بقلم: عبد العزيز عثمان سام
صرح قبل قليل الأستاذ محمد حسن التعايشى عضو مجلس السيادة السودانى والناطق بإسم وفد حكومة السودان الإنتقالية لدى منبر مفاوضات دارفور بجوبا جنوب السودان، متحدثا عن سير المفاوضات فى مسار دارفور، وقال:
. فى مسار دارفور، اتفقنا على تسليم المتهمين لدى المحكمة الجنائية الصادر بحقهم أوامر توقيف (قبض)، وكرر هذه الجملة عدة مرَّات (المتهمين الصادر فى حقهم أوامر قبض). بمعنى أن الاتفاق لا يشمل المتهمين الذين لم يصدر ضدهم أوامر قبض حتى الآن أو لا يشمل ولا يلزم الأطراف بتسليم (المتهمين الذين ستصدر فى مواجهتم أوامر قبض لاحقاً)؟،
. والقرار 1593 لسنة 2005م الصادر بتاريخ 31 مارس 2005م من مجلس الأمن بالأمم المتحدة أحال الإختصاص فى الوضع فى إقليم دارفور منذ 1 يوليو 2002م إلى المدعى بالمحكمة الجنائية الدولية، وثَّبت هذا القرار مسائل مُهمَّة يجب أن يلتزم بها الجميع، وهى:
1. اختصاص المحكمة الجنائية الدولية فى دارفور منذ 1 يوليو 2002م يعنى إحالة الإختصاص الجنائى للإنتهاكات التى ارتكبت فى دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى- هولندا. ويعنى ذلك أن الأجهزة العدلية السودانية غير مختصة البتَّة فى هذا الأمر الذى أحيل للمحكمة الجنائية الدولية،
2. كل الإجراءات القانونية والقضائية التى باشرتها الأجهزة القانونية والقضائية السودانية فى دارفور منذ تاريخ 1 يوليو 2002م باطلة وصادرة من جهات غير محتصة لأن الإختصاص قد أحيل للمحكمة الجنائية الدولية فقط، خاصة الجرائم والإنتهاكات التى أرتكبت خلال عمليات عسكرية وحربية إنتهاكاً للقانون الدولى الإنسانى المضمَّن فى قانون نظام روما 1998م جرائم الجونسايد والتطهير العرقى وجرائم الحرب والعدوان، هى جرائم غير مضمنة فى القوانين السودانية وقت إرتكابها فى دارفور، وبالتالى المحاكم والنيابات السودانية غير مختصة بنظرها، لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانونى وقت إرتكابها، بالتالى الإجراءات التى قامت بها الأجهزة السودانية باطلة Null & Void
3. ولأن قرار إحالة الوضع فى دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية هو قرار صادر من مجلس الأمن بالأمم المتحدة فلا يجوز لأى جهة تجاهلها أو تحديها أو تعديلها أو القيام بأعمال موازية لها لأن الإختصاص إنعقد للمحكمة الجنائية الدولية،
4. موضوع أن إختصاص المحكمة الجنائية الدولية تكميلى Complementary للإختصاص الجنائى الوطنى غير وارد فى حالة دارفور لأن الإحالة تمَّت من مجلس الأمن فى إطار ممارسة واجبه فى حفظ السلم والأمن الدوليين عندما تعرضتا لإنتهاك جسيم فى دارفور من حكومة السودان، وأن الإختصاص التكميلى الوطنى قد إنتفى لأن مرتكب الإنتهاكات هى حكومة السودان نفسها وقد تورَّطت فى قتل أهالى دارفور وإبادتهم وحرقهم والتنكيل بهم. ويعنى ذلك أن الإجراءات القانونية والقضائية التى قامت وتقوم بها الأجهزة العدلية السودانية هى مجرد تعمية وتغبيش للوعى وأن الحكومة تلعب دور الخصم والحكم فى آن، والنتيجة أن الأجهزة العدلية السودانية مكنت كل الجناة من الإفلات من العقاب، لأنها لا ترغب وليس لها القدرة على محاكمتهم فمات نتاج ذلك نصف مليون مدنى فى دارفور.
5. لا يحق لحكومة السودان الانتقالية والحركات المسلحة التى تتفاوض فى منبر جوبا أن تتفاوض حول المسألة الجنائية والعدلية فى دارفور منذ الفاتح من يوليو 2002م لأن ذلك ليس ملفاً للتفاوض ولكنه إختصاص وولاية المحكمة الجنائية الدولية، ومعلوم أنَّ أعمال القضاء محجوبة عن التناول بالتفاوض والمناورة السياسية،
6. حكومة السودان الإنتقالية كسلطة واقعية قائمة De facto Government من أوجب واجباتها الإمتثال للشرعية الدولية وتسليم المطلوبين للعدالة الدولية دون قيد أو شرط، ودون تعريض القرارات الدولية للإزدراء والمناورة والإبتزاز السياسى، كما كان يفعل سلفهم.
