عبد الواحد نور وتقرير خبراء مجلس الأمن: خَفِس الدرب يا عبد الواحد

0 79

كتب د. عبد الله علي إبراهيم:

الأستاذ عبد الواحد محمد نور

قائد جبهة تحرير السودان

تحية طيبة وبعد

(بصورة إلى هيئة محامي دارفور)

ليس من عادتي كتابة جنس الرسالة إلى رجل في العمل العام لا تزكية ولا نقداً ولا نصحاً. فأكتب إلى جمهور بأمل تعزيز ما أراه بهم حتى يشيع ويبلغون به ما يسمي باللحظة الحاسمة لتغيير ما دعوت لتغييره. ولكني أكتب الرسالة مثل التي أكتبها لك الآن نادراً متى ما رأيت أن في الأمر عاذرة أخلاقية أو عواراً لا يحسن السؤال عنهما إلا من زعيم القوم مثلك.

وبدت لي هذه المسألة الأخلاقية وأنا أطالع تقرير لجنة الخبراء عن السودان المكلفة من مجلس الأمن الدولي لرصد مجريات بلدنا عن الفترة مارس إلى ديسمبر 2019 (صدر بتاريخ 14 يناير). فطعن التقرير في قماشتك الثورية طعناً لا يرتضيه هذا الثوري المخضرم لك. فعرض لوجود حركتك في كل من ليبيا وجنوب السودان بغير ضرورة ملجئه، وفي صلاحية البندقية المستأجرة، والخلق الذميم المترتب عليها من استغلال لبعض أهلك واضطهادهم. ولو لم تأت مذمتك من كيان في علو مجلس الأمن الدولي وفريق خبرائه لتجاهلته. وبدا لي أن أتريث اتحقق من قولهم بنفسي ولكن مر على صدور التقرير قريب من الشهر ولم يفتح الله عليك بالرد على مآخذهم. فصمتكم إما قبول وإذعان أو استهانة بنا معشر السودانيين كأننا لا نشقى بمثل قول التقرير عنكم ونستحق بياناً منكم يريح.

قال الخبراء إن الحرب الأهلية في ليبيا كانت فتحاً لحركات دارفور المسلحة. فشاركت فيها في مواجهات مختلفة إلى طرفي الصراع في ليبيا (وقوات اللواء حفتر المسماة الجيش الوطني خاصة) مشاركة عززت بها شوكتها باقتناء معدات جديدة وبالتجنيد الواسع. وعوضتهم عن خسارتهم جنوب السودان الذي جنحت أطرافه المتصارعة للسلم ولم تعد بحاجة لخدمات حركات دارفور.

ورصد التقرير وجود حركتكم في أتون الصراع في ليبيا وجوداً أفسد ما بينك وبين قادتك. فأحصى التقرير لك قوة من 90 عربة مدرعة بليبيا بقيادة يوسف أحمد يوسف كارجكولا. ووصف التقرير كارجكولا بالجنوح للانتهازية وسلطانك عليه قليل بالنتيجة. فصار سيد قراره فوقف مع الحكومة الليبية الشرعية حتى 2018 ثم انقلب عليها ليؤازر جيش حفتر. وعُرفت جماعته بتهريب السيارات لشمال دارفور وتشاد. وسبقه إلى “التمرد” عليك فصيل منشق منكم بقيادة صالح جبل سي له نحو 50 عربة مدرعة وحليف للجيش الليبي. وجاء وقت ما عمل تحت إمرة السيد مني مناوي إلا أنه انقسم عليه وصارت له قاعدته وعلاقاته الخاصتين مع وكلاء أطراف الحرب الليبية.

واعترف لك أن ما حز في نفسي حقاً من تقرير الخبراء هو وجودكم في جنوب السودان واقتصاديات حركتكم وما اتصل به من اضطهاد للدرافوريين في الشتات، وإفساد لنظم الدولة الوليدة المرهقة وطاقمها الأمني. فأنت ما تزال منذ 2011 تحتفظ من دون الحركات الأخرى بوجود كبير في جنوب السودان في حين لم يبق من الأخريات سوى العفو. وعيّن التقرير موضعين لهذا الوجود أحدهما قريب من حدود السودان بقيادة كل من عبد الله هارون وموسى عرديب. ولم يهمل التقرير حتى ذكر بيت الحركة المؤمن للقيادة في حي قيودلي بجوبا. وأمن التقرير على أنكم لم تدخلوا في حرب مع الجيش السوداني منذ 2013 كما لم تشاركوا في الصراع الجنوبي في 2015.

وللتقرير رأي سيء في أساليبكم لتأمين هذا الوجود الذي صار تجارياً بصورة رئيسة. فقال إن الذي بينكم وإدارة العمليات الخاصة لجيش جنوب السودان ليس عامراً. ولكنكم أمنتم وجودكم بتخطي إدارة العمليات بعلاقات وصفها بالانتهازية عقدتموها مع قادة في جهاز الأمن الجنوبي. واشتريتم ولاء بعض رجال المخابرات في جوبا بالمال والخدمات. فأهدي القائد هارون عربة بوكس لقائد مخابراتي مرموق من جنوب السودان وتكفل بعلاج قريب قائد مخابراتي آخر في الخارج.

وظللتم توظفون هذه العلاقات الجنوبية خارج القنوات الرسمية لحماية زرعكم وتجارتكم. ومن منشآتكم مزرعة في منطقة بارينق وقعت لكم مكافأة لرميكم ثقلكم مع جيش الحكومة والدينكا خلال الحرب الأهلية لسنوات 2013-2015 في تلك المنطقة. ومن أوثق حلفائكم رجل الأعمال الجنوبي سيمون لوث تور.

