أبو ظبي والرياض – من لعب دور بارز في السودان ، ما دفع البلاد أكثر إلى تخوم الحكم العسكري أو الحرب الأهلية. إن من المرجح أنه، بدون تصحيح المسار الرئيسي ، أن السودان سيدخل في نفق مظلم.

إن على الدول الأوروبية زيادة دعمها للحكومة المدنية. وأكثر وضوحا ، فإن عليها أن تفعل ذلك من خلال زيادة كبيرة في تمويل المشاريع التي تسمح لحمدوك وحكومته بأن يظهروا للجماهير أن بمقدورهم تحسين حياة السودانيين العاديين. وستمنح هذه المساعدة الأوروبيين شرعية لدفع حمدوك وقوى الحرية والتغيير للمضي قدما في إكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية التي طال انتظارها والحاسمة مثل المجلس التشريعي الانتقالي وتعيين الحكام المدنيين الجدد.

ومع ذلك ، فإن هذا لن يكون كافيا في حد ذاته. إن على حكومة حمدوك أيضًا الدفاع عن الحكم المدني وإرساء ولايته على الشركات التي يديرها حاليًا الجيش والأجهزة الأمنية. إن هذا المشروع يشكل خطرا كبيرا عليه، إذ أنه لو ضغط بقوة ، فقد يتحد الجنرالات ضد القادة المدنيين. ولكن لا مناص من ذلك. وعلى حد تعبير أحد الدبلوماسيين: “لن يضع السودان نفسه على درب تخفيف عبء الديون إلا إذا استطاع فرض النظام على الاقتصاد غير المشروع”. [48] ذلك سيكون هو السبب الذي سيدفع بالجهات الأجنبية المؤثرة في السودان إلى دعم المشروع.

إن على الأوروبيين استخدام علاقتهم المتميزة مع حمدوك لإقناعه – والجنرالات – لمعالجة مخاوف المانحين الدوليين بشأن غموض المالية العامة ومشاكل الحكومة المدنية في حشد الإيرادات. هاتان المسألتان تشكلان عقبتين رئيسيتين أمام الدعم المالي الدولي.

سيحتاج الأوروبيون إلى حشد دعم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لضمان تعاون الجنرالات مع حمدوك. سيكون ذلك اختبارًا حاسمًا لالتزام دولتي الخليج بدعم الانتقال الذي ساعدتا على ميلاده. لقد أظهرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في جميع أرجاء المنطقة، تفضيلهما للحكومات العسكرية على الديمقراطيات التي يقودها المدنيون، وتشير تصرفاتهم الأخيرة في السودان إلى أنهما تأملان في تكرار نجاحهما في إعادة الجيش إلى السلطة كما حدث في مصر في عام 2013. لكن هذا سيكون أمراً ساذجًا ومدعاة للسخرية. إن وجود عنصر مدني قوي في الحكومة هو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار في السودان. إن الصراعات في البلاد هي نتيجة مباشرة لضعف الدولة – وهو الضعف الذي دفع حكومة البشير العسكرية إلى استخدام الميليشيات غير المنضبطة لقمع المواطنين ، مما أدى إلى إذكاء دورات من عدم الاستقرار ونشؤ جهاز عسكري وأمني مجزأ للغاية. إن من شأن أي محاولة لفرض حكم عسكري رسمي، في البيئة السياسية الحالية ، أن تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، بل وإلى الحرب أهلية. لقد أظهرت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية العام الماضي أن خوفهما من حدوث تصعيد مزعزع للاستقرار – مضافاً إليه تأثير غربي منسق – قد يجبرهما للضغط على الجنرالات ومنح مساحة أكبر للقادة المدنيين.

إن على أوروبا أن تحاول أيضًا أن تُظهر للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أن مصالحهما الاقتصادية في السودان ستكون محمية بشكل أفضل من قبل الحكام المدنيين الأكفاء أكثر من الجنرالات. إن مأزق السودان الحالي هو تتويج لعقود من سوء الإدارة الاقتصادية من قبل حكومة عسكرية كليبتوقراطية. لقد أهدرت الإمارات والسعودية مليارات الدولارات في مساعدة مباشرة للبنك المركزي تحت نظام البشير ، ولكن دون جدوى. ومن ناحية أخرى، فقد يساعد الانكماش الاقتصادي المرتبط بجائحة الكورونا ، والذي يضع قيودًا غير مسبوقة على إنفاق الإماراتيين والسعوديين ، على إقناعهم بأن السودان بحاجة إلى إدارة اقتصادية سليمة، وأن استثماراتهم الحالية والمستقبلية في السودان لن تكون ذات قيمة كبيرة إذا انجرفت البلاد إلى التضخم المفرط والفوضى.

لقد شرعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مناقشة هذه القضايا مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، ولكنها ما زالت في البداية، إذ أن الشركاء المميزين لتلك الدول في السودان هما المملكة المتحدة والولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك ، فإن هذه الأحاديث تجري عند مستوى منخفض للغاية بما لا يحفز الرياض أو أبو ظبي على التحول في موقفهما. إن إيصال هذه الرسالة بشكل صريح إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، يتطلب من دول الاتحاد الأوروبي أن تبذل جهدًا مشتركًا على المستوى الوزاري – بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج ، إن أمكن. إن عليهم دعم حمدوك سياسياً من خلال الإعلان علناً عن التزامهم بجهوده لحشد تدفقات الإيرادات التي يسيطر عليها حالياً الجيش والقطاع الأمني ، وتزويده بضمانات دعم خاصة في حالة حدوث أزمة ينخرط فيها الجنرالات. إن عليها أن تقوم بذلك الآن – قبل فوات الأوان.

