خطر الخطاب العنصري علي النسيج الاجتماعي

0 71

كتب: تاج السر عثمان بابو 

.

 أشرنا سابقا الي خطر الخطاب العنصري علي النسيج الاجتماعي الذي ورد  من محامي الدفاع الإسلامويين في محكمة المخلوع البشير ، فقد ارتفعت  في ثورة ديسمبر 2018 شعارات “حرية – سلام – وعدالة – مدنية خيار الشعب”، كما أكدت علي وحدة السودانيين، ورفض الخطاب العنصري كما في شعار “يا العنصري المغرور كل البلد دارفور”، “من كاودا لأم درمان ، كل البلد سودان” ، وارتفعت رايات الوطنية السودانية ، ورفض سياسة “فرق تسد” التي حاول بها النظام الإسلاموي العنصري الدموي لأكثر من 29 عاما تدمير النسيج القبلي والحزبي والاجتماعي في السودان، وأكد ت علي وحدة وتنوع السودان غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة أو المعتقد السياسي أو الفلسفي، وضرورة التعبير عن ذلك في دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع.

كانت ملحمة الاعتصام أمام القيادة العامة تعبيرا عن وحدة وتلاحم وتضامن السودانيين، والذي تم فضه في أكبر مجزرة ضد الانسانية، تتطلب الاسراع في التقصي والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، وكانت مجزرة فض الاعتصام انقلابا دمويا علي الثورة، وتعبيرا عن استمرار مجازر الإبادة الجماعية وضد الانسانية في دارفور والمنطقتين ، وما جري فيها من حرق وقتل ونهب الممتلكات، وتعذيب وحشي للشباب ، واغتصاب للشابات ، ورمي الشباب وهم أحياء مثقلين بحجارة اسمنتية في نهر النيل، راح ضحيتها حسب تقريرصادر من البنتاغون 1800 قتيل ، و470 أُعدموا، وتم تنفيذ ذلك بقوة تقدر ب 15 الف (المصدر). US Today.

كما كان حصاد 30 عاما من الاستعلاء الديني والعنصري، وقمع حقوق وهويّة الأقليات القومية كارثيا علي قضية الهويّة السودانية التي كانت تعبيرا عن الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي والطبقي والاثني الذي دار منذ بداية الحركة الوطنية الحديثة كما بين ثوار 1924 الذين طرحوا قضية الهوية السودانية أو “شعب سوداني كريم” مقابل “شعب عربي كريم”، باعتبار أن الهويّة السودانية فيها متسع للجميع داخل الوطن الواحد غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق ، وتستوعب التنوع التاريخي والمعاصر لشعب السودان. بالتالي كانت قضية الهويّة شكل من أشكال التبرير الايديولوجي لتكريس الأوضاع الظالمة ، كما فعل الاستعمار عندما أثار وعمّق التعرات القبلية والعنصرية، والانقسام الطائفي ، وخلق طبقات من شبه الاقطاع وكبار الموظفين وزعماء القبائل موالية له، كما عمّق الصراع بين الإدارة الأهلية والخريجين، والتنمية غير المتوازنة بعزل مناطق الجنوب، جبال النوبا، جنوب النيل الأزرق، دارفور، الخ عن الوطن بقانون “المناطق المقفولة”، مما زاد من التهميش التنموي والثقافي واللغوي والديني، رغم ذلك ، استطاعت الحركة الوطنية أن تنهض وتواصل المقاومة حتى تمّ تحرير البلاد من الاحتلال البريطاني – المصري 1956. (للمزيد من التفاصيل : راجع : تاج السر عثمان : الهوية والصراع الاجتماعي في السودان ، دار المصورات 2021 ، ص 94 وما بعدها)..

 لكن بعد خروج الاستعمار ترك تلك القنابل الموقوتة كما في مشكلة الجنوب والتنمية غير المتوازنة، مما أدي لانفجار الحركات في المناطق المهمشة بشكل أكبر بعد ثورة أكتوبر ، ورفض التهميش التنموي والثقافي واللغوي والديني، بعد سير الأحزاب الطائفية والحكام العسكريين في طريق التنمية الرأسمالية والخضوع لشروط البنك وصندوق النقد الدوليين الذي زاد من التحلف وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والتنمية غير المتوازنة، والحل العسكري لمشكلة الجنوب، وعدم الاعتراف بالفوارق الثقافية واللغوية والدينية ، والاستعلاء الديني واللغوي باسم العروبة والإسلام ، مما أدي لتمزيق وحدة البلاد ، وانفصال جنوب السودان.

2 . كان من أخطر الحركات التي مزقت وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي باسم الإسلام حركة الإخوان المسلمين التي اتخذت اسماء مختلفة (جبهة الميثاق، الجبهة القومية الإسلامية، المؤتمر الوطني الذي انقسم منه الشعبي) الذي كرّس الاستعلاء الديني والعنصري، واتخذت الإسلام غطاءا ايديولوجيا لخدمة مصالحها الطبقية والدنيوية..

