أكتوبر ١٩٩٩في قضائية أب سبيحة: يوم قال الترابي ما فيش فايدة يا صفية غطيني

0 136
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
من أكثر المزاعم فساداً قول قانونيين في صف الثورة أن مكان مساءلة الإنقاذ على لصوصيتها هي القضاء. ولا أدري كيف استقام لهم هذا الزعم وهم من ملأوا الفضاء بتمكن الإنقاذ من القضاء (وكل مؤسسة أخرى) وسيطرة كادر الإخوان المسلمين على مفاصله. كانت تلك سذاجة بدأ لي أن المصابين بها لم يقرأوا كلمة أدري لورد: “أدوات السيد لا تهدم بيت السيد”.
وخرجت حملة أب سبيحة الانتقامية من الثورة فشلعت قرارت تفكيك الإنقاذ من هذه الغفلة عن قضائية تأسست على الطاعة للإنقاذ. بل لعل أهم جوانب هذه الحملة هو فزع قضاتها وقد نالهم رأس سوط التفكيك. وصدرت القوائم من لجنة التفكيك غُفلاً من حيثيات الفصل. ومن راي مولانا محمد الحسن محمد عثمان وعبد القادر محمد أحمد المحامي أنها حيثيات للطرد من الخدمة غراء مقنعة حتى سأل مولانا محمد الحسن لجنة التمكين عن سبب اخفائها حتى بدا القضاة المستعادون للخدمة أبرياء اعتدت عليهم لجنة التمكين خلال أدائهم لأعماله.
وأعيد نشر هذا المقال عن قيام القضائية مؤسسياً على باطل الإنقاذ في مناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لحكم الدائرة الدستورية في المحمكة العليا لصالح المخلوع عمر البشير دون المرحوم حسن الترابي في صراع القصر والمنشية في آخر العقد العاشر من القرن الماضي. وأرادت الكلمة الكشف عن باطل الإنقاذ الذي نزع عن القضائية مروءتها كسلطة وحولها إلى وظيفة مجزية جداً.
أكثر نباح قضاة ثورة الروب المضادة، كما قال وجدي صالح، خوفاً على ضيلهم. وستخرج الحيثيات وتسود وجوه: الذي جاهد والذي سير “زاد المجاهد” للقصر الجمهوري.
تمر اليوم (١٢ أكتوبر) الذكرى الثانية والعشرين ليوم كريه من أيام القضائية. فحكمت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا في ذلك اليوم لصالح المخلوع البشير ضد شيخه حسن الترابي في الصراع المعروف بصراع القصر والمنشية. فكان النزاع تصاعد بينهما فلجأ المخلوع لحسمه بما عرف ب”قرارات الرابع من رمضان”. فحل بموجبها البرلمان الذي كان الترابي على سدته لتحتله قوات سلاح المهندسين. وتمنع الترابي من دخوله. كما جمد مواد في الدستور تتعلق باختيار ولاة الأقاليم بالانتخاب.
وكا ذلك تجاوزاً للدستور صرفته المحكمة الدستورية بأنه “أمر رئاسي فوق الضرورات، فوق القوانين” في عبارة للترابي في معرض قوله بأن العسكر لا عهد لهم وقضوا على القضاء. وقال إنه كان زاهداً في اللجوء للقضاء لأنه شديد سوء الظن به ويعرف قادته عن كثب واحداً واحداً. بل قال إن البشير التقى برئيس القضاء الذي قال له أفعل ما تشاء وسأدبر الأمر. وقام بالطعن في قرار المخلوع رفقة الترابي حين كره أن يفعل ذلك بنفسه سقماً.
وكيف لمثل المخلوع ألا يأمر ويطاع في سلطنته وبين قضاته وقد صار بقانون الهيئة القضائية مخدماً لهم وهم الخدام. فلا يعين عامل قضائي في أقصى الأرض إلا وكان له يد في ذلك. فأقرأ من القانون لا تلك الفرعونية الثمودية للمخلوع فحسب، بل استخذاء الخدام لا يملك الواحد منهم أمر نفسه ويفتي في أمر الناس:
الفصل الخامس: تعيين القضاة وعددهم ومرتباتهم وترقياتهم وتنقلاتهم وأقدميتهم تعيين القضاة. 18ـ يعين رئيس الجمهورية رئيس القضاء ونوابه وقضاة المحكمة العليا وقضاة الاستئناف وقضاة المحاكم العامة والقضاة الجزئيين ويعفيهم من مناصبهم.
