كرة القدم وما حولها كمرآة لنا ولهم!

0 70

كتب: د. عمرو حمزاوي

.

أعقب فوز الفريق المغربي لكرة القدم على نظيره البلجيكي في منافسات الدورة الحالية لكأس العالم المقامة في قطر حدوث أعمال شغب من قبل مواطنين بلجيكيين من أصول مغربية يعيشون في العاصمة بروكسل ومواجهات عنيفة بينهم وبين قوات الشرطة.
والأمران، من جهة تعاطف بعض البلجيكيين ذوي أصول مغربية مع فريق المغرب وابتعادهم عن تشجيع فريق البلد الذي يحملون جنسيته ومن جهة أخرى تورط القليل منهم في أعمال شغب وعنف، يستدعيان التأمل والتفسير.
يتشابه سلوك بعض البلجيكيين من أصول مغربية، أو المغاربة المجنسين في بلجيكا، مع سابق سلوك مواطنين أوروبيين من أصول شرق أوسطية في منافسات كروية متنوعة. فعادة ما ينحاز بعض الفرنسيين من أصول مغربية وجزائرية وتونسية إلى فرق الموطن الأصلي على حساب فرق الوطن الفرنسي في المواجهات الكروية خصوصا والرياضية عموما. ويمارس ذات السلوك بعض الألمان من أصول تركية الذين يحرصون على الحضور الجماهيري الكثيف لمنافسات فرق تركيا الرياضية مع الفرق الألمانية إلى الحد الذي دفع يواخيم لوف، المدرب السابق للفريق الوطني لكرة القدم، وفي أعقاب مباريات ودية جمعت بين فريقه والفريق الوطني التركي خلال السنوات الماضية وأجريت في مدن ألمانية، إلى انتقاد ألا يسمع في استادات بلاده سوى الهتاف ضد فريقها الوطني.
يدلل تشابه السلوك التشجيعي لمجموعات داخل الجاليات العربية والشرق أوسطية على امتداد غرب أوروبا، إن في بلجيكا وبالتبعية في هولندا ولوكسمبورغ أو في فرنسا وألمانيا، على حضور أزمة هوية وانتماء للأوطان الجديدة.
لا تقتصر أزمة الهوية والانتماء هذه على الجيل الأول من المهاجرين الذين قدموا من بلادهم بغية العمل أو الدراسة وعاشوا على هوامش المجتمعات الأوروبية دون أن ينخرطوا في حياتها الثقافية والفكرية ودون أن ينفتحوا على عاداتها وتقاليدها من غير خوف من رفض أو عنصرية. بل أن أزمة الهوية والانتماء إلى الأوطان الأوروبية الجديدة لا تترك الأجيال اللاحقة للجيل الأول من أبناء وأحفاد العرب والشرق أوسطيين الذين يتعلمون في مدارس أوروبا وجامعاتها ويعملون في مصانعها وقطاعاتها الخدمية ويسكنون مدنها وقراها، لا تتركهم وشأنهم وتدفعهم إلى اعتناق نظرة مثالية للبلاد التي قدم منها الآباء والأمهات ونظرة رافضة إلى أوطانهم الأوروبية وغاضبة من مجتمعات الأغلبية.

يدلل تشابه السلوك التشجيعي لمجموعات داخل الجاليات العربية والشرق أوسطية على امتداد غرب أوروبا، إن في بلجيكا وبالتبعية في هولندا ولوكسمبورغ أو في فرنسا وألمانيا، على حضور أزمة هوية وانتماء للأوطان الجديدة

تتشبث الأجيال اللاحقة للجيل الأول من العرب والشرق الأوسطيين بعادات وتقاليد المواطن الأصلية وطقوسها الدينية وحفريات لغتها الدارجة (كما يتذكرها الآباء والأمهات وينقلونها إلى الأبناء والأحفاد في مفردات وتعابير تجاوزتها تحولات اللغات الدارجة في بلاد العرب والشرق الأوسط)، مثلما تتشبث أيضا بالنجاحات في مواجهات الرياضة إن حدثت والانتصارات في معارك السياسة إن وجدت للتدليل على شيء من التفوق. يفعلون ذلك وهم أبناء وأحفاد من قدموا من مجتمعات تعاني من التأخر الاقتصادي والأزمات الاجتماعية والسياسية وتصارع في بعض الأحيان من أجل البقاء في ظل حروب أهلية وارتحال وهجرة.
يفعلونه أيضا وهم يواجهون عنصرية وشعبوية البعض في مجتمعات الأغلبية الذين يرمون عموم العرب والشرق أوسطيين بالجهل والرجعية الأخلاقية والتطرف الديني والفكري وأحيانا ما يدفعون بهم جماعيا إلى خارج سياقات الهويات الوطنية للمجتمعات الأوروبية كمجرد «مرتزقة» قدموا القارة «البيضاء» للاعتياش على تقدمها الاقتصادي والمالي واستغلاله كمورد لرزقهم ورزق أسرهم دون رغبة حقيقية في الاندماج مع مجتمعات الأغلبية ودون استعداد حقيقي لاحترام إن عاداتها وتقاليدها أو المبادئ المنظمة لوجودها والمنصوص عليها في الدساتير والقوانين الأساسية.
تشجيع فرق المواطن الأصلية على حساب فرق الأوطان الأوروبية هو، إذا، تعبير مباشر عن أزمة الهوية والانتماء التي يشعر بها البعض داخل الجاليات العربية والشرق أوسطية. وهو أيضا رد فعل متمرد وغاضب في مواجهة العنصرية التي تواجهها تلك الجاليات من المنتمين إلى والمتعاطفين مع اليمين المتطرف والشعبوي الصاعد فكريا وسياسيا بقوة في عديد المجتمعات الأوروبية، وفي مواجهة التشكيك المستمر في نوايا وتفضيلات عموم الجاليات العربية والشرق أوسطية مهما اندمج الكثير منهم مع الأغلبيات واحترم عاداتها وتقاليدها ومبادئ عيشها المشترك. هي، إذا، أزمة الطرفين، جاليات ومجتمعات أغلبية.
أما أعمال الشغب التي تورط بها في بروكسل القليل من البلجيكيين ذوي الأصول المغربية في أعقاب انتهاء مواجهة المغرب وبلجيكا في كