تاريخ ما لم يهمله التاريخ: ١٦يناير ٢٠١٩: اسحاق فضل الله قال الثورة تتبخر

0 89

يا إسحق فضل الله: ديغول هِرب

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

  كتب الأستاذ اسحق فضل الله كلمة أخيرة بعنوان “نثار وشيوعي عاقل”. وإسحق كاتب دجال يكتب عربية خلت من الجمل التامة. استهوته فيما يبدو نقاط ما بين الكلمات لإحسان عبد القدوس في وقت باكر من شبابه وما أنفك. ووجدته، وهو عرضحالجي الحكومة، من أكثر الكتاب قراءة على صحف المعارضة الإسفيرية.

وفي كلمته يُعرض ب”تسقط بس” والثورة ويصرفها كزوبعة في فنجان ستضمحل متى فتحت الحكومة منافذ إعلامها للمهتاجين بغير فهم. ورجع في خطته للتهزئة بالثورة الناشبة إلى ثورة 1968 في فرنسا. وقال إنها (وقد تظاهرت من أجلها مليوينيات) محض هياج أخمده وزير الإعلام حين جاء بقادتها، وعلى رأسهم داني كوهين (وهو من اسمه يهودي حسب استنتاج إسحق الموفق)، وفتح لهم التلفزيون ليتحدثوا للناس عن مشروعهم. وحار زعماء الثور الذين تبعهم 30 مليوناً من البشر عن سوى الكلام الفارغ. فقد ألجمت براعة وزير الإعلام لسانهم المغرورق بالهتاف لا الحقيقة. وقال:

(وكأنه (أي ثورة 1968 الفرنسية) نسخة قديمة لشعار تسقط بس.

والناس خرجوا من بيوتهم متثاقلين كل منهم ينظر في وجوه الآخرين ليفهم وكأنه يسأل

: هل كنا مخدوعين الى هذه الدرجة؟

وفي نصف يوم . . كل الهياج انتهى.

والهياج الآن في السودان الذي يكشف للناس أنه ليس عندهم شيء.

أي شيء.

وما عندهم هو.

هدم وبس . . هياج يمكن أن ينتهي حين تفتح الدولة كل القنوات لكل الجهات).

لم أجد بقدر ما بحثت عن حكاية وزير الإعلام الفرنسي الذي فتح أبواب التلفزيون ليكشف أن ثورة 1968، وعلى لسان قادتها مجرد هياج و”تسقط بس” سرعان ما يخمد. كل ما وجدته أن اسم الوزير هو جورجز قورس بدأ بالتدريس بالقاهرة ثم التحق بركب ديجول الذي كان يقود المقاومة الفرنسية للحكومة التي فرضها النازيون على فرنسا. وصار مع ديجول في حزبه وشغل حقائب وزارية ودلوماسية ونيابية مختلفة حتى توفي في 2001. واشتهر كوزير إعلام تحت شارلي ديغول، رئيس جمهورية فرنسا، بكلمة مذمومة عند الفرنسيين إلى يومنا. فنقل للناس في تلك الأيام عبارة عن ديغول هي “الإصلاح نعم، ولا للكرنفال-الفوضى” قالها في ساعة غضب. ولم أقف على النكتة البلاغية التي جعلتها ممقوتة عند الناس.

وددت مع ذلك لو توقف إسحق عند خبر ربما كان قريباً من مطلبه عن “الهيجان”. وهو هرب ديغول وعائلته من وجه الثورة. ففي 29 مايو 1968 والثورة في أشدها ألغى ديغول اجتماعاً مجدولاً لمجلس الوزراء وأخذ أوراقه الخاصة من قصر الإليزيه. وبرر ذلك بقوله إنه لا يريد للمتظاهرين الهجوم على القصر وإن يراق دم دفاعاً عنه. ورفض اقتراحاً من بومبيدو، رئيس وزرائه، بحل الجمعية التأسيسية خشية السمعة التي ستفقد حزبه الانتخابات القادمة. وقال لبومبيدو: “أنا الماضي وأنت المستقبل وأنا أؤيدك جدا”.

واختفي ديغول عن رادار الدولة التي اضطرت للقول إنه سيقصي يومه في منتجعه الريفي ويعود في اليوم التالي. وانتشرت الشائعات أنه معتكف لكتابة استقالته. وضربت الحيرة أمة جهلت مكان رئيسها. وتتبع الرادار طائرة الرئيس فوجدها هبطت في القيادة الفرنسية بألمانيا. وسعى قائدها، الذي وجد ديغول محبطاً، إلى إقناعه أن يعود إلى باريس معززاً بالجيش. ووافق ودعا لاجتماع لمجلس الوزراء. وكانت زوجته قد أخذ مجوهراتها معها. ولما قرر ديغول الرجوع أمنتها لولدها وزوجه ممن بقيا في المانيا.

استنفدت المظاهرات طاقتها بالتدريج تحت ضبط الشرطة وتلويح الجيش الذي انتظر أمراً بالتحرك. وحمل بومبيدو ديغول لحل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات فاز فيها على الاشتراكيين والشيوعيين بفارق باهر.

نعم لم تنجح الثورة. ولكنها ما تزال صفحة كريمة في نضال الخيرين ضد الرأسمالية. ولو لم تشغل إسحق الحكاية المشتبهة (حتى إثباتها) عن الوزير قورس لربما استعبر بقدوة رئيس في مقام ديغول أخلى القصر الرئاسي لأنه لا يريد للدم يراق دفاعاً عنه. لو فعلها رئيسه البشير المتعطش للدم وكاتب عرضحالاته لخمدت تظاهرات ثورة ديسمبر بأسرع مما تفعل مما لو فتح لها وزير الإعلام منافذ الإعلام. علماً بإن الإعلام جاء الثورة مكرهاً في جبلها ولم تسع إليه.

الصورة لجورجز قورياس وزير الأعلام خلال ثورة فرنسا في 1968 وهو مختص في الشأن العربي كذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.