مظاهرة الفلول.. وليل الأفول!!

0 68

كتب: د. عمر القراي

.

“يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ“. صدق الله العظيم
فرح الإخوان المسلمون حين رأوا حشداً كبيراً في استقبال الطاهر أيلا، أحد ولاتهم السابقين، وآخر رئيس وزراء العهد المُباد. وبدلاً من أن يعلموا أن ذلك الاستقبال كان أمراً قبلياً، قام به أهل أيلا وقبيلته، وهو أمر بديهي، وقد أشار إليه معلقون سياسيون؛ ولكن الإخوان المسلمين لجهلهم بهذا الشعب ظنوا أنه نسي ما فعلوه به، وأنهم يمكن أن يعودوا مرة أخرى، بعد أن يطلوا عليه أكاذيبهم باسم الدين، حتى يتمكنوا مرة أخرى من رقاب الناس ويسومونهم سوء العذاب.
ولأنهم رأوا أن الفريق البرهان يمكن أن يعقد اتفاقاً مع عناصر أخرى ويلفظهم، وذكر بعضهم أنه قال لهم إنكم ليس لديكم وجود في الشارع، أخرجوا مظاهرتهم الهزيلة. لقد اضطروا أن يتنازلوا عن بعض أموالهم التي نهبوها من هذا الشعب، وهذا أمر شاق على نفوسهم، ليدفعوا لشيوخ الخلاوى، ويأجروا الباصات، ويحضروا الوجبات، ثم يدفعوا ثمن التكنولوجيا التي وفرها لهم (الكفار)، ليستعملوا (الفوتوشوب) ليكبروا حجم مسيرتهم زوراً وبهتاناً.
هذه المظاهرة التي تمت يوم 29 أكتوبر الماضي، كانت مدفوعة الأجر، وقد فتحت لها كل الكباري، والتقطت الصور لأطفال الخلاوى ينقلون بالباصات، وهم من جعلهم ذووهم أمانة في عنق الشيخ، ليحفظهم القرآن الكريم، فإذا به يبيعهم في سوق السياسة، لمساندة قوى الظلام والفساد، ويقبض الثمن من أموال الفلول المنهوبة من الشعب. فلا راعى حرمة الأمانة، ولا تورع عن أكل المال الحرام. هذا مقرئ القرآن، (ورب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه).
الشرطة بدلاً من أن تضرب المظاهرة بالغاز، والرصاص المطاطي، والرصاص الحي، كما ظلت تفعل مع جميع المظاهرات التي يقودها شباب المقاومة، قامت بحراسة موكب “الزواحف” بالدراجات والعربات التي تحمل رجال شرطة يرقصون فرحاً بموكب الفلول. بئس الشرطة حين تتحول من أن تكون في خدمة الشعب، لتصبح في خدمة الفلول. وحين حضرت عربات “الساندوتشات” جرى المتظاهرون نحوها وتركوا هتافهم وتكبيرهم، هجموا يتدافعون نحو الأكل، كما أظهرت بعض الصور التي رفعها النشطاء. ومن أبلغ الردود على مظاهرة الفلول، يافطة حملها بعض الشباب في مليونية يوم 30 أكتوبر، كتب عليها: “عندما كنتم تبحثون عن الموز والطحنية، مات رفاقنا بحثاً عن الحرية“.
لقد أخرجت مظاهرة الفلول خبائث الأرض، فها هو محمد علي الجزولي، الداعشي المهووس، الذي كان ينادي داعش لتجتاح الخرطوم، وكان يشيد بها في وعظه لطلاب وطالبات جامعة مأمون حميدة، حتى التحق بعضهم بالفعل بداعش، وقتلوا في سوريا وليبيا، وظل هو في الخرطوم يدير مصالحه، التي منحها له نظام البشير، اليوم أصبح من زعماء الفلول وقادتهم الذين يفاوضون قمة السلطة.
ملأ الجزولي الدنيا صياحاً بالدعوة إلى مظاهرة الفلول، وذكر أنهم سيخرجون ليوقفوا الاتفاق بين البرهان وقوى الحرية والتغيير، رغم أنه يعلم أنه ليس هناك اتفاق، فقد أوهم الناس أنه على اتصال بقمة السلطة، وكتب: “اتصلت به، فقال إنه لم يتم التوقيع على أي شيء، وإن هناك خلافاً كبيراً في مسألتين جوهريتين“. ولما نفى الناطق باسم القوات المسلحة ذلك في بيان رسمي، جاء فيه: “لم يتم أي اتصال مباشر أو هاتفي بين السيد القائد الأعلى للقوات المسلحة ود. محمد علي الجزولي أو أي شخص آخر … كل ما ورد من حديث على لسان د. محمد علي الجزولي لا أساس له من الصحة“. كتب الجزولي في صفحته: “أنا لم أقل اتصلت بالبرهان“.