وامتثلت المحكمة الدستورية كثيراً للإرادة التنفيذية ممثلة في قانون الأمن والمخابرات الوطني. ونعرض لواقعتين لم تملك الدستورية قولة بغم بحق معتقلين في براثن الأمن. فقال حزب المؤتمر السوداني المعارض، إن المحكمة الدستورية رفضت طلباً بالإفراج عن رئيسه عمر الدقير والمحامي محمد الحافظ بغرض عرضهما على طبيب. وأشار البيان إلى أن الحزب سبق وأعلن توافر معلومات موثوقة حول تدهور الحالة الصحية للدقير لإصابته بالتهاب في العين. كما يعاني الحافظ من مرض السكر ويتابع حالته طبيب خاص لسنوات داخل وخارج السودان. ورفضت المحكمة الطلب مع لا قانونية اعتقالهما بنص قانون الأمن نفسه. فكانت انقضت، عند طلب الافراج عنهما، مدة الاعتقال (١٥ يوما) ومدة التجديد (٣٠ يوما). فكأن المحكمة الدستورية تقول لو عضك الأمن فلن تخرج إلا أن يصيح جبريل، أو ترضى عنك السلطة التنفيذية أيهما أقرب.
أما الواقعة الأخرى فمحبطة و”تُقَنِع” في خيراً في الدنيا. فلم تأذن المحكمة الدستورية فيها لهيئة الدفاع عن الأمير عبد الرحمن عبد الله نقد الله وآخرين لمجرد لقائهم في حظيرة الأمن في القضية (م.ع/ع.د/7/1998 عبد الرحمن عبد الله نقد الله وآخرين //ضد// جهاز الأمن العام) وهي رخصة لا تنتطح فيها عنزان لو لابد طالما قلنا بالحظيرة.
وكان محامي المتهم غازي سليمان قد طلب من المحكمة الدستورية السماح لمقابلة هيئة الدفاع الأمير نقد الله ومعتقلين أخرين إعمالاً لنصوص العدالة في هذا الخصوص. ورفضت المحكمة الدعوى بحجة أنها، مع أنها محكمة ابتدائية تنظر في الدعاوى، “إلا أنها ليست محكمة ذات سلطات لإصدار أوامر تحفظية” مثل التي طلبها الادعاء. فالإجراءات الوقتية حسب قانون الإجراءات المدنية تصدر عن محكمة تبحث الأمور لأول مرة. وهذا بخلاف المحكمة الدستورية التي تنظر في دعاو عن حقوق انتهكت يتبعها ادعاء بحماية الحقوق الدستورية. فإذا اتخذت المحكمة الدستورية إجراء وقتياً عنى ذلك التدخل في قرارات وأفعال صادرة من جهة أخرى قبل الفصل في المشروعية”. ووجهت المحكمة الطاعن للاحتجاج على سلطة الاعتقال التحفظي مما يتظلم المرء منه إلى رئاسة جهاز الأمن مباشرة، أو إلى مستشار الجهاز القانوني، أو القاضي المختص.
لم أفهم كثيراً من هذا “الحنك”. ولا أعرف إن كان هذا لعدم الاختصاص في العلم أو لأنه مجدور العبارة. ولكنني شهد الله لو كنت القاضي وسطهم لأخذت المرحوم غازي بيدي كشلك كشلك ليرى المرحوم المتهم الأمير رجالة كدي. ولكنت تركت القانون كي والشريعة كي، في قول إداري أهلي بالنيل الأبيض، وفضضت المسألة وعلى الطلاق ساكت. جبانات!
وفي ذلك المناخ المكفهر بخيلاء السلطة التنفيذية على القضاء أفرخ الناهزون زلفى للحكومة وحزبها. وجاء مولانا عبد القادر محمد أحمد منذ أيام بصور من وقوف بعض القضاة للسلطان “بكسر نفس وتخفيض وتهوين”. فأعاد سيرة هؤلاء القضاة في الهيئة. ففتح بعضهم مكاتب داخل السلطة القضائية وكتبوا على أبوابها “مكتب المؤتمر الوطني فرع السلطة القضائية” و”منسقية الدفاع الشعبي فرع السلطة القضائية”. ومنهم من ترك العدل بقاعة المحكمة بهيئته في الخرطوم ليطلبه في بسطام جهاداً في الجنوب ضد مواطنين طلبوا العدل. ومنهم من عمل عديل ضباطاً في جهاز الأمن والمخابرات. وعشعش بعضهم في الدوائر الخاصة تفصل الأحكام وفق إرادة المخدم.
اسمع من يحتج الآن من الإنقاذيين ويرابط في الشوارع. واسمع من علت عينه على الحاجب. واسمع من اكتسب صوتاً بعد عقم. وأقول لهم اشكروا الصانع، ثورة ديسمبر، التي أخرجتكم من الكفر إلى الإيمان.
.
May be an image of ‎1 person, beard and ‎text that says '‎كتور أبوسبيحة 1‎'‎‎
الثورة المضادة بالروب: أب سبيحة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.