تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات – لندن
.
تقديم:
أعلنت قوى الحرية والتغيير التوافق الوطني (الحركات المسلحة الموقعة على جوبا) عن تحالف سياسي جديد باسم “الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية ” بمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وحزب البعث السوداني والحزب الجمهوري ولجان المقاومة علاوة على مكونات دينية أهلية أخري.
مقترح التحالف حول الدستور:
أعتمد تحالف الكتلة الديمقراطية الوثيقة الدستورية التي كانت أساس الشراكة السياسية بين المكون المدني والعسكري في الفترة الانتقالية مع إضافة بعض التعديلات عليها.
احتوت التعديلات على حذف اسم مجلس السيادة الانتقالي واستبداله بـ “السلطة السيادية” تتولى المهام السيادية في البلاد.
وأشارت المسودة إلى أن مهام الفترة الانتقالية تتمثل في معالجة الأزمة الاقتصادية دون أن تشير لموقفها من النظام القديم ومؤسساته. وتضمنت بنود لتنفيذ اتفاق السلام واستكماله ومعالجة أوجه القصور في مسارات الشرق والوسط والشمال والالتزام بقيام منبر جامع لقضايا شرق السودان تشارك فيه كل مكونات الإقليم وتضمن مخرجاته في الوثيقة الدستورية الانتقالية بعد شهر واحد من تشكيل الحكومة المدنية بما يعني تأمين مكاسبهم..
اقترحت التعديلات تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة برئاسة القائد العام للجيش وتمثل فيه الأجهزة النظامية الأخرى , يتولى مهام حماية البلاد والالتزام بالوثيقة الدستورية ودعم التحول الديمقراطي فضلاً عن مجلس الأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء ويمثل فيه قائد الجيش والحركات المسلحة وجهاز المخابرات دون أن يشير إلى وضعية قوات الدعم السريع التي أوصت بدمجها في القوات المسلحة.
أقرت الوثيقة احتفاظ الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام بنسبة 25% من السلطة التنفيذية والتشريعية وشددت على عدم تعديل الوثيقة بما يخالف اتفاق جوبا إلا بموافقة الأطراف الموقعة عليه..
التحليل:
تنبع أهمية التحالف الجديد في أنه يشكل بديلا آخر لمشروع التسوية السياسية القائم على مبادرة لجنة المحامين للدستور الانتقالي , الذي يمثل تصور قوي الحرية والتغيير – اللجنة المركزية- للحل السياسي المدعوم و المسنود من الآلية الثلاثية (البعثة الأممية والايغاد والاتحاد الافريقي) ويحظى بدعم مباشر من محمد حمدان حميدتي قائد الدعم السريع.
التكتل الجديد يمثل تحالف التقاء المصالح لقوى سياسية ومجموعات سودانية مؤثرة وقوى إقليمية ترى في مشروع الدستور الانتقالي وأطرافه المتمثلة في قوى الحرية والتغيير اللجنة المركزية والدعم السريع مهددا لمصالحها وامتيازاتها وتوازنات القوى الإقليمية في المنطقة , فالحركات المسلحة تبحث عن تأمين اتفاقها الموقع في جوبا وموقعها في السلطة المهدد بالتجميد أو بالمراجعة للاتفاق وفق مشروع دستور الحرية والتغيير ,بينما قوى النظام القديم ترى في عودة قوي الحرية والتغيير للسلطة خطر على مؤسساتها المالية وتواجدها في جهازي الدولة العسكري والمدني وانتكاسة للنجاحات التي حققتها بعد قرارات البرهان في 25 أكتوبر , أما الجيش فهو يرى في هذا التحالف إنقاذ له من مقصلة دستور الحرية والتغيير الذي يقلل و يحجم من تأثيره في السلطة ويصادر شركاته المالية ويتيح وضعية أكثر مرونة لقوات الدعم السريع المستهدف الأول بهذا التحالف الذي تم تدشينه بحضور ومباركة مصرية وتشادية باعلي مستوي دبلوماسي عشية الإعلان في إشارة لتحفظات الدولتين على التأثير العسكري والسياسي المتنامي للدعم السريع وتمدده على مفاصل الدولة واتهاماته بدعم المعارضة التشادية المسلحة وتوفير مظلة امنة لقوات “فاغنر” والروس في تنقيبهم عن الذهب و مخططاتهم التوسعية في وسط وغرب أفريقيا .