ولكنك تعلم حين قلت اتصلت (به)، أن الناس فهموا أنك تقصد البرهان، وتركتهم على هذا الفهم، وهذا كذب وتضليل. أم أنك لا تدرك هذا المستوى من الصدق الذي يجعلك مسؤولاً ليس عن مجرد حرفية كلامك، وإنما أيضاً عما يبعثه في نفوس السامعين.
كما خرج علينا دجال آخر، يُدعى ناجي مصطفى، يدّعي أنه خبير في كل شيء، ولم يطلع الناس أين درس، ومن أين جاء بهذه الشهادات التي يدعيها. هو مثل الجزولي، الذي يزعم أنه دكتور، ولا يذكر الجامعة التي أعطته الشهادة المزعومة. هذا الناجي العجيب، خرج في فيديو يخاطب لجان المقاومة، بعد فشل مظاهرة الفلول، قال لهم: “نحن وأنتم مطالبنا واحدة، كلانا يريد ذهاب العسكر، وكلانا يريد انتخابات حرة. نحن نتفق معكم في شعاراتكم: لا تفاوض، ولا شراكة، ولا مساومة. فلماذا نخرج أمس وتخرجون اليوم؟! لماذا لا نتفق ونخرج مع بعض؟!”.
هذا نفس ناجي مصطفى الذي أيد انقلاب البرهان، وسانده وهو يقتل هؤلاء الشباب، الذين جاء اليوم يستعطفهم ليكبر بهم كوم الفلول. وكان في فيديو سابق يهتف بأعلى صوته: ”حكم العسكر هو البتشكر“. إن آفة الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون في أنفسهم الذكاء، وفي الآخرين الغباء، وهذا في حد ذاته مستوى من الغباء يوجب الرثاء.
كما خرج لنا خبث آخر، ومنافق آخر، هو أنس عمر، تحدث في قناة (الجزيرة)، وقال: ”نحن حكمنا 30 عاماً من النعيم ومن التنمية، وعيشنا الشعب في جنة. اسأل أي مواطن حيقول ليك كده”. هذا نفس أنس عمر الذي كان يحرض قوات الجيش والدفاع الشعبي على قتل المواطنين السودانيين في دارفور، ويقول: “ما تقتلوا الواحد من ديل بالرصاص، الطلقة يا جماعة بي 7 جنيه، دا ما بستحق نخسر فيه 7 جنيه، ما بساوي ثمن الطلقة، قطعهوهم وخلوهم تأكلهم الصقور، ما تدفنوه“.
ثم إن هناك أستاذاً جامعياً، كان وزيراً للتعليم العالي، وأصبح رئيس البرلمان، هو بروفيسور إبراهيم أحمد عمر، جاء عنه: “في محاكمة انقلاب يونيو 89، جاء إبراهيم أحمد عمر بتقرير طبي، قال إن قلبه شغال بنسبة 10%، وتم إعفاؤه من المثول أمام القاضي حفاظاً على حياته. اليوم طلع يصيح“، (مقال لبشرى أحمد علي في الواتساب). وكان هتاف إبراهيم أحمد عمر في المظاهرة هو: “خيبر خيبر يا يهود .. الإسلام سوف يعود“، هذا الهتاف نفسه، كان هتاف الإخوان المسلمين حين سقطوا في انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1979م، وكان د. إبراهيم أحمد عمر آنذاك أستاذاً بكلية الآداب. أي إسلام هذا الذي يحثكم على الكذب، والحقد، والفجور في الخصومة؟! وأي يهود أكثر منكم سوءاً وشراً وخبثاً؟!
إن مظاهرة الفلول المدعومة سقطت وفشلت، وظهر صغر حجمها، عندما جاءت مظاهرات الثوار في اليوم التالي، وقطع الإنترنت، وقفلت الكباري بالحاويات، وأمتلأت سماء الخرطوم بالغاز، وصوت الرصاص. لقد خرجت معظم مدن السودان تزلزل الأرض تحت أقدام الثوار، شاركت فيها النساء والرجال والأطفال، وخرج المعاقون يحملون يافطة كتب عليها، بالخط العريض: “نحنا المعاقون في الحواس ضد المعاقين في القيم“. فهل فهم الإخوان المسلمون، أم منعتهم إعاقتهم أن يدركوا أنهم أن خرجوا من قلوب السودانيين، وأنهم الآن في الثلث الأخير من ليل الأفول؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.