يُنتظر أن يصل الخرطوم غدا الخميس، وفد من «الجبهة الثورية» بقيادة نائب رئيس «الحركة الشعبية» ياسر عرمان، وعدد من قيادات حركات «الكفاح المسلح» لاستكمال ترتيبات اتفاق السلام الذي ينتظر توقيعه بشكل نهائي أوائل الشهر المقبل، إلى جانب المشاركة في اللقاءات التحضيرية للمؤتمر التاسيسي لـ«الحرية والتغيير» في وقت احتفلت فيه جماهير ولاية النيل الازرق بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، معتبرين أن «صفحة جديدة في تاريخ السودان تكتب من جديد».
ورحب المجلس الأعلى للسلام، الإثنين، باتفاق السلام الذي وقع بالأحرف الأولى مع أطراف عملية السلام في جوبا والذي «يعد خطوة تاريخية في طريق تحقيق السلام الشامل العادل وتنفيذ مهام الفترة الانتقالية» حسب بيان رسمي.
وأشاد بـ«المجهود الكبير الذي قام به الوفد المفاوض من الطرفين وثمن الدور الكبير الذي لعبته وساطة دولة جنوب السودان والرئيس سلفاكير ميارديت لتيسير الوصول لاتفاق سلام في السودان».
وحدد المجلس «أسس بدء تنفيذ اتفاقية السلام واستقبال وفدي الوساطة والمقدمة اللذين سيحضران للبلاد يوم الثلاثاء ويكتمل وصولهما الخميس المقبل».
وأكد على «استعدادات كل أجهزة السلطة الانتقالية للالتزام بتنفيذ الاتفاق وتنزيل بنوده على أرض الواقع لينعم مواطنو المناطق المتأثرة بالحروب بما وفره الاتفاق من حلول ومعالجات تناولت مسببات الحرب وإزالة آثارها».
وقال ابراهيم زريبة، المتحدث باسم وفد «الجبهة الثورية» الذي سيصل العاصمة السودانية الخرطوم غدا الخميس، إنهم عازمون على المشاركة في التحضير للمؤتمر التداولي لقوى إعلان «الحرية والتغيير».
وأشار إلى أن «لدى الجبهة الثورية تصورا لإصلاح الائتلاف الحاكم، سواء من الناحية السياسية أو التنظيمية أو الهيكلية» مؤكدًا على أن المؤتمر «سيرصد منجزات وإخفاقات الفترة الماضية من عمر الانتقال، كما سيراجع وثيقة إعلان الحرية والتغيير لإضافة تعديلات جوهرية عليها».
وكان من المقررر تنظيم مؤتمر قوى «الحرية والتغيير» في أبريل/ نيسان الماضي، لكن تأجل إلى حزيران/ يونيو، بسبب الأوضاع الصحية جراء تفشي فيروس كورونا، ليرجأ مرة ثالثة إلى أغسطس/ آب، ومن ثم إلى موعد لم يُحدد بشكل قاطع، لكن قادة الائتلاف ظلوا يؤكدون على الدوام أنه سيلتئم قريباً.
ولم يستبعد زريبة بحث ترتيبات تحول الجبهة الثورية إلى تنظيمات سياسية مدنية، خاصة بعد توقيعها على بروتوكولات الترتيبات الأمنية في دارفور والمنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان).
وأكد على أن الوفد بقيادة ياسر عرمان، سيزور كل مناطق السودان، نظرًا لتناول قادة وفودها التفاوضية كل قضايا المناطق في مسارات شرق وشمال ووسط السودان إضافة إلى دارفور والمنطقتين، بهدف تمليك اتفاق السلام إلى جماهيرها. وأضاف: «ستلتحم الجبهة الثورية بجماهير الشعب السوداني، وستشرح له هيكلها ودستورها، وستفتح أبوابها مشرعة للبناء والتحول، لأن الرهان الآن على الديمقراطية والتعددية وهذه متاحة فقط للأحزاب».
مصدر مطلع قال لـ«القدس العربي» «الوفد سيصل الخرطوم يوم الخميس، وهي فرصة ليلتقي الجماهير ويبشر بالسلام ويواسي السودانيين في كارثة الفيضان، مع إجراء مشاورات حول ملفات المؤتمر التحضيري، وتشكيل الحكومة وحكام الولايات المنتظر تغييرهم لصالح السلام».
وبين أن «هناك تغييرا كبيرا سيتم في الحكومة التنفيذية، وفي ولايات دارفور سيغادر اثنان مشن الولاة الذين جرى تعيينهم قبل شهرين، كما سيغادر حاكم ولاية النيل الأزرق وربما ولايات أخرى، بالإضافة للحكومة التنفيذية التي سيطالها التغيير أيضا».
القيادي في «الحرية والتغيير» خالد يوسف أكد أن «الجبهة الثورية طلبت إرجاء التشكيل الوزاري لما بعد توقيع الاتفاق النهائي».
وقال «التمست الجبهة الثورية من رئيس الوزراء تأجيل التشكيل الوزاري إلى ما بعد توقيع اتفاق السلام، واعتقد أنه لا ضير في ذلك، ومن الأفضل توسيع دائرة التشاور وجعل التغيير الوزاري عملية تطوير شاملة تتجاوز الأشخاص لتشمل المناهج وطرائق العمل والتفكير بما يجود الآداء التنفيذي، ويمكنه من مواجهة تحديات الانتقال».
ضخ دماء جديدة
وتابع أن «دخول أطراف عملية السلام ضمن تركيبة السلطة الانتقالية سيضخ دماءً جديدة في عروقها وسينتج ديناميات جديدة لكامل عملية الانتقال. ستخضع كافة القضايا للنقاش بين مختلف الأطراف بروح الفريق الواحد، وأثق أن خيارات السلطة الانتقالية ستنحاز باستمرار لجانب مصالحنا الوطنية وتحقيق أمن وسلام ورفاه شعبنا الصابر».
وحول انتقادات بعض القوى داخل التحالف الحاكم لاتفاق السلام، أوضح أن «الحرية والتغيير تحالف فيه تعدد واسع، ومن الطبيعي أن تتباين بعض الآراء في داخله، رحب التحالف بالاتفاق وأعلن دعمه له. أطلعت على بعض الآراء الناقدة لبعض جوانب الاتفاق وأرى أنها لم تتمعن في قراءة نصوصه وغلب عليها روح الانتصار للتكتيك السياسي على الانحياز لقضية السلام الاستراتيجية».
وزاد: «غطى هذا الاتفاق كافة جوانب الأزمة السودانية التي تسببت في الحروب ووضع معالجات منصفة لآثارها وانحاز لوحدة السودان بصورة قاطعة، وخاطب قضية الإصلاح الأمني والعسكري راسماً طريقاً واضح الملامح لبناء جيش وطني ومهني وقومي واحد، بعقيدة جديدة تتسق وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة. بكل تأكيد فهو جهد بشري به نواقص، وهو أمر يمكن استكماله بالنقاشات المنتجة حول أفضل سبل التنفيذ والحوارات المستمرة التي ستتوج في المؤتمر الدستوري بنهاية المرحلة الانتقالية».
واحتفت جماهير»الحركة الشعبية» ـ شمال، بقيادة مالك عقار، في النيل الأزرق بالتوقيع على اتفاق السلام في العاصمة جوبا، حيث احتشد عشرات الآلاف من الرجال والنساء.
وقال السكرتير العام للحركة في النيل الأزرق، الشيخ الدود إن «السلام الذي شمل منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة وغرب كردفان يجيء كتفسير وواقع لاتفاقية السلام التي تمت مؤخرا في العاصمة جوبا».
وبين أنه «لأول مرة عبر تواريخ التفاوض والاتفاقيات التي أُبرمت لإنهاء أزمة الاقتتال في السودان تستصحب الاتفاقية حلولا جذرية لإشكالات التنمية والتوزيع العادل للثروة والسلطة دون المساس بقومية الوطن وتقديس وحدته».
وأوضح أن «القضايا التي تم إنجازها عبر الاتفاقية التي أفضت إلى السلام، هي قضايا محورية وتؤسس لنهضة شاملة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي مثل إدارة الثروات المحلية ومخاطبة قضايا الأرض واستخداماتها وإنشاء آلية لفض نزاعات الأراضي وتطوير التعليم ودعم السلم الاجتماعي بإزالة أسباب الغبن وعقد المصالحات وإحقاق الحقوق».
