بدلا من البكاء على مهنية ال CNN

0 60

كتبت: رشا عوض

.

القاسم المشترك بين دعاة التغيير في السودان بكل اشكالهم (جذري، تدريجي، هبوط ناعم ،هبوط خشن ، سلمي ،بالسلاح، ) هو عدم امتلاك اهم الادوات فاعلية في اي مشروع تغيير في زماننا هذا اي الإعلام! حتى الان لا يمتلك السودانيون فضائية مستقلة بالمستوى المهني والتقني الذي ينافس القنوات الفضائية التي يشاهدها المتلقي السوداني ويستقي منها الاخبار والمعلومات والتحليلات التي تخص شأنه المحلي،، بشرط أن تكون الأجندة الرئيسة لهذه الفضائية المستقلة هي خدمة مشروع تحرير السودان من قبضة الاستبداد والفساد وزراعة الوعي الديمقراطي وتوليد وتحفيز الاستنارة الذاتية في الشعب السوداني وبناء اللحمة الوطنية المستهدفة بالتمزيق، لماذا لا نمتلك مؤسسة إعلامية بهذه الأجندة والمواصفات؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغلنا! إذ لا يستقيم عقلا ان نملأ الدنيا سؤالا وجوابا ليس فقط عن التغيير وإنما عن التغيير الجذري ! هكذا معرفا بالف ولام التعريف ونحن لانمتلك منصة إعلامية محترفة تبرز أصواتنا الحقيقية للعالم! وتكون هي المصدر الرئيس لاخبارنا!
ولكننا بدلا من الانشغال بذلك مشغولين بتوجيه المحاضرات المهنية والاخلاقية للسي ان ان! وللغرابة والمفارقة فإن الموضوع الذي كان محور حفلة الشواء للسي ان ان في مواقع التواصل الاجتماعي هو تحقيق نعمة الباقر الذي فضح جزء مما يجري في قطاع الذهب بواسطة العسكر المدعومين من فاغنر!
انا لا أود هنا الدخول في التقييم المهني للتحقيق، ولا الجدل حول ارتباط السي ان ان بالاجندة السياسية للإدارة الامريكية، بل سانظر إليه من الزاوية التي تخصني كمواطنة سودانية مسيسة ذات موقف صارم ضد انقلاب البرهان، حميدتي،، التحقيق ربط السلطة الانقلابية الكاتمة على أنفاس الوطن بروسيا التي بينها وبين أمريكا والغرب هذه الأيام ما صنع الحداد، سوء العلاقة بين الانقلابيين وامريكا والدول الغربية مؤشر إيجابي يجب أن تستثمره الحركة السياسية السودانية الناضجة لصالح معركتها المباشرة مع الانقلاب العسكري،مع التركيز على أن يقظة وكفاءة الجبهة الداخلية هي مفتاح النجاح في تحرير الوطن وبناء ديمقراطيته،، ولكن من شروط هذا النجاح التعامل الذكي مع الخارج، التعامل الذي يستهدي ببوصلة المصلحة الوطنية العليا ويعرف مايجب قوله وفعله في ظرف الزمان والمكان والحال المعين،
المتورطون في الدفاع المبطن عن روسيا عبر الاستخفاف بالسي ان ان ، والانحراف باجندة النقاش الداخلي عن الحقائق التي كشفها التحقيق والمؤشر السياسي المهم في الموضوع برمته وهو ربط السلطة الانقلابية بالاجندة الروسية مما يؤكد استمرار الضغوط الأمريكية ضد الانقلاب، هؤلاء المتورطون اما من مؤيدي الانقلاب او المتواطئين معه وليس على هؤلاء حرج!
واما ان يكونوا من دعاة الإصلاح الكوني الذين يريدون اقحام هذه الأجندة النبيلة بلا شك ، في أجندة الحراك السياسي اليومي لدولة هشة مهددة في وجودها ويصارع شعبها من أجل الحصول على ابسط ضروريات البقاء على قيد الحياة، هؤلاء الدعاة المخلصون الطيبون لن يفيدوا هدف إصلاح الكون في شيء، لأنهم ببساطة لا يستطيعون إلى ذلك سبيلا،ولكنهم سيخربون بل ينسفون هدف إصلاح اوطانهم،بل انهم سيخدمون دون قصد أجندة الطواغيت الصغار في اوطانهم ويسدلون على هؤلاء الطواغيت السفاحين الفاسدين اثواب البراءة الناصعة البياض، التي تصد عن محاربتهم! فهؤلاء يقولون بلسان حالهم: معركتنا ليست مع من يسرقون مواردنا ويهربونها ولا مع الدولة المتورطة بشكل مباشر في تمكين الانقلاب العسكري في بلادنا، بل معركتنا الرئيسية هي كشف الثغرات المهنية في تحقيق السي ان ان ومن ثم كشف الثغرات في السياسة الامريكية منذ إبحار كريستوفر كلومبوس عبر الاطلنطي حتى هذه اللحظة! وإثارة الغبار الكثيف حول حقيقة ان الضغط الدولي الوحيد المساند للشعب السوداني ضد الانقلاب صادر عن أمريكا والدول الغربية، وأن الدعم السافر والوقح للانقلاب الحالي صادر عن روسيا وعن دول في محيطنا الاقليمي لولا الضغط الأمريكي والغربي كانت شكلت بنفسها حكومة اراجوزات مدنيين وسلمتها جاهزة للانقلابيين.
كل هذا لا يعني الاتكاء الكسول على أمريكا والغرب،ولا يعني السذاجة او الرومانسية السياسية التي تفترض ان ما يحرك السياسة الامريكية والغربية هو ثوابت اخلاقية منزوعة المصالح ومعزولة عن معطيات الواقع وحساباته المتغيرة بطبيعتها، بل المطلوب هو التعاطي العقلاني مع المحيط الدولي والاقليمي انطلاقا من منظور المصلحة المباشرة للشعب السوداني، وفي هذه اللحظة التاريخية اكبر مصلحة للشعب السوداني هي هزيمة الانقلاب العسكري وفتح طريق التحول الديمقراطي، ولذلك تصنيف الحلفاء والاعداء يجب أن يكون على اساس المواقف العملية الملموسة لأي دولة من الانقلاب، فلا يستقيم عقلا في هذا الظرف الدفاع الصريح او المبطن عن روسيا! وتوجيه خطاب عدائي لامريكا والدول الاوروبية الغربية! هذا يستعصي تفسيره الا بمنطق الايدولوجيات العروبية او الماركسية او الاسلاموية التي تقوم عقيدتها على الكفر المطلق بأمريكا والغرب ايا كانت الظروف والملابسات!
اتمنى ان نتجاوز كسودانيين الدروشة الايدولوجية في موضوع علاقاتنا الخارجية، بنفس القدر علينا أن نتجاوز الرهان على الداعمين الأجانب بشكل مطلق ،وأن ندرك ان ما نفعله نحن في سياستنا الداخلية وفي اصطفافنا السياسي العقلاني والمؤهل لحماية بلادنا والنهوض بها هو مربط الفرس،وهو العامل الحاسم في استفادتنا من دعم الحلفاء الذي يمكن ببساطة ان نفقده في رمال السياسة المتحركة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.