كما استعملتم علاقاتكم غير المؤسسية مع مخابرات جنوب السودان لتصيد المنشقين عن حركتكم. فوثقت لجنة الخبراء التي أعدت التقرير لحالة في 2018 اختطفتم فيها قائداً مساعداً من الحركة هو عباس خميس. كما وثقت في 19 ديسمبر 2019 لاعتقال ضباط من جيش الجنوب لثلاثة أعضاء بارزين من جماعة انشقت عليكم لتسلمهم لعبد الله هارون. ولكن كشفت المخابرات العملية فأحبطتها وأطلقت سراح المعتقلين.

أما ما فرى كبدي حقاً فهو الإهانة التي يلقاها منكم المنشق منكم، والابتزاز الذي يخضع له دارفوريّ الشتات. فوثق تقرير الخبراء لما سماه المنظومة المحكمة للاعتقال والابتزاز للدارفوريين المدنيين في جنوب السودان وجنوب كردفان تحت قيادة عبد الله هارون يُعينه قائد الشرطة العسكرية أحمد نيانقدينق، وطاقم آخر ذكروهم بالاسم نسبوا لهم اعتقال أسماء بالاسم. وشمل عنفكم الاعتداءات والخطف وسرقة الممتلكات، والقتل، وكل صور الأذى، والعمل القسري. وتعتقل الحركة في يومنا نحو 70 شخصاً في سجنين متفرقين.

وأخضعتم منذ 2012 دارفوري الشتات في الجنوب وجنوب كردفان لإتاوات باهظه مكرهين عليها. وقال التقرير إنك بالذات كونت لجنة لغرض تحصيل الإتاوات في اجتماع لك في جوبا بقيادة عثمان هارون. وصرتم تعتقلون كل من لم يدفع ضريبة الحركة صاغراً. والتقت لجنة الخبراء بتجار من دارفور في جنوب السودان وجنوب كردفان قضوا سنوات من الحبس في معتقلات الحركة منذ 2012. وكان جند الحركة يخيرون الواحد بين أن يدفع ما قد يبلغ 5 ألف دولار، أو أن يتجند في الحركة. ومتى مر يوم أو يومان ولم يستجب التاجر اعتقله جنود من جيش جنوب السودان للحركة فتصادر ممتلكاتهم وتقتسمها مع ضباط جيش جنوب السودان.

وكنتم أبقيتم المعتقلين في الأسر في مواضع مختلفة من جنوب السودان حتى 2013 ثم صرتم إلى أخذهم إلى جنوب كردفان منذ 2013 و2014 (هيبان مثلاً). وعدتم منذ 2015 إلى سجن من بطرفكم في مجلس فارينق بالجنوب. وتفاوتت معاملة المعتقلين في السجون المختلفة. ويظل السجين في الأغلال دائما. وكانوا يحشرونهم في حفر عميقة في هيبان بجنوب كردفان، أو يوثقون بالأشجار أو في زرائب الشوك أو الحاويات. وبقي يعضهم في السجن منذ اعتقالهم في 2012 أو 2013.

وبتعرض المعتقلون لمعاملات قاسة. فيضربونهم بالعصي والسيخ مع الحرمان من العلاج وأدنى مقومات الصحة والأكل. وقد لا يجد السجين ما يأكله لأيام مقطوعين من الأهل والعشيرة. وزدتم الأمر ضغثاً على إبالة بفرض العمل القسري على المساجين في مزارع الحركة في فارينق. فصار أهلك يا عبد الواحد قوة عمل مسخرة رخيصة لمعاظمة عائدكم من مزارعكم. وما يزال هذا النظام قائماً لدى كتابة التقرير.

وثبت للجنة مقتل سبعة معتقلين بواسطة مسلحي الحركة. وجاءت بأسماء سبعة ضحايا فيهم اثنان من المسلحين ممن اتهما بخيانة الحركة أو الهرب. وهم:

1-أحمد الطاهر (مامورية) قُتل ضرياً في هيبان في 2014.

2-محمد طاهر أوسعوه ضرباً ومات في مشتركة في 2014

3-جلهاك مات رمياً بالرصاص في 2015 بعد محاول للهرب من معسكر أديجي.

4-بخيت إسماعيل مبارك نفس الشيء عام 2016.

5-محمد إبراهيم أوسعوه ضرباً ليموت في ملكال في 2012.

6-عثمان وهو عضو بالحركة ضربتموه حتى مات في منطقة بانتيو في مايو 2016 لاتهامه بمساندة منشقين عن الحركة.

7-محمد خواجه عضو بالحركة مات ضرباً في فارينق في ديسمبر 2018 بعد مفارقتكم.

الأستاذ عبد الواحد

أكتب لك هذه الرسالة على أمل أن تبين لنا حقيقة هذه المطاعن في حركتكم من مؤسسة كمجلس الأمن لا أعتقد أنها موغرة عليكم أو مغرضة. للثورية تكاليف ومنها ألا تعمل عمل الطغاة والمتجبرين فحسب بل وألا تبدو حتى بالغلط أنك عامل عملهم. واختم لكم بإعادة كلمة أخذتها من القس مارتن لوثر كنق جئت بها في أثر فظاظة الجبهة الثورية بعد غزوتها لاب كرشولا في 2014. فرأيتهم يحاربون ظلام الإنقاذ بالظلام قلت عن القس كنق:

ليس بوسع الظلام طرد الظلام

النور وحده يفعل ذلك

الكراهية وحدها لا تطرد الكراهية

الحب وحده يفعل ذلك

المخلص

عبد الله علي إبراهيم

وسنتعرض لمطاعن التقرير في أداء بقية حركات دارفور المسلحة. وأعتذر إن لم أحسن تهجية أسماء المواضع والأفراد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.