«الحرية والتغيير»: تغييرات منتظرة في مجلس الوزراء وحكام الولايات
وحددت الوساطة مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، موعدا لتوقيع اتفاق السلام بشكله النهائي الذي وقُع بالأحرف الأولى في 31 أغسطس/ آب الماضي، بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية التي تضم عددا من الحركات المسلحة.
ومن جهة أخرى تبرأت حركة «تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، من وفد الجبهة الثورية الذي يعتزم زيارة الخرطوم ومدن أخرى للترويج لاتفاق السلام، واتهمت الوساطة بالميل إلى طرف باسم الجبهة الثورية دون الآخر.
على الرغم من اختيار رئيسها في مايو/ أيار الماضي الانشقاق عن التحالف، والمشاركة في المحادثات كفصيل مستقل باسم «الجبهة الثورية» كذلك، لكن الحركة شددت في بيان وزع على الصحافيين في الخرطوم على عدم صلتها بوفد المقدمة للجبهة الثورية، موضحة أن «الوسيط لم يبلغها بما يجري من ترتيبات تحت مسمى الجبهة الثورية التي لم توقع اتفاق السلام باسمها بل وقع كل تنظيم على حدة مع وجود الجبهتين الثوريتين المعترف بهما من الوساطة».
وأضاف البيان «لكن الشي المحير وغير الواضح لنا جنوح الوسيط إلى طرف باسم الجبهة الثورية دون الطرف الآخر مع علم الوسيط بأن التوقيع بالأحرف الأولى تم باسم أطراف التفاوض وليس باسم الجبهة الثورية».
وأشار إلى أن «المسألة إذا كانت بمعرفة ودراية الوسيط فينبغي إعادة النظر في تلك الرسائل غير الإيجابية والقفز في الظلام والعمل الانفرادي دون النظرة الشمولية لجميع أطراف التفاوض قبل التوقيع النهائي، تفاديا لإضعاف عملية السلام في المستقبل».
وأوضح أن الحركة «ستقوم بالتعاون مع أصدقائها وشركائها من حركات الكفاح المسلح والمكونات المدنية بإرسال وفد رسمي بعد التوقيع على الاتفاق النهائي المقرر مطلع شهر أكتوبر المقبل».
شيطان التفاصيل
ونوهت الحركة إلى أن «مفاوضات السلام انطلقت في منبر جوبا منذ العام الماضي بين مكونات الجبهة الثورية والحكومة الانتقالية، ولكن بعد انقسام الجبهة الثورية إلى جبهتين برزت تكتلات داخليه واستغلال واستقطاب سياسي أدى إلى إضعاف العمل الجماعي باسم الجبهتين».
كذلك بين الأمين العام للحركة الشعبية /الجبهة الثورية، إسماعيل خميس جلاب، أن «مهمة الوفد ممتدة بهدف التمهيد لانتقال كافة مكونات الجبهة الثورية للداخل» قبل أن يعود ويفيد بأن المرحلة الأولى للوفد «تنتهي بنهاية التوقيع على اتفاق السلام». ورأى أن «أبرز المحطات التي شملت اتفاقية الأحرف الأولى في جوبا ملف الترتيبات الأمنية الخاص بالحركات المسلحة وليس للحركة الشعبية شمال فقط، ويشير إلى أن الترتيبات الأمنية عملية مستمرة وتشمل عناصر ونقاطا عديدة مثل هيكلة ودمج القوات وبناء وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية والأمنية».
وقال إن «مدة الدمج ستكون خلال 39 شهراً». وحول حجم الجيش الشعبي المتوقع دمجه بالقوات النظامية، قال «الجيش الشعبي لا يقاس بكبر أو صغر حجمه ونتحدث عن الاسباب والقضايا التي ضحوا من أجلها وما أنجزه وثبته من مهام وحقوق الشعب السوداني» مشيراً إلى أن «الترتيبات تبدأ بعد التوقيع النهائي وتستمر لمدة 39 شهراً «. وزاد: « التوقيع الذي حدث في جوبا هو توقيع اتفاق السلام ولا يمكن أن يسمى بالأحرف الأولى».
وقال» شيطان التفاصيل. لقد تخطينا تلك المرحلة بدون شيطان أو شيطنة وأن الاتفاق ملك الشعب السوداني وسيحافظ عليه ويطبقه ويبعد عنه الشيطان».