“نار تحت الرماد”.. صراع الجيش وقوات الدعم يهدد السودان

0 80

وكالات ــ السودان نت 

 

مايو الماضي، كان رئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، في مؤتمر باريس لدعم السودان. واثناء غيابه عن البلاد، عقد نائبه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اجتماعا للمجلس، قُرر فيه قبول استقالة النائب العام واقالة رئيسة القضاء، دون الرجوع الى برهان، وهو ما اثار حفيظة الاخير.
كانت هذه حلقة من حلقات التوتر المتزايدة بين البرهان وحميدتي، او بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. يصر الطرفان على نفي وجود هذه الخلافات، لكنها تطفو على السطح امام العيان بين الحين والاخر.
وفي مطلع الشهر الجاري، تحدثت تقارير صحفية سودانية عن تصاعد الخلاف بين الطرفين لدرجة رفع قوات الدعم درجة الاستعداد القصوى داخل الخرطوم، كما اشارت الى استعداد القوات المسلحة لاشتباك محتمل، وبناء سواتر ترابية حول القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم.
كما كشفت مصادر سودانية لوكالة رويترز ان الخلافات المتزايدة بين الجيش وقوات الدعم السريع واحتمال تحوله الى صراع، اكثر ما يقلق رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك. ومنبع الخلاف هو رغبة القوات المسلحة في ضم قوات الدعم السريع شبه العسكرية تحت مظلتها، وهو ما ترفضه قوات الدعم التي تتمتع بهيكل مستقل.
الخبير العسكري اللواء امين اسماعيل المجذوب، يؤكد وجود خلاف بين الطرفين بشأن مسألة الترتيبات الامنية والدمج والنفوذ.
لكن المجذوب، الباحث في معهد الدراسات الدولية، استبعد في تصريحات لموقع قناة “الحرة” ان يتحول هذا الخلاف الى صراع مسلح بين الطرفين. وقال: “الطرفان يعلمان ان الصراع العسكري بينهم يعني نهاية السودان”.

تشظٍ داخل الجيش
يقول المتحدث السابق باسم رئيس الحكومة، فايز السليك، انه يوجد خلاف بالفعل بين المكون العسكري في المجلس السيادي مثلما توجد خلافات بين كل مكونات السلطة بشقيها المدني والعسكري.
واضاف السليك في تصريحات لموقع قناة “الحرة” ان الجميع في الخرطوم صار على اليقين بوجود جفاء وعدم تصالح بين قائدي الدعم السريع والقوات المسلحة، مشيرا الى ان ما يؤكد هذا الخلاف هي تصريحات رئيس الوزراء التي تحذر من تشظي الجيش.
كان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، حذر الثلاثاء، من “تشظ” داخل مؤسسات البلاد العسكرية، واصفا ذلك بانه “امر مقلق جدا”، داعيا الى تضييق مساحة الخلافات السياسية بين المدنيين والعسكريين.
وقال حمدوك في بيان “ان جميع التحديات التي نواجهها، في رأيي، هي مظهر من مظاهر ازمة اعمق هي في الاساس وبامتياز ازمة سياسية”، واضاف: “التشظي العسكري وداخل المؤسسة العسكرية امر مقلق جدا”.
كما دعا حمدوك الى دمج قوات الدعم السريع في الجيش. وقال ان اصلاح القطاع الامني قضية وطنية تحتاج الى تدخل مدني.
وارجع السليك الخلاف الى صراع نفوذ بين القائدين ومحاولة كل طرف بسط نفوذه داخل المجلس السيادي، بالاضافة الى المطالب بدمج قوات الدعم السريع في الجيش.
واكد ان قادة الدعم لن تقبل بذلك؛ لان ذلك يعني اذابة قواتها داخل الجيش، وبالتالي ضعف قواتها العسكرية التي تعتبر مصدرا لقوتها السياسية.

ما هي قوات الدعم؟
وقوات الدعم السريع هي مليشيات شبه عسكرية مكّونة من مليشيات الجنجويد في اغسطس 2013، ثم اجازها المجلس الوطني في يناير 2017.
كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية في عهد الرئيس السابق عمر البشير خلال الحرب في دارفور. واتهمت بارتكاب جرائم ضد الانسانية بتلك الفترة. كما استخدمها النظام السابق في قمع المعارضين واضطهادهم.
وبعد اندلاع الثورة السودانية في 2019، التي اسقطت نظام البشير، اصبح حميدتي نائب المجلس السيادي الذي يدير البلاد في المرحلة الانتقالية، وبدأ يتعاون مع قمع القوات المسلحة في قمع مظاهرات الشباب. كما وجهت له اتهمت بالمسؤولية عن مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019 والتي راحَ ضحيّتها اكثر من 100 شخص.
وتمتلك القوات مقرات ومركزا في العاصمة الخرطوم وفي بعض المدن الاخرى، كما توجد على الحدود مع ليبيا واريتريا لمراقبة الحدود ووقف تدفق المهاجرين.
ولا توجد ارقام محددة باعداد هذه القوات، لكن المجذوب يقدر عددها بنحو 40 الف مقاتل، وتعتمد على طريقة الحرب التشادية، وهو اسلوب حرب منتشر في افريقيا يعتمد على القتال بسيارات الدفع الرباعي والاسلحة الخفيفة والمتوسطة والرشاشات التي توضع على السيارات.
اما عن مقارنة امكانياته بالقوات المسلحة الرسمية، قال المجذوب انه لا يوجد وجه للمقارنة بين الطرفين سواء في الامكانيات والتسليح والتمويل.

