لجان المقاومة في اليوم العاقب: كيف فضت قحت جيشها الثوري طواعية؟

0 86

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

قيل سودانياً في سوء المنقلب: “يشيلوهو من الطين يقع في الروب”. أي أنه لا يغادر خام السقطة ويترحل من سجم إلى رماد. وهذا حال قحت في اليوم العاقب لسقوط دولتها الانتقالية. فم تنتكس بالفترة الانتقالية فحسب بل تفر من جرد حسابها بالتلاوم والتراذل. ولعل أشقى ما على قحت أن تراه في مرآة اليوم العاقب هو اعتزالها لجان المقاومة خلال فترتها في الحكم. فبذلك الاعتزال كانت قد حلت جيشها السياسي طوعاً، و”اتقنطرت” للثورة المضادة عزلاء. والباقي واقع ما يزال. وأنشر أدناه خطاباً وجهته إلى مركزية قحت في ١١ أغسطس ٢٠٢٠ لافتاً نظرها إلى عيبها في استدبار لجان المقاومة التي كانت تلقى الأمرين من الثورة المضادة كما تلقاه الآن. وأفعل هذا في سياق دعوتي لنقوم بجرد لحساب الفترة الانتقالية حتى نستقوي به في ما نحن فيه من شغل الثورة.