الجديد في هذا التحالف تواجد قوى سياسية فاعلة ذات حضور تاريخي في الساحة السياسية وعلاقات إقليمية ودولية، مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي وقوى سياسية أخرى مثل الحزب الجمهوري وحزب البعث السوداني المتهم من قبل الخصوم انه أحد أذرع مدير المخابرات الأسبق صلاح قوش، بالإضافة للقوي الموقعة على اتفاق السلام. هذه التركيبة قد تشكل حاضنة مثالية للعسكر، وستمكن البرهان من إعلان حكومة الأمر الواقع والدعوة لانتخابات مبكرة تنهي ازمة الشرعية في البلاد وكل اشكال الحصار الاقتصادي على سلطة ما بعد 25 أكتوبر في حال تمسك قوي الحرية والتغيير برؤيتهم في مشروع الشراكة الجديدة.
تحالف الكتلة الديمقراطية الجديد وضع البعثة الأممية في موقف لا تحسد عليه، خاصة بعد ارتفاع الأصوات المنتقدة لدورها في السودان لدرجة وصفها بالضعف وعدم الحياد، مما قد يهدد بقاء مديرها في المشهد بعد أن فشلت مبادرته حتى الآن في إيجاد مخرج لمشاكل المرحلة الانتقالية.
الخلاصة:
يساعد هذا التحالف الجديد الفريق البرهان ومن خلفه الجيش والإسلاميين وبعض القوى الكبرى في الحركات المسلحة، في إعادة السيطرة على مجريات الحياة السياسية، بعد أن فقدوها لصالح قوى الحرية والتغيير اللجنة المركزية التي أوشكت على إعلان حكومتها بمساعدة البعثة الأممية عبر الالية الثلاثية.
ينقل الإعلان السياسي الجديد العلاقة بين الدعم السريع والجيش الى مربعات أخرى، تبدأ بدفع الحلفاء المفترضين للطرفين الى الصدام في صراع الهويات حول الامتيازات قبل المعركة الأساسية المباشرة، والتي تهدف لاستئصال نهائي للقوى المسلحة في الهوامش الجغرافية التاريخية بما فيها قوات الدعم السريع.
كان للتواجد المصري والتشادي والواضح في قاعة اعلان التحالف الجديد، دلالات مهمة على رعاية مصرية كاملة لهذا التحالف، دون ان تقطع القاهرة تواصلها مع القوى المؤثرة في مكون الحرية والتغيير – اللجنة المركزية، وخاصة حزب الامة الذي كانت قيادته الاولى نهاية الشهر الماضي في ضيافة الدولة المصرية الى جانب قوى سياسية اخرى.
ما لا يدركه أصحاب الوصفة الجديدة للحل، أن مخارج الحلول المقترحة، تحمل في ثناياها بذور فشلها كما حصل في كل المقاربات منذ الاستقلال إلى اليوم، والتي افضت الى انقسام جنوب السودان، ومن الممكن ان تسير الى انقسامات أخرى تهدد الأمن القومي العربي والإقليمي. ولعل المفارقة الكبرى هي أن هذا الحل يعكس تضارب المواقف الامريكية من الازمة السودانية، فهي من جهة تدعم وجود حكومة مدنية وترجح في ذلك موقف قوى الحرية والتغيير اللجنة المركزية، لكنها في ذات الوقت، تعلق كل مقاربات الحلول للازمة السياسية والاقتصادية للسودان على عقدة قوات الدعم السريع، وتحالف قائدها حميدتي – كما يرددون على الدوام – مع موسكو وذراعها العسكري الفاعل، قوات فاغنر.
بهذا الاقتراح تدخل الأزمة السودانية طورا جديدا لتحولات عميقة في دور المؤسسة العسكرية في العملية السياسية التي ظل فشل القوى السياسية يستدعيها على الدوام لتلعب دورا جديدا، باسم إنقاذ البلاد، في حراك دائري منذ الاستقلال وحتي اليوم ، فشلت كل النخب السياسية في إيقاف نتائجه الكارثية.