حتى نعلاتنا صارت كل فردة من بلد

0 56
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(قال أحد متضرري السيول من المناقل قبل أيام إن المواطن لاقى الكارثة أعزلا من الحكومة. يا للبلاغة. وكان تجريد المواطن من الدولة قديماً فينا. بل وربما تجريده من السياسة إذا اعتبرنا أداء معارضة الإنقاذ في المحنة. وكتبت هذا المقال في أغسطس 2013 بعد كارثة سيول وفيضانات ضربت البلاد. ولا زيد عليه هنا سوى التنويه بلفتة المقال الباكرة لما كان يعتمل في صدور شبابنا إزاء المحنة حتى عززوا الشعب بالحكومة في ثورة ديسمبر: وما يزالون).
لا أعرف كلمة عبرت عن حال الحكومة خلال محنة السيول الراهنة مثل كلمة “وجوم” التي جاءت عند أحد الصحفيين. فحتى إعلامها أدار كاميراته للجهة الأخرى عن المصيبة. واستغرب محمد لطيف محقاً كيف جلل الحزن التلفزيون لوفاة نفر كريم في طائرة الدلنج في عيد الفطر الماضي ولم يسعفه الحزن والمطر قد “كشف حالنا” وعرى بيوت الفقراء والمساكين من السقوف. ثم لما غلبت الدولة حيلة أقبلت تلوم الناس لخراقتهم التي كسّرت بيوتهم. ونجم الموسم في لوم الناس كان الباشمهندس حسن همت في ولاية الخرطوم. وبلغ الوجوم منه مبلغاً أنه أعطى رقماً جزافياً للبيوت المهدومة صححه الوالي شخصياً. وعاب على الناس بناء بيوتهم في مجرى السيول مثل مدينة الفتح في أم درمان. فتحداه معتمد أم درمان أن يثبت عند قوله. ونبه لباشمهندس إلى أن ينظر الناس إلى إنجاز ولاية الخرطوم مثل حدائق 6 إبريل. الزول دا بصحو! واستقل همت عدد الضحايا: فما موت 19 مواطناً في مقياس أمريكا التي يهلك فيها المئات كلما أمطرت السماء.
وكان وجوم المعارضة الرسمية في “انتهاز” المصيبة لتبرهن للمرة الديشيليون أن حكومتنا كارثة مثل القرية المشهورة التي أنذرت أمريكا كثيراً ولم تسمع التحذير. فلم يستغرب كمال عمر هوان الناس عند حكومة: فصلت الجنوب وأشعلت حرب دارفور ومن ديك وعيك. والتزمت المعارضة في مؤتمر صحفي بفتح دارها لإيواء المتأثرين وإقامة غرفة طوارئ للمتابعة والرصد. ولم يسمع أحد عن أي من الخطتين. ولم يرد عن الأحزاب ذكر لفروعها في الأحياء وتبعاتها. ولربما أحكم ما قال كمال عمر إن الحكومة ما كانت لتغيب عن المشهد كما فعلت لو شمت رائحة مظاهرة ساكت. واستغربت لياسر عرمان يطالب الحكومة بإعلان حالة طواريْ كأن الفينا ما مكفينا. وذكر في بيان عن الكارثة أن من بين الضحايا “عائلة بأكملها تتكون من 8 أفراد من جنوب السودان”. وياسر لا ينسي وربما لا يغفر. رحمهم الله
لقد سبقني من هم أقرب إلى أداء جماعة “نفير” إلى تزكيتها. وأسعدني أكثر أنها تجنبت وحل “النجومية” بقولها إنها حالة سودانية وأنها غرس شبابي له جذور غراء. وهذا وعي أريحي. فبالأمس فقط كنت أقرأ عن الهيئة الشبابية بأبو قوتة التي صانت مدارس القرية وأعانت في برنامجها السنوي محدودي الدخل بمدراس المنطقة بالكتب والكراسات والشنط بعد دراسة دقيقة للحالات. وقس على ذلك. وددت لو أتجهنا بكثير من إشادتنا ب”نفير” إلى الدولة لتوفير مناخ ديمقراطي أفضل لإداء الشباب ليسفر عن أنبل ما فيه خدمة للشعب. والبداية بالطبع أن يكف الأوصياء عن نقر كل تحرك شبابي بأصبع الاتهام (كمشتري البطيخ) ليعرف إن كان أحمر شيوعيا. وهذا زمان فات.
هزني موقفان بجانب عبقرية “نفير”. أولاهما عزة غمار الناس في المصيبة. فهم يطولون ويعرضون. فرفض أهل الكرياب تصويرهم وهم على بأساء مجهولة. فقد سئموا أن يكون غاية عونهم صوراً في غيبة المسؤول وحتى المحسنين. قالوا: الجاتنا من السما ونحن بنحملا. ما تصوورو، ما تتاجرو بينا. ما ترمو الإعانة في الأرض عشان نلقطها. أدوها لجنة الطواريء الكوناها. من الله وما بنشحد.
أما الموقف الثاني فشائب تهدم بيته ووجده الصحفي يبني راكوبة يأوي إليها عياله. نظر الرجل خلال حديثه مع الصحفي إلى حذائه: “وقال” “يا ابني حتى نعلاتنا أصبحت كل فردة من بلد”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.