حذاء صفاء غير قابل للطلاء الثوري
كتبت: رشا عوض
.
هناك أفعال نصفق لها بفرح وسرور تحت وطأة إحباط ما أو غضب ما من شخص او مؤسسة او سلطة، مثل موجة الفرح التي غمرت الاسافير جزئيا على خلفية الحذاء الذي القت به السيدة صفاء الفحل في وجه التوم هجو خلال مؤتمر صحفي لما يسمى”الحرية والتغيير، الوفاق الوطني) ظهر اليوم، وهذا الأمر بالغ الخطورة على ساحة العمل العام، لأنه سيشجع على استخدام اساليب اللعب غير النظيف ما دامت تجد استحسان الرأي العام وما دام الطريق الى الشهرة والبطولة لصحفي او صحفية هو الجرأة على الفعل التهريجي مثل التراشق بالأحذية وليس ما ينجزه في مهنته او ما يكتبه من رأي او ما يحاصر به السياسيين من اسئلة حارقة ومعلومات محرجة كما يفعل الصحفيون عادة.
التوم هجو هو أحد الطحالب الطافية على سطح الأزمة السياسية في بلادنا، شخصية هامشية جدا في مسار الأحداث، وهو الآن يعاني من محنة تجاهله حتى من قبل الانقلابيين الذين اصطف معهم، فالاعتداء عليه لا تترتب عليه خطورة تذكر، فهو ليس البرهان وليس حميدتي، وليس الرئيس الامريكي بوش الابن الذي رماه الصحفي العراقي منتظر الزيدي بحذائه في مؤتمر صحفي عام 2008 فكان الحدث عالميا وأدخل الزيدي التاريخ بحكم وزن الشخصية التي استهدفها الحذاء، التوم هجو شخصية خفيفة الوزن والتأثير حتى من وجهة نظر الانقلابيين والعراك معه من الصغائر الثورية التي لن تحقق مجدا او بطولة ، فلماذا نهدر قواعد السلوك المحترم ونعطي الابواق الانقلابية فرصة تصوير مناصري الثورة كغوغاء معادين للقيم الديمقراطية ولا يجيدون مقارعة خصومهم مع الاحتفاظ بقيمهم؟
مؤسف جدا ان تجد مثل هذه التصرفات غير المسؤولة التمجيد والاحتفاء بوصفها نصرا عظيما! هل تواضعت احلامنا الثورية لهذه الدرجة؟ هل اختلت رؤيتنا لطبيعة معاركنا المفصلية وتعقيداتها لدرجة الاعتقاد ان التوم هجو احد مراكز الثقل الانقلابي واحد الفاعلين الاصيلين في صناعة أزمتنا فنفرح بالانتصار عليه في موقعة “ذات البرطوش”!
التوم هجو وأمثاله فقاقيع سرعان ما ستسقط من ذاكرة التاريخ عندما نصوب أهدافنا بدقة الى مرمى الأهداف ولا “نشتت الكرة” وننشغل بالكومبارس الانقلابي عن “أبطال الانقلاب”!
نحتاج لميثاق شرف غير مكتوب يتضمن الإدانة لأي استخدام للعنف او اي وسيلة من وسائل اللعب غير النظيف في ميادين الحياة العامة على اختلافها: في المؤتمر الصحفي وسيلة مواجهة الخصم هي محاصرته بالأسئلة الحارقة واحراجه بسرد الحقائق التي يرغب في إخفائها! في الندوات الجماهيرية وسيلة الرد طلب فرصة ودحض وجهة النظر التي نختلف معها او إقامة ندوة كاملة تخاطب الرأي العام كما خاطبته الندوة الأولى، طرد السياسيين من الملعب السياسي يتم بوسيلة واحدة هي هزيمتهم في صندوق اقتراع حر ونزيه اما البلطجة والاعتداء على سياسي بالضرب في موكب او ندوة فهذا تصالح مع مشروعية إزاحة الخصم بالقوة ما استطعنا اليها سبيلا وهذه بالمناسبة مشروعية ضمنية نهديها بالمجان للانقلابات العسكرية التي تستخدم القوة في إزاحة خصومها.
من تغزل اليوم في الحذاء المصوب الى التوم هجو فهو يمهد الطريق لسيل من الأحذية التي ستضرب وجوه كثيرين في المستقبل قد يكون هو شخصيا احدهم! من مصلحة التعايش السلمي بين السودانيين وإصحاح البيئة السياسية في وطن مشحون بالصراعات والاختلافات وضراوة التنافس ان نؤسس بحزم وصرامة لضوابط السلوك الديمقراطي وتكريس الالتزام بقواعد اللعب النظيف، وأصدق محك لاختبار الرسوخ في القيم الديمقراطية هو كيفية التعامل مع الخصوم والاعداء والمختلفين.
تظل الثورة بخير ما دامت محتفظة بتفوقها الأخلاقي وبسلميتها، اي حادثة تخصم من هذا التفوق يجب التعامل معها كخطأ عابر يتحمل مسؤوليته من اقترفه وكل ابن آدم خطاء، أما تحويل “الثورية” الى طلاء لتزيين اي فعل مهما كان مفارقا للقيم الديمقراطية فهذا ضرب للثورة في مقتل لو كانت ثورتنا تستهدف بحق تحويل السودان الى دولة ديمقراطية واستبدال الثقافة السياسية المبنية على العنف والإقصاء الى ثقافة ديمقراطية تقدس حقوق الآخرين ولها حدود لا تتخطاها حتى مع ألد الخصوم.
عندما أقدمت مجموعة من شباب غاضبون وفض اشتباك على تفريق ندوة قوى الحرية والتغيير في ميدان الرابطة في شمبات بالبمبان هناك من أسرف في طلاء الحادثة “بالطهرانية الثورية” وتصويرها كهزيمة ساحقة لقوى الهبوط الناعم الذين لفظهم الشعب الثائر!
مرت الأيام وتم تفريق ندوة الحزب الشيوعي بذات الطريقة وأيضا هناك من بحث عن طلاء ثوري للحادثة بمنطق ان الشيوعيين أفسدوا الثورة فتصدى لهم الشباب الواعي!!
لا مخرج للجميع إلا بتكريس “قواعد اللعب النظيف”! فهذا هو الصحيح اخلاقيا والأجدى عمليا إذ ليس من مصلحة الثوار السلميين سيادة منطق العنف والإقصاء لأن الميزة التفضيلية في هذا المربع الشرير يمتلكها تيار الثورة المضادة.
ختاما نتمنى ان لا تصاب الصحفية صفاء الفحل بأي أذى او انتهاك على اساس التعسف في استخدام السلطة، وان يتم التعامل مع الموضوع في حجمه المحدود.