* نبذة عن الكاتب:

الدكتور جان بابتيست جالوبين زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومقره برلين. يتابع جالوبين الشؤون السودانية منذ عام 2010 من مواقع مختلفة ، بما في ذلك صفته كباحث في شؤون السودان في منظمة العفو الدولية ، وكمحلل سياسي لشركة استشارية لتحليل المخاطر ، وكاستشاري مستقل. لقد كان تقريره المشترك مع منظمة العفو والمعنون “لم يكن لدينا وقت لدفنهم – جرائم الحرب في ولاية النيل الأزرق في السودان” هو أول توثيق لجرائم الحرب والجرائم المحتملة ضد الإنسانية في نزاع النيل الأزرق.

نشر جالوبين في Le Monde Diplomatique و Washington Post و Democracy & Security و Aeon و Libération و Le Figaro و Jadaliyya. وهو يظهر بانتظام كمعلق في وسائل الإعلام الدولية ، بما في ذلك الجزيرة الإنجليزية ، RFI ، France 24 ، Deutsche Welle ، و Bloomberg. وبالإضافة إلى درجة الدكتوراه ، فقد حصل على ماجستير وماجستير الفلسفة في علم الاجتماع من جامعة ييل ، وماجستير في الدراسات العربية من جامعة جورج تاون ، وعلى درجة البكالوريوس في السياسة من علوم بو ليون.

[1] مقابلة مع دبلوماسي في الخرطوم ، أبريل 2019.
[2] مقابلات المؤلف في الاعتصام ، أبريل ومايو 2019.
[3] مقابلة مع محلل مقيم في واشنطن ، مارس 2020.
[4] مقابلة مع دبلوماسي أوروبي ، أبريل 2020 ؛ مقابلة مع موظفي الاتحاد الأوروبي ، مايو 2020.
[5] مقابلة مع مسؤول في الاتحاد الأوروبي ، مايو 2020.
[6] مقابلة مع مستشار بمجلس الوزراء السوداني ، مايو 2020.
[7] مقابلة مع أحد موظفي البنك الدولي ، أبريل 2020 ؛ مع مستشار مجلس الوزراء السوداني ، مايو 2020.
[8] مقابلة مع مسؤول بالبنك الدولي ، مايو 2020. يود المؤلف أن يشكر جيريت كورتز على الملاحظة الأخيرة.
[9] مقابلة مع دبلوماسي أمريكي ، مارس 2020.
[10] لوحة جامعة كولومبيا تضم دونالد بوث ، 24 أبريل 2020.
[11] مقابلة مع مسؤول من الحزب الشيوعي السوداني ، أبريل 2020.
[12] مقابلة مع دبلوماسي أمريكي ، مارس 2020.
[13] مقابلة أجراها إبراهيم البدوي مع صحيفة التيار السودانية ، 14 مايو 2020.
[14] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[15] مقابلة مع مستشار بمجلس الوزراء ، مايو 2020.
[16] مقابلة المؤلف ، مايو 2020.
[17] مقابلة مع ضابط كبير في جماعة مسلحة في الجبهة الثورية السودانية ، مارس 2020 ؛ مقابلة مع ناشط سوداني ، أبريل 2020.
[18] مقابلة مع دبلوماسي ، الخرطوم ، أبريل 2019.
[19] مقابلة مع دبلوماسي ، الخرطوم ، أبريل 2019.
[20] مقابلة مع عضو في جماعة مسلحة ، مارس 2020 ؛ مع صحفي سوداني ، مارس 2020 ؛ مع محاور منتظم لحميدتي، مايو 2020.
[21] مقابلة مع محلل خليجي ، أبريل 2020.
[22] مقابلة مع عضو في جماعة مسلحة ، مارس 2020 ؛ مقابلة مع صحفي سوداني ، أبريل 2020.
[23] مقابلة مع محلل في السياسة الخارجية الأمريكية ومقره واشنطن ، فبراير 2020.
[24] مقابلة مع مراقب دولي للمحادثات ، فبراير 2020.
[25] مقابلة مع دبلوماسي أوروبي ، مايو 2020.
[26] مقابلة مع ضابط في القوات المسلحة السودانية ، الخرطوم ، أبريل 2019 ؛ مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[27] مقابلة مع صحفي سوداني ، مايو 2020 ؛ مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[28] مقابلة مع صحفي سوداني ، أبريل 2020.
[29] مقابلة مع باحث دولي ، يونيو 2020.
[30] مقابلة مع صحفي سوداني ، مايو 2020 ؛ مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[31] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[32] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[33] مقابلات مع ضباط سابقين في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[34] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[35] مقابلة مع صحفي سوداني ، مارس وأبريل 2020 ؛ مقابلة مع مستشار مجلس الوزراء ، مايو 2020.
[36] مقابلة مع ضباط سابقين في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[37] مقابلة مع ضباط سابقين في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[38] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[39] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[40] مقابلة مع باحث دولي ، يونيو 2020.
[41] سكاي جرين ، “إمبراطورية الدعم السريع: تحليل متعمق لقوى الدعم السريع في السودان” ، ديسمبر 2019.
[42] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[43] مقابلة أجراها إبراهيم البدوي مع صحيفة التيار السودانية ، 14 مايو 2020.
[44] مقابلة مع ضابط سابق في القوات المسلحة السودانية ، مايو 2020.
[45] مقابلة مع مستشار بمجلس الوزراء ، مايو 2020.
[46] مقابلة أجراها إبراهيم البدوي مع صحيفة التيار السودانية ، 14 مايو 2020.
[47] مقابلة مع مستشار بمجلس الوزراء ، مايو 2020.
[48] مقابلة مع دبلوماسي ، مايو 2020.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.