جوزيف أوكيلو: هل “كش” قرنق الجنوب بالولد؟

0 96
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(بعد فجور السلاح في البلد عدت لأوراقي لأرى حكمة من كان خياره غير السلاح لخدمة نفس القضية. ووجدت أنني كتب عن جوزيف أوكلو زعيم حزب يوساب، بقاعدته في جنوب السودان القديم، واستحسنت خياره في المقاومة المدنية. لقد انتهى السلاح بحملته، من شدة تطاول حمله ومشقته دون النصر، إلى التحول إلى ثوار بلا قضية. وها هم يعوسون هرجاً في السودان وجنوب السودان. وسماحة دا بيتوسط يحلحل مشاكل دا. كذّب انتصار الثورة السودانية في 1984 و1985 و2018 بالسلمية والمدنية المسلحين وجعل منه عواطلية محترفي قتل في غاية الخطر. الله لا غز فيكم بركة).
كشف السيد جوزيف اوكيلو، زعيم يوساب، عن وسامة كبري في حديثه للصحافة بعد اتفاق نيفاشا. فقد عتب على خفة السياسيين بالهرولة نحو الحركة الشعبية إما بالعودة على عقب أو بالاندماج (أو الفضول السخيف كما قال زميلنا السر حسن فضل). وقد ننسب هذا التهافت الي الخيبة أو الطمع أو الفرجة. وليس أوكيلو كذلك. فهو، مثل جنوبيون كثيرون آخرون، لم ير (ولا يزال) أن خدمة الجنوب وفدائه مما يحتاجا الي بيعة قرنق، أو خِتمه. فهو يري الحق الجنوبي ناصعاً مثل روما التي تقود اليها كل الطرق. فقد اختار يوساب العمل السياسي بالداخل على اتفاقه مع الحركة في الأهداف الاستراتيجية المعروفة.
وقد زاد اوكيلو ارتفاعاً في نظري لاعتزازه بالنهج الديمقراطي في العمل السياسي. فقد اختار بعد انتفاضة أبريل 1985 أن يعمل بالأسلوب البرلماني. وثبت على خيار المعارضة السلمية على عهد البشير حتى صار رئيساً للتجمع الوطني المعارض في الداخل. لم يستفزه اسلوب الانقاذ في التهزئة المكلفة بخصومها السلميين (في مثل الداير مننا حاجة اليطالعنا بالسلاح) الي ارتكاب تكتيك الحرب المسلحة. وهذا من عزم القادة من الوزن الثقيل الذين يرسمون تكتيكاتهم بواقعية خلافاً لاولئك الذين يستخفهم الكيد، أو نفاد الصبر، فيتورطون في تكتيكات لا قدرة لهم بها. ومن هؤلاء قوات التحالف السو الذين تلاشوا أمس في الحركة الشعبية بعد عمر قصير جداً حافل بالمزاعم الديمقراطية. وقد شقي اوكيلو من شبهات ساسة الشمال المرعوبين وأمنهم حين عاملوه ك “الطابور الخامس” للحركة الشعبية. ولم يزحزحه أذاهم عن خيار النضال من الداخل. ونجا بذلك مما اصاب لام اكول الذي فرط فيما يحسنه، وهو العمل النقابي الجماهيري، واستبدله بالعمل العسكري الذي يضمر فيه الرأي مما لاصبر لأكول عليه. فسوى الدرب ساساقة بين الخرطوم والغابة.
تسود بين الصفوة الشمالية حالياً عقيدة مؤداها أن قرنق قد كش الجنوب ب “الولد”، أو بالحرب. وتجدها تستغرب للجنوبي الذي ما يزال يرفض “الكشة” والاندماج في الحركة. وربما كانت هذه العقيدة، في وجه من وجوهها، ضيقاً بالخلاف السياسي بين الجنوبيين، وهرباً من التعرف علي تاريخه، وطلباً للأمان من مغبة تفرق الجنوبيين شيعاً. وقد ألح محرر الصحافة على اوكيلو يسأله لماذا لم يندمج في الحركة. وحسناً فعل المحرر. فقد كانت إجابات الرجل مسوؤلة. فقد قال إن على الحركة، التي اعتنقت عقيدة السلاح، أن تبرهن للجنوبيين أنها قد تحولت الي عقيدة السياسة. وحين سأله المحرر إن كان يوساب سيقوي على منافسة الحركة في الانتخابات القادمة قال اوكيلو بذكاء إن آخر انتخابات، وهي التي قاطعها قرنق، قد اوضحت مدي قوة حزبه. ولن يتغير الأمر كثيراً في المرة القادمة. وليس هذا حلم حالم. فسيسأل الناخب الجنوبي الحركة الشعبية، متي طلبت صوته، أسئلة كثيرة عن سيرتها المستبدة الدموية في الجنوب وضد الجنوبيين. وستحار جواباً. وسيكون للجنوبي الخيار لأول مرة ان يقول رأيه فيها . . . عديل.
أما أعجب ردود اوكيلو فقوله للمحرر أنه لم يشترك في مساع الوساطة مع مولانا أبل كجنوبي وأنما كشخصية قومية بخبرة طويلة في العمل العام. وقد عجبت لعنايته في الكشف عن الجهة التي مولت نفقات وساطته. وهذه عفة يسقط دونها السياسيون السودانيون تباعاً. فلم يتضح لي بعد 15 عاماً من التحري الجهة التي مولت ندوة أمبو المشهورة في 1989 حتى قرات أخيراً في كتاب لام اكول أنها الحركة الشعبية. وكان أهل أمبو قد أنكروا ذلك حطب.
كيف تذكر أوكيلو الديمقراطية ومستحقاتها في سوق أسلاب نيفاشا وحكم الشائب. يالعذوبة وجدان الرجل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.