١١أغسطس ٢٠٢٠
السادة أعضاء مركزية قحت
تحية طيبة وبعد
اكتب لكم مشفقاً مما تلقاه لجان المقاومة من أفراد وجماعات سياسية وتنفيذية وسيادية محسوبة على ثورة 19 ديسمبر 2018. وبان هذا العوار السياسي في العزلة التي اكتنفت لجنة مقاومة الحتانة خلا تأديتها لواجباتها الثورية. فتوقيع الأعضاء المدنيين بمجلس السيادة على بيان أدان ذلك الأداء باب في جفاء لجان المقاومة تكرر مرات. وبدا لي من تكراره يُتم هذه اللجان في استراتيجية دولة الثورة. فقد أخذتُ في مرة قريبة على الأستاذ خالد عمر يوسف مسارعته نفي صلته بلجنة مقاومة مدينة سنار بعد اتهامها بالاعتداء على عثمان ذو النون. واحتججت على السيد إبراهيم الشيخ حين وجدته اعتني بنظافة ثوبه وثوب ولده وإرثه السياسي في الحادث المشهور الذي أوقفت فيه لجنة المقاومة ببري التنكر المعروف. وأخذت في الموضعين على خالد وإبراهيم أنهما كانا أسرع إلى تبرئة النفس من معاناة الجلد القيادي عند الموقف الصعب الذي وجدت لجنة المقاومة نفسها فيه.
ووجدت السادة ممثلي قوى الحرية والتغيير في مجلس السيادة، بإدانتهم لمقاومة الحتانة، قبلوا بالتهم التي وجهت لها جزافاً. فأخذوا سردية الثورة المضادة للواقعة ولغتها بحذافيرها. واستغربت لهم لم يتوقفوا للتحقق من ورود العبارات العنصرية التي زعمت الفلول أنها لوثت الواقعة. فلم يحظ شباب الحتانة بالقسط الذي تمتع به الفريق أول كباشي، مدار الواقعة، الماثل ما يزال منذ يونيو 2019 لتحقيق في مذبحة فض اعتصام القيادة. وهي التهمة التي نطق بها لسانه على الملأ
. انتظرت أن يجرؤ عضو مدني في مجلس السيادة بالجلوس إلى شباب الحتانة ومدارسة الأمر معهم من وجوهه كله. وهذا ما يمليه القسط والوجدان السليم قبل تبعة القيادة السياسية للجان المقاومة التي بذمتهم. وددت لو عرض هذا العضو شرائط التسجيل على خبير أصوات ليستوثق من عبارات من احتجوا على الفريق أول كباشي: هل كانت نابئة؟ وهل طغى النابي على المشروع من قول في وجه حاكم؟ وممن صدر القول النابي بالتحديد لأن احتمال الدس في مثل هذه المواقف وارد؟
يؤسفني خضوع الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة لإرهاب الثورة المضادة. فجنحوا للتبرؤ من قاعدة من قواعد الثورة طمعاً في احتواء المشكلة كأنها ستكون المشكلة الأخيرة. وكنت أريد لهم التشبث بخطة الهجوم لا الدفاع بالانوجاد بين لجنة المقاومة بالحتانة متى ما سمعوا بالواقعة للاستماع إلى روايتهم هم لما جرى، ومناقشتهم في دقائقها من موقع القيادة لا الوصاية، والتوصل معهم إلى موقف ثوري رصين حولها. وليست هذه الرصانة عتواً ولا تصعير خد، بل الاعتذار، متى استحق، من سيماء الثوري.
لربما صح القول إن مسارعة الأعضاء المدنيين لإدانة شباب مقاومة الحتانة هي من قماشة الموقع الدفاعي الذي اضطرت قوى الثورة اتخاذه مؤخرا تحت وطأة أخطاء لها مربكة. يكفي أن هذا الدفاع بلغ ببعضنا حد اللجوء للقضاء لتبرئة ساحته. فالثورة كسبت بالهجوم وستكسب بالهجوم ومواقع الدفاع هشة ومهلكة.
لجان المقاومة الآن في عين العاصفة الفلولية. فنظمت عناصر الثورة المضادة مسرداً من أخطاء مصطنعة وغير مصطنعة لهذه اللجان تروج له بين الناس. وتريد للناس أن يروا اللجان خرقاء طائشة وهي أسهرنا على الثورة وأهلها. وهذا جمال لا يضوع عطره إلا من خلال عناية مؤسسية به تضع لجان المقاومة في عين استراتيجية الدولة. فلا تضطر اللجان لمليونيات لردم الهوة التي بينها وبين الدولة.
ولم أجد من فكر في هذه الاستراتيجية مثل الإمام الصادق المهدي في خارطة طريق أخيرة دعا فيها إلى التصعد باللجان إلى مركز مرن يصقل أثرها وفاعليتها. وكنت اقترحت شيئاً من هذا إلى من بادر بالاتصال بي باكراً والثورة طفلة ما تزال عما وجب فعله تجاهها. فقلت له ربما كانت الخطوة الآن أن تصدر اللجان نشرة خبرية (لا جريدة) تعكس فيها اللجان المختلفة خبراتها وتتبادلها. وقد تردفون ذلك بإنشاء معهد للدراسات الاجتماعية والسياسية والثقافية تنعقد فيه دورات للقياديين في هذه اللجان ليثقفوا السياسة التي دخلوها من أبوابها وبقوة.
ولو أذنتم لي بعودة إلى التاريخ فإنني أخشى أن يحدث لهذا اللجان من فرط اليتم الثوري ما حدث للجان جبهة الهيئات في ثورة أكتوبر 1964. فقد انتشرت تلك اللجان في أرجاء الوطن وحملت عبء الثورة إلى غايتها. واعتنت بنفسها فعقدت مؤتمرها الوطني الأول. ولما لم تجد الأحزاب التقليدية والإخوان المسلمون موطئ قدم فيها سعت لعزلتها بالترويج لشيوعيتها. وكان مما أزعج تلك القوى الرجعية مثلاً مطلب جبهة الهيئات بقانون انتخابات يكفل تمثيلاً مناسباً لقوى المدينة من عمال ومثقفين وقوى الريف المتقدم لتضررها أكثر من غيرها في الديكتاتورية، ولسابقتها في الثورة، ولتأمين تمسكها بالبرلمانية لا طرق الانقلاب الوعرة. وبلغ من تسلط دعاية قوى الثورة المضادة أن اهتزت قوى المهنيين شيئاً فشيئاً، وتملصوا من ثورتهم بالانسحاب من جبهة الهيئات منظمة إثر أخرى. والباقي تاريخ.
إنني لأهيب بكم في قحت وتجمع المهنيين بشقيه أن تحسنوا إلى لجان المقاومة التي لم تكف عن الإحسان للوطن. وآمل أن تتواثقوا بالدفاع عنها عبر مؤسسية تبدأ من اقتراح الإمام الصادق المهدي وحزب الأمة توطنها في أدائها الاستثنائي للديمقراطية من أسفل. ومثلها مما تشتهيه الثورات والمجتمعات وتبذل قصارى جهدها لاستنباته. وينشأ عندنا هنا وبين شبابنا فطرياً بروس كالرذاذ.
ولكم أسمى آيات تقديري لبذلكم في شروط لا أعرف أن أحدقت بحكم في السودان. وهو ابتلاء نسأل الله أن نخرج منه مكللين بوطن مستحق.
المخلص
عبد الله علي إبراهيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.