ما زلت بكركاسة
كتب: جعفر عباس
.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي أحسست بأن ضربات قلبي نشاز وعالية، وكأن القلب مزنوق ويريد ان يقفز خارج صدري، فهرعت الى المستشفى حيث خضعت لقسطرة القلب والأوعية الدموية، تم خلالها وضع كركاسة داخل الشريان التاجي لأن نسبة الانسداد فيه كانت 75% والكركاسة هي قطعة مطاطية “رقعة” تحشر في اطار (لستك) السيارة عندما يصاب بثقب كبير وتسمى في لغة الطب دعامة.
كان الطبيب الذي تولى ترقيع شرياني هو نفسه الذي قام بتزويد أمي عام 1997 بجهاز تنظيم ضربات القلب، فخلال زيارتها لنا في الدوحة لاحظت زوجتي أنها تتنفس بصعوبة فاصطحبتها الى عيادة طبية حيث كشف الدكتور على قلبها وصاح: دي جات من وين وكيف؟ فقد كان نبضها وقتها 22 ضربة في الدقيقة، وبعد تزويدها بالجهاز انتظمت ضربات قلبها، وفي ذلك اتصل صديق هاتفيا ليسأل عنها، واستقبل صغيري لؤي المكالمة وأبلغه بأن حبوبة بطاريتها باظت وركبوا ليها بطارية جديدة.
كان أقسى ما في تجربة لزوم سرير المستشفى خلال تلك التجربة الخضوع لفحص الكورونا، فقد أدخلوا عودا طويلا في أنفي وساطوا به مخي وأحسست بوخزة مؤلمة وانتابتني نوبة عطس هزت اركان المستشفى، ولن أنسى تجربة إجراء عملية بواسير في أبو ظبي وكيف عانيت بعدها ولنحو أسبوعين الويل وسهر الليل، وعلى مسؤوليتي فخلع أربعة أضراس عقل في جلسة واحدة بدون بنج أخف وطأة وألما من ويلات عملية البواسير الجراحية، وبعد ان عدت الى عملي عاتبت أصدقائي الإماراتيين لأنهم لم يزورني في المستشفى او البيت، فقال لي أحدهم: انت ما تستحي؟ مسوي عملية بواسير و”تبي” الناس تزورك؟ وعلمت ان العادة عندهم هي اجراء عمليات البواسير كتامي في دول أجنبية.
ذات مرة لزمت سرير المستشفى في الدوحة لثلاثة أيام خضعت خلالها لفحوصات شاملة للجهاز الهضمي، وكان أصعب ما في تلك التجربة تناول طعام المستشفى الذي لا طعم له أو رائحة، ثم تقرر أن أخضع لمنظار للقولون، وقبل موعد المنظار بنحو 12 ساعة يسقونك سوائل تكنس كل ما دخل بطنك طوال أسبوع، وفي نحو التاسعة مساء دخل علي الصديق عبد المجيد طه الحسن حاملا سندويتشين فول بالرغيف البلدي، وهرستهما ثم واصلت شرب السوائل لكنس الفول، وفي صبيحة اليوم التالي بدأ التنظير فإذا بالدكتور يصيح: عجيب .. أنبوب المنظار مو قادر يمر الى التجاويف، فقام بضخ كميات من الماء والهواء الى في تلافيف القولون، وكانت فضيحة فقد كان الفول “عامل ساتر ونقاط ارتكاز هنا وهناك” وتقرر الغاء العملية وحددوا لها موعدا آخر ولكن هيهات.. فقد خرجت ولم أعد.
المهم لا تنزعج إذا كان عزيز لديك سيخضع لقسطرة قلب فهي إجراء بسيط جدا يعقبه إما البراءة من الشبهات او التدخل السريع لاحتواء العلة، أما استئصال البواسير جراحيا فلا تقبل به ما لم يعطوك مورفين لأسبوعين (سمعت ان هناك طرقا جديدة غير مؤلمة لعملية البواسير)، وفي ظروف شظف العيش والمسغبة في السودان يشكو نصف السكان من القولون العصبي، ويمارسون التداوي الذاتي دون الرجوع الى الطبيب، ومكمن الخطورة هنا هو أن هناك امراض قولون شديدة الخطر مثل السراتيف كولايتس والسراتيف بروكتايتيس يتم عند استفحالهما استئصال القولون بالكامل وتزويد المصاب بجراب من البلاستيك يكون وعاء لفضلات الأمعاء.
شفانا الله وإياكم وبلادنا من العلل.