7. على حكومة السودان بأجهزتها المختلفة مجلس سيادة ومجلس وزراء، أن تختار خياراً من إثنين: تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، أو رفضها ومقاومتها كما كانت تفعل حكومة عمر البشير الذى هو فقط فخلفه شيعته يحكمون السودان من أعلى إلى أسفل،
لما تقدَّم نقول الآتى:
. ما اتفق عليه أطراف التفاوض اليوم فى جوبا مسار دارفور باطل، لأنهم تناولوا أمراً خارج إختصاصهم تماماً. وأن يعلموا يقيناً أنَّ تسليم المتهمين المطلوب القبض عليهم وتقديم العون الكامل للمحكمة الدولية لإنجاز ولايتها الجنائية فى دارفور هو واجب وفرض عين على أى حكومة سودانية، ما على حكومة السودان إلا التنفيذ الحرفى الكامل لطلبات وأوامر المحكمة الجنائية الدولية دون إبطاء أو إلتفاف ومناورات سياسية،
. آليات تنفيذ العدالة التى اتفق عليها أطراف التفاوض فى مسار دارفور لتحقيق العدالة كلها باطلة لما أوردنا أعلاه من أسباب، لأن حكومة السودان لا اختصاص ولا ولاية جنائية لها على دارفور. والإختصاص للمحكمة الجنائية الدولية،
. “محكمة جرائم دارفور” التى شكَّلها عمر البشير رئيس حكومة السودان والجانى الأول أنشأها لتحدى ومقاومة قرارات الشرعية الدولية، وهى محكمة بلا إختصاص وإجراءتها والنيابة العامة التابعة لها باطلة لعدم الإختصاص، وأحكامها وإجراءاتها كأن لم تكن،
. حديث الأستاذ محمد حسن التعايشى عضو مجلس السيادة والناطق بإسم الوفد الحكومى بتسليم المتهمين المطلوبين للمحكمة الجنائية “الذين صدرت أومر قبض فى حقهم” هو تصريح حق أريد به باطل. وبمفهوم المخالفة يعنى أن الذين لم تصدر أوامر قبض فى مواجهتهم بعد لن تسلمهم للمحكمة وفق هذا الاتفاق.
. والصحيح وبدون إلتفاف أن يقول الناطق المحترم: إتفقنا على أن جمهورية السودان ملتزمة مطلقاً بتنفيذ القرارات الدولية الصادرة من أجهزة الشرعية الدولية دون قيد أو شرط أو مساومات سياسية، وملزمة بتنفيذ جميع طلبات وأوامر المحكمة الجنائية الدولية. وإن لم تفعل ستظل دولة مجرمة ومارقة على الشرعية الدولية لا تستحق إى تعاون أو معاملة كريمة،
. والنائب العام السودانى يقتصر إختصاصه فى دارفور على الجنايات الواردة فى القانون الجنائى السودانى 1991م، وليس الإختصاص الجنائى لقانون نظام روما، والقانون الدولى الإنسانى أو قانون الحرب، فذاك إختصاص المحكمة الجنائية الدولية وإدعائها العام،
. وعلى الأطراف السودانية المتفاوضة فى جوبا أن تعرف الملفات القابلة للتفاوض ولا تتجاوز إختصاصها وسلطتها، فأى شئ يخص عمل المحكمة الجنائية الدولية فى دارفور يقع خارج نطاق التفاوض، والسودان أو أىِّ دولة عضوة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة هى سلطة ضبط إدارى لتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية دون تعطيل أو أعتراض أو تسويف،
. لذلك، على الأطراف المتفاوضة فى جوبا التركيز على ما يخصهم ويهمهم من إقتسام سلطة وثروة وترتيبات أمنية توقف الحرب وتسرح أرتال الجيوش التى تحتل السودان منذ 1925م وتأكل كل موارده وتشعل الحروب لتبرر وجودها،
. وأخيراً:
. قرارات الشرعية الدولية واجبة النفاذ الفورى، ومُحصَّنة من التناول بالنقاش والتفاوض، ، ولا تحتمل التبعيض بأخذ أجزاء منها وترك أخرى،
. لذلك، أجد أن الاتفاق الذى تم اليوم فى منبر جوبا مسار دارفور خالفها التوفيق تماماً لأن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية واجب حتمى، وطالما أن أوامر القبض قد صدرت من المحكمة الجنائية الدولية منذ 2007 و2009 فلا يستساغ من حكومات السودان المتعاقبة أن ترفض أو تتلكأ فى تنفيذها أو تتفاوض عليها مع خصومها السياسيين حول تنفيذ تلك الأوامر القضائية.
. ثم أن الحركات المسلحة التى تفاوض الحكومة لم تصدر أوامر القبض الصادرة ضد البشير وهارون وكشيب واللمبى، وآلالف القرارات التى ستصدر تباعا ضد كل الذين قتلوا وأبادوا وحرقوا الأبرياء فى دارفور بعد تسليم القطيع الأوَّل من غلاة القتلة، فكيف تتفاوض الحكومة الانتقالية مع حركات مسلحة فى قرارات صادرة من الشرعية الدولية وتختص بتنفذها محكمة الجانايات الدولية؟، هذا خطأ يجب عدم الوقوع فيه مرَّة أخرى،
. وهذا تفاوض فى غير موضوع، وعلى حكومة السودان تسليم المتهمين فوراً والسماح للمحكمة الجنائية الدولية بدخول السودان واستكمال مهمتها التى لن تنتهى حتى تكمِل مهمتها بمحاكمة كل من إرتكب تلك الفظائع ضد أهلنا العزل فى إقليم دارفور,
. وما دون ذلك حرث فى البحر وعواء فى خواء لا يجدى لرفع إسم السودان من قوائم رعاية الإرهاب ولا يوفر لها مناخاً يمكنها من الحصول على معاملات مالية لفك أزماته الطاحنة،
. ولتعلم حكومة السودان أن الكيزان ما زالوا يتحكمون فى مفاصل السودان كما فيروس كرونا فى تلك المدينة الصينية، أطردوا الكيزان من مفاصل الدولة يخلو لكم وجه المجتمع الدولى والمانحين.