الانتخابات نعي للفترة الانتقالية لا استثماراً فيها: درس من أكتوبر 1964

0 51

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

(هذه كلمة من 2020 ناقشت فيها الإمام الصادق المهدي في دعوته آنذاك للانتخابات كمخرج من وعثاء العملية الانتقالية. ورأيت في الانتخابات في شرطنا ذاك قفزة في الظلام لأنها انبنت على إجراء قام على أمل “فضها سيرة”. والأمل كما يقول الخواجات ليس استراتيجية. ويريد دعاة الانتخابات الآن منها أن استكمال إجراءات انقلاب 25 أكتوبر 2021 وانتزاع خاتم استسلام قوى الثورة بصورة نهائية)

يُلَوح الإمام الصادق المهدي بالانتخابات كمخرج آمن من الفترة الانتقالية التي لم يترك لها جنباً ترقد عليه في كلمة أخيرة له. ولا يتفق مخضرم مثلي معه بواقع تجربة مضت في 1965 كان هو نفسه الداعية لاستعجال الانتخابات لإنهاء الفترة الانتقالية بعد ثورة أكتوبر 1964. فلا أعرف انتخابات زادت طين السياسة بلة مثل انتخابات فبراير 1965. فلم يستمع الإمام وحلفه مع الأزهري والإخوان المسلمين لتحذير لجنة الانتخابات من استحالة إجراء الانتخابات في الجنوب الذي توقف فيه تسجيل الناخبين لدواعي الأمن. وبالطبع لم يسمعوا من الحزب الشيوعي والختمية اللذين عارضا إجراء الانتخابات. وتواصى الإمام وقومه على قيام الانتخابات مهما يكن وسد الفرج بانتخابات تكميلية للجنوب في المستقبل. وقاوم الجنوبيون قيام تلك الانتخابات الجزئية ثم قبلوا بها بعد صفقة محاصصة ما.
وكانت المفاجأة أن ترشح نفر من “الجلابة” في الدوائر التي سجل فيها نفر من أهلها. وفازوا بالتزكية. وسموهم بتلك الصفة: نواب التزكية. ولم تعتمد الحكومة فوزهم فقاضوها في المحاكم وانتصروا عليها. وكانت فضيحة بجلاجل: جمعية تأسيسه لوضع الدستور غاب عن مداولتها الممثلون المنتخبون لثلث القطر بتواطؤ ساسة من الجنوب نفسه. وحل محلهم “نواب التزكية”.
ولم تسفر الانتخابات حتى في الشمال عن ثقل يعتد به الفائز بها وهو حزب الأمة. فلم ينل حتى في مراكز نفوذه من الأصوات، متى أخضعنا نتيجة الانتخابات لتحليل احصائي، ما يسند قوله بإنه حزب الأغلبية. ونشر الحزب الشيوعي في جريدة الميدان (12 مايو 1965) مثل ذلك التحليل من بيان صدر عن السكرتارية المركزية للحزب في 10 إبريل 1965.
وخلص الحزب في بيانه إلى أنه لا يصح القول بأن من فازوا في تلك الانتخابات “يتحدثون حقيقة وعلى أسس ديمقراطية سليمة باسم الأغلبية”. كما لا يجوز وصف الهيئة المنتخبة جمعية تأسيسية لوضع الدستور وهي التي صوت لها ربع الناخبين. وانتهى إلى القول إن فوز حزب الأمة لن يثنينا عن مواصلة النضال الجماهيري. فقد جرب ذلك الحزب الفوز من قبل في 1958 وامتحنته الحركة الجماهيرية فلاذ بالعسكر.
وجاء البيان بنقد نبيه لقانون الانتخابات وما ترتب عليه ليبلغ تلك النتيجة. فقال إن القانون أعطي 60 دائرة لدارفور وكردفان بينما أعطى الخرطوم 13 دائرة. وعليه كسب حزب الأمة 33 دائرة في دارفور وكردفان بينما لم يكسب سوى دائرة واحدة في الخرطوم.
وبالمحصلة دخل البرلمان نواب من حزب الأمة لم ينالوا جميعاً أصوات مرشح لم يفز في الخرطوم. فلم يحصل 5 نواب من الحزب في دار مساليت الجنوبية، ودار مساليت الغربية، والدينكا كردفان، ودار مساليت شمال شرق، وكردران (وكردفان الجنوبية؟) في الجملة سوى على 5670 صوت وهو قريب من الرقم الذي حصل عليه السيد عبد الخالق محجوب في منافسة مع إسماعيل الأزهري على الدائرة الجنوبية أم درمان. ولم يفز. وكان مجموع ما حصل عليه 10 نواب من حزب الأمة 1343 صوت بمتوسط 1300 لكل منهم. وإذا نظرنا إلى النواب العشرة الذين حصلوا على أقل الأصوات وجدنا جملة أصواتهم 9287 بمتوسط 928 صوت للواحد منهم. وبالحساب حصل الواحد منهم على أقل من 8% من مجموع المقترعين في دوائرهم. وحصل نواب حزب الأمة الاثنين وسبعين على مائتي ألف صوت بينما سكان دوائرهم 4 مليون نسمة. (شوف الشغل الشيوعي المجنون دا!)
أردت أن نستصحب هذه الخبرة في كساد نهج “زف الانتخابات” لإنهاء فترة للحكم الانتقالي. فالفترة الانتقالية ليست “فاصل ونواصل”. فهي التي، بجانب مقاصد كثيرة، ستجعل بدبارتها الانتخابات ممارسة أنيقة نحو الديمقراطية. فليس دواء “فشل” الفترة الانتقالية المزعوم المسارعة بالانتخابات. وهي مسارعة في الظلام. وانطبق عليها ما قيل عن رجل فقد شيئاً في مكان مظلم ولكنه راح يبحث عنه تحت عمود للنور. فشفاء الفترة الانتقالية في الاستثمار الحسن فيها ما يزال. وسيعض المسارعون للانتخابات بنان الندم لأنها ستكون “جا يكحلها عماها”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.