صراع مسلح
ويشكو حميدتي باستمرار من انه وقواته يتعرضان للتحجيم. واصدر بيانات علنية برفض ضم قواته الى الجيش. واصدر كل من الجيش وقوات الدعم السريع بيانات تنفي وجود اي نزاع.
وقال حميدتي في 8 يونيو: “الحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش يمكن ان يفكك البلد. الدعم السريع مكون بقانون مُجاز من برلمان منتخب، وهو ليس كتيبة او سرية حتى يضموها للجيش، انه قوة كبيرة”.
ويدار السودان وفق اتفاق لتقاسم سلطة تم توقيعه بين العسكريين والمدنيين في اغسطس 2019.
ومنذ توليها السلطة في 2019، تسعى حكومة حمدوك لمعالجة ازمة البلاد الاقتصادية وانهاء عزلتها الدولية وتوقيع اتفاق سلام مع الحركات المسلحة.
ووقعت الحكومة العام الماضي اتفاق سلام مع مجموعة من الحركات المسلحة، لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو وهي الحركة المسلحة الرئيسة رفضت توقيع اتفاق سلام مع الحكومة، وعلقت المفاوضات معها الاسبوع الماضي في جوبا عاصمة جنوب السودان.
واشارت الصحافة المحلية الى ان دمج قوات الدعم السريع في الجيش كان نقطة الخلاف الاساسية التي ادت الى تعليق التفاوض بين الحركة والحكومة.
واوضح المجذوب ان بعض الحركات المسلحة وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان (المعروفة باسم حركة الحلو) تصر على ضرورة دمج قوات حميدتي في الجيش، لانشاء جيش سوداني موحد، والتخلص من الحركة التي قضت على سيطرتهم في دارفور.
ويخشى مراقبون من ان يتحول هذا الخلاف الى صراع مسلح في وقت تعقد فيه الحكومة اتفاقيات سلام مع مجموعة من الحركات المسلحة كانت تقاتل الحكومة في اقليم دارفور غرب البلاد، وولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق جنوب البلاد، لوقف الحرب الاهلية.
ولم يستبعد السليك احتمالية تطور هذا الخلاف بين الطرفين الى صراع عسكري. واشار ان هذا الخلاف يأتي في الوقت الذي يزداد فيه الرفض الشعبي للحكومة والمطالبة بتغييرها.
اما عن تأثير الخلاف على المرحلة الانتقالية والمشهد السياسي في البلاد، فيرى المجذوب انه سيؤثر سلبيا على المرحلة الانتقالية، واشار الى انه سيؤخر خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي، وعدم اكتمال المرحلة الانتقالية.
واضاف انه سيؤدي الى تراجع ثقة المدنيين في المكون العسكري، والذي اصبح واضحا في رفضهم لاي قرار او خطة يتخذها المجلس السيادي.
الحكومة تنفي
من جهتها، نفت الحكومة والقوات المسلحة مرارا هذه التقارير، وقال القادة العسكريون في الحكومة الانتقالية في السودان يوم الاربعاء، ان قواتهم متحدة في الدفاع عن البلاد وان الشائعات عن وجود خلافات في هذا الشأن زائفة، وذلك في بيان مشترك نادر للجيش وقوات الدعم السريع.
وقال البيان المشترك: “القوات المسلحة والدعم السريع على قلب رجل واحد للمحافظة على امن الوطن والمواطنين ووحدة التراب وانهما بالمرصاد للعدو الذى يسعى الى تفكيك السودان وشرذمته”.
وشدد البرهان في البيان على “عدم الالتفات الى الشائعات التي تستهدف وحدة المنظومة الامنية” مؤكدا انسجامها وتماسكها وعملها لاجل هدف واحد.
كما قال حميدتي: “هدفنا واحد ولدينا مسئولية تاريخية فى الخروج بالبلاد الى بر الامان، الاعداء ينتظرون تنافرنا”، واضاف: “القوات المسلحة والدعم السريع يمثلان قوة واحدة تتبع للقائد العام وتأتمر بامره”، مجددا تمسكه باحداث التحول الديمقراطي فى البلاد.
ولكن السليك علق ان تصريحات حميدتي والبرهان هي محاولة لاطفاء نار سرية تشتعل بين الاثنين وردا على تصريحات حمدوك. واكد انه لابد من دمج قوات الدعم في الجيش؛ لانه لا يوجد دولة في العالم بها جيوش متعددة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.