التحالفات المفتقرة السودان إلى القاعدة الاجتماعية قليلة القيمة!

0 65

كتب: د. الشفيع خضر سعيد

.

نواصل الحوار المكتوب مع المجموعة الشبابية من مدينة أمدرمان والتي بعثت إلينا في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي تستكتبنا حول مفهومي الأزمة الوطنية والمؤتمر الدستوري وعلاقتهما بالأزمة الراهنة في البلاد، وأدلينا بدلونا حول المفهومين في المقالات السابقة. ثم بعثت بمكتوب آخر يتناول قضيتين: التحالفات، طبيعتها وأنواعها ومآلاتها، وذلك بالنظر إلى ما يمور في المشهد السيلسي الراهن من انشقاقات وتصدع تحالفات قائمة وبروز تحالفات جديدة…الخ. والقضية الثانية هي علاقة منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال العمل الطوعي بالسياسة. وفي مقالنا السابق بدأنا النقاش حول قضية التحالفات، ونستكمله في مقال اليوم قبل أن ننتقل إلى القضية الثانية.
التحالفات السياسية لا تتشكل عفو الخاطر أو وفق الرغبات الذاتية لقيادة أي من الفصائل والمكونات المختلفة، أو لمجرد استقواء طرف بالآخرين حتى يحقق أجندته الخاصة، وإنما تتشكل بالاستناد إلى فكرة جوهرية ورئيسية تتمحور حول استقواء كل مكونات التحالف ببعضهم البعض لخلق كتلة قوية تتبنى الإلتزام والتمسك الصارمين بالحقوق الديمقراطية للجماهير، وبتطلعات ومطالبات الناس على مستوى القواعد، وبالسير قدما لتحقيق الهدف الواحد لصالح الوطن، لا لصالح أي من مكونات التحالف. ومن هنا ضرورة أن ينتقل التحالف من مستواه الفوقي إلى مستوى القواعد الجماهيرية، ليعزز هذه القواعد ويتعزز بها. وفي هذا السياق، فإن التحالفات السياسية المفتقرة إلى القاعدة الاجتماعية، دائما ما تكون هزيلة وقليلة القيمة، ولا تستمر طويلاً. وأي تحالف سياسي واسع مستند إلى ميثاق حد أدنى، يصعب استقراره وترجمة نواياه وتوجهاته إلى نشاط ملموس وفعًال إذا لم يكن هناك برنامج عمل تسهم كل أطراف التحالف في صياغته والالتزام بتنفيذه، ثم مراجعته وتطويره عند كل منعطف.
بالنسبة للحالة السودانية، فإن المنطق يقول إن التحالفات السياسية تُبنى على قاعدة فكفكة حلقات الأزمة التي تعصف بالبلاد للمضي قدما في طريق التغيير الاجتماعي. وإذا أخذنا في الإعتبار فشل النخب التي ظلت تحكم البلاد منذ فجر استقلالها في فكفكة هذه الحلقات وفي تنفيذ برنامج التغيير الاجتماعي، وإنتبهنا إلى المتغيرات الراهنة في تركيبة البلاد الاجتماعية الطبقية، إضافة إلى الدور الذي ظلت تلعبه مجموعات المثقفين والمهنيين والضباط وحركة المجموعات الإثنية والقومية…الخ، فمن الواضح أن تحقيق التغيير السياسي والإجتماعي المنشود، يتطلب أولا: مشاركة واسعة من مختلف طبقات وفئات الشعب وشرائحه السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية وحركة المجموعات الإثنية والقومية…الخ على الرغم من وجود فوارق في المصالح، ووجود نزاعات قائمة بين هذه المجموعات. ويتطلب ثانيا: إقامة نظام ديمقراطي تعددي تسود فيه مضامين الديمقراطية السياسية التعددية، وسيادة حكم القانون، وسيادة مبدأ التداول السلمي الدستوري للسلطة، وتحقيق التنمية المتوازنة المستدامة، والاحترام المتبادل بين الأحزاب والتنظيمات المختلفة، واحترام حقوق الإنسان وحق الشعب وحريته في اختيار الطريق الذي يرتضيه، وتوسيع مبدأ القبول والمشاركة التي تسمح وتحقق تعايش القبائل والثقافات والألسن المتنوعة والمتعددة.

