عصا نائمة وعصا قائمة!

0 105
كتب: د. النور حمد
.
للمنظومة الحاكمة حاليًا في السودان، برؤوسها المتعددة، عدة ألسن. أما الفضاء العام المحيط بها والذي تسيطر عليه وسائط التواصل الاجتماعي فله ألف لسانٍ متعارض. وتظل الحقيقة في هذا المناخ منفصلةً عن الواقع، سابحةً في هذا السديم الشاسع من الشائعات، والشائعات المضادة. من أمثلة ذلك: عندما ذهب الفريق البرهان للقاء نتنياهو في عنتيبي بيوغندا في فبراير الماضي، طفح على سطح الأخبار أن المكون المدني في الشراكة الانتقالية لم يقرر ذلك اللقاء، وأن الفريق البرهان تصرَّف بمفرده. بل قيل إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لم يُستشر في أمر ذلك اللقاء. أما ما أعقب اللقاء من الموافقة على عبور طائرات شركة العال الإسرائيلية أجواء السودان، فقد أظهرته القنوات الإسرائيلية، ولم تقابله الحكومة السودانية لا بنفي ولا بإثبات. وبعد أن هدأت الزوبعة، لم يعد أحدٌ مشغولاً ما إذا كانت طائرات شركة العال الإسرائيلية لا تزال مستمرةً في عبور أجواء السودان، أم أنها توقفت. كما لم يخرج قط من إدارة الحركة الجوية السودانية ما ينفي أو يثبت ذلك. في نفس تلك الفترة، حطت طائرة فريق الإسعاف الطبي الإسرائيلي التي هرعت لإنقاذ مهندسة لقاء البرهان ونتنياهو، الدكتورة الراحلة، نجوى قدح الدم، في مطار الخرطوم. وطفح ذلك الخبر، واحتل مواقع الصدارة في وسائط التواصل الاجتماعي، ثم ما لبث أن أصبح نسيًا منسيا.
الآن تتكرر ذات البلبلة الخبرية وتشتعل وسائط التواصل الاجتماعي من جديد بعد أن ذاع أن الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك سوف يذهبان إلى أبو ظبي يصحبهم وفد وزاري. لكن في اللحظة الأخيرة تخلف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وذهب الفريق البرهان بمفرده مع الوفد الوزاري. ولم يصدر في الفترة الممتدة بين ظهور خبر ذهاب حمدوك إلى أبو ظبي بصحبة البرهان وبين حدوث الرحلة، أي نفي من مكتب رئيس الوزراء لخبر ذهابهما معًا. أيضا تردد في الأخبار العالمية والمحلية أن وفدًا أمريكيًا ينتظرهما في أبو ظبي. ولم أفهم من جانبي لماذا تجري مناقشة قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أبو ظبي، إن كان سبب اللقاء منحصرًا في هذه القضية وحدها. لكن، حين يُشار إلى أن لقاء السودان والإمارات وأمريكا في أبو ظبي مرتبطٌ عضويًا بإدخال السودان في زمرة مجموعة الدول العربية التي وقَّعت قبل أيام، يخرج الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية ليناقض ذلك. وليقول: إن موقف الحكومة السودانية ثابت ولا أحد مفوضٌ بمناقشة قضية التطبيع، الآن. وفي وسط كل هذه البلبلة يسقط الجميع في التَّنُّور الذي يمور بالإشاعات والاشاعات المضادة.
لقد أعاب الأستاذ الشهيد، محمود محمد طه، منذ ستينات القرن الماضي على القادة العرب اختيار دور القاصر الذي يحب أن يتوارى خلف وصي. كما أعاب عليهم انحلال العزيمة وفعل ما يعتقدونه لواذًا وخفية. وأعاب عليهم أيضًا قلة الشجاعة والقدرة على مواجهة شعوبهم بالحقائق كما هي. لقد كان أنور السادات قائدًا عظيمًا، لأنه حين رأى أن يخرج ببلاده من حالة العداء مع إسرائيل، الضارة ببلاده، انبرى لفعل ذلك ولم يتلفَّت من فوق كتفيه ليري ما يقوله عنه الآخرون. لقي السادات مصرعه شهيدًا بسبب ذلك. وقاطع العرب مصر، ثم ما لبثوا أن عادوا إليها، بل وأعادوا إليها مقر الجامعة العربية، بعد أن نقلوه منها. والآن، لم يعد أحدٌ يطالب مصر بنقض السلام مع إسرائيل. وتفرغت مصر، منذ تلك اللحظة، لإدارة شؤونها الداخلية والخارجية وفق مصالحها القطرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.