هذا فضلا عن فساد تجربة ورجعية الدولة الدينية في التجارب المعاصرة مثل : افغانستان والسودان وايران والعراق والتي كانت مثالا لمصادرة حقوق الانسان ونهب وتدمير موارد البلاد الاقتصادية لمصلحة فئات رأسمالية طفيلية قليلة، وفشلها في تقديم أبسط الخدمات مثل: التعليم والصحة والكهرباء والماء .الخ، وافقار الغالبية العظمي من الشعب، وتمزيق وحدة البلاد كما تم بفصل جنوب السودان، وتدمير الآثار الثقافية وإبادة الأقليات القومية ومصادرة حقها الديني والثقافي واللغوي كما فعلت طالبان و”داعش” ، وانتهاج سياسات فتحت الطريق للتدخل الاجنبي وفقدان تلك البلاد لسيادتها الوطنية، وبالتالي لم تقدم نماذج جاذبة لفكرة الدولة الدينية باسم الاسلام.

بعد انقلاب 30 يونيو 1989 الإسلاموي، وباسم الهويّة الحضارية الإسلاموية تمّ نهب ثروات البلاد لمصلحة الطفيلية الإسلاموية، وكانت مصادر النهب وتركيز الثروة من : نهب اصول القطاع العام عن طريق البيع أو الايجار أو المنح باسعار بخسة لأغنياء الجبهة أو لمنظماتها. الخ واصدار قانون النظام المصرفي لعام 1991م، والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني وامتصاص الفائض، مما ادي الي فقدان الثقة في النظام المصرفي ، اضافة الي اجراءات تبديل العملة وتحميل المودعين التكلفة بخصم 2% من ارصدتهم، وحجز 20% من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنية امتدت اكثر من عام ، وانتهاك قانون واعراف سرية النظام المصرفي وكشف القدرات المالية لكبار رجال الاعمال امام تجار الجبهة الاسلامية ، اضافة لتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية والمضاربة في العقارات والاراضي والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية واستيلاء شركات ومؤسسات الجبهة الاسلامية علي مؤسسات تسويق الماشية، وعائدات الذهب والبترول التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار، والتعليم والصحة (استثمارات د. مامون حميدة) والذين اصبحا سلعة ومصدرا من مصادر التراكم الرأسمالي. ومن الأمثلة للنهب : طريق الانقاذ الغربي الذي وصل قمة النهب ، وافقار المزارعين عن طريق نظام السلم أو الشيل والضرائب والجبايات التي لم يشهدها السودان، الا في العهد التركي، اضافة الي أنه من مصادر التراكم والدعم لهذه الفئة : راس المال الاسلامي الذي دخل البلاد في التسعينيات من القرن الماضي، والذي قدرته بعض المصادر ب 6 مليار دولار، وأسهم في دعم النظام ومؤسساته الاقتصادية والمالية والحربية.

(للمزيد من التفاصيل: راجع: تاج السر عثمان: تجربة الإسلام السياسي في النهب وتركيز الثروة، الحوار المتمدن ، 6 / 4/ 2012)..

  الشاهد أن هذه المصادر جاءت تييجة للنهب الاقتصادي والقمع السياسي، بحيث احتكرت الجبهة الاسلامية (المؤتمر الوطني) الثروة والسلطة والعمل السياسي في البلاد، وحدثت أزمة اقتصادية عميقة وتدهور في الأوضاع المعيشية، وتمزيق وحدة البلاد بانفصال الجنوب نتيجة للاستعلاء العنصري والديني ، وأدي لانفجار ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت برأس النظام ، وما زالت الجماهير تواصل ثورتها ضد انقلاب اللجنة الأمنية لنظام البشير حتى تحقيق أهداف الثورة.

بالتالي ، من المهم بعد اسقاط الانقلاب الراهن مواصلة التفكيك الكامل للتمكين واستعادة كل تلك الأموال المنهوبة الذي تم النكوص عنه وعادت الأموال لناهبيها .

منذ تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين ، ادخل العنف في الحياة السياسية والاستعلاء الديني والعرقي، حتي تم تتويج ذلك بانقلاب 30 يونيو 1989م، الذي صادر كل الحقوق والحريات الديمقراطية، واعتقل وشرد وعذب الالاف من المعارضين السياسيين في “بيوت الأشباح السيئة السمعة”، وحول حرب الجنوب، التي توصلت الحركة السياسية لحل لها قبل يونيو 1989م (اتفاق الميرغني – قرنق)، حول الحرب الي دينية، ومارس ابشع عمليات التطهير العرقي في جبال النوبا ، وجنوب النيل الازرق، وفي دارفور، حتى أصبح البشير مطلوبا ومتهما بارتكاب تطهير عرقي في دارفور، بعد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

كما شرد هذا النظام اكثر من 350 الف من اعمالهم طيلة حكمه البغيض، وتلك جريمة كبيرة لاتقل عن التطهير العرقي وتشريد الناس عن وسيلة انتاجهم (الارض)، وكما يقول المثل السوداني(قطع الأعناق ولا قطع الارزاق). اضافة الي فقدان السودان لسيادته الوطنية بسبب تلك السياسات المدمرة، واسلوب المراوغة ونقض العهود والمواثيق، بتوقيع الاتفاقات ، وعدم تنفيذها (نيفاشا، القاهرة، ابوجا، الشرق، ..الخ)

تلك باختصار حصيلة تجربة الاسلام السياسي في السودان الذي قام علي الاستعلاء الديني والعنصري والاثني وقهر الأقليات القومية، وإبادة القبائل الأفريقية ، وتشريدها من قراها، مما يتطلب مواصلة الثورة حنى تحقيق أهدافها في قيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو النوع أو العرق أو المعتقد السياسي أو الفلسفي...

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.