التحالفات السياسية لا تتشكل عفو الخاطر أو وفق الرغبات الذاتية لقيادة أي من الفصائل والمكونات المختلفة، أو لمجرد استقواء طرف بالآخرين حتى يحقق أجندته الخاصة، وإنما تتشكل بالاستناد إلى فكرة جوهرية ورئيسية

ويتطلب ثالثا، تجسيد قوى التغيير هذه في قوام وبرنامج ملموسين.
ومن الواضح أن هذا التغيير الواسع، عميق المحتوى، لا يمكن أن ينجز بواسطة حزب واحد أو طبقة واحدة، بل يتحقق بالمشاركة الواسعة، وكل هذا يشكل الأساس الموضوعي لفكرة التحالف السياسي. وفي ذات السياق، فإن مهمة إنجاز مهام الفترة الإنتقالية في التخلص من تركة الإنقاذ الثقيلة والتوجه نحو بناء الدولة السودانية المستقرة والآمنة، لا يمكن أن ينجزا على أساس آيديولوجي، أو وفق برنامح هذه القوى أو تلك. إنها مهمة شعب بأسره، وبمختلف مكوناته السياسية والعرقية والجهوية..الخ. ومهمة من هذا النوع، تستوجب إدارة التفاعل الاجتماعي حول كافة القضايا بصورة سلمية وديمقراطية، وهو ما يقربنا من مفهومي المشروع الوطني والمؤتمر الدستوري، والمدخل لأي منهما هو التحالف السياسي الواسع. أما إذا كانت هنالك مجموعات تعتقد أن في مقدورها وحدها إنجاز هذه المهام، وترى في دحر الآخر هدفا استراتيجيا لبلوغ مبتغاها، فلتستعد لبناء ترسانتها الحربية، وليستعد الوطن لنزف ما تبقى من دمائه.
قد ينزعج البعض فيتساءل: لكن هذه القوى متعددة المدارس والمشارب الفكرية، بل أن أقساما منها متباعدة المسافات الفكرية، فكيف يمكن أن تتوافق على مشروع فكري سياسي تستند عليه في تأسيس تحالفها؟ أعتقد، أن الإنزعاج مشروع، ولكن من الممكن تبديده إذا إنتبهنا وأخذنا في الإعتبار أن تلك الأقسام المتباعدة فكريا، قد إنتبهت إلى ذات القضايا السياسية والاجتماعية المطروحة في أجندة التغيير، وإرتضت التحالف والعمل المشترك في إطار برنامج اشتركت هي في صياغته. كما أن المعالجة المشتركة لذات القضايا، وفي خضم معركة نضالية طويلة نسبيا، وإن انطلقت من رؤى متباينة، ستولّد عند هذه القوى، بفعل تأثير ديناميكية الانعكاس الديالكتيكي، أفكارا ومفاهيم جديدة، متقاربة المسافات مقارنة بتلك المسافات المتباعدة بين رؤى القوى المتحالفة قبل الخوض في معركة المعالجة المشتركة. صحيح، أن تعدد المدارس والمنطلقات الفكرية لقوى التغيير المتحالفة ليس بالضرورة أن يفضي إلى وحدة فكرية بينها، ولكنه، وكما بينت التجربة الملموسة، لن يقف عائقا أمام صياغة وتنفبذ البرامج المشتركة بين هذه القوى. بل، إن البرنامج المشترك الذى سيتغذي من مدارس فكرية متعددة ومتنوعة، سيكون أكثر جدوى من وحدة فكرية لا تتحقق على أرض الواقع.
إن الانفصام بين القاعدة والقيادة، بين الفكر والممارسة، وكذلك التعصب فى الدفاع عن المصالح الحزبية على حساب المصالح المشتركة في التحالف السياسي الواسع….، كلها من مغذيات العقلية التي لا تدرك، وبالتالي لن تستفيد من، التباينات الطبيعية بين أطراف التحالف في إثراء مبدأ الصراع فى اطار الوحدة وبلورة تفاعل فكرى ثقافى مثمر، فيظل الفكري والثقافي خاضعا لمستلزمات العمل السياسي اليومي أو مبرراته، مما يفقده دوره وتميزه، ويصبح تابعا وليس شريكا ناقدا لمسيرة التحالف، مما سينعكس سلبا على العمل السياسي وعلى استمرارية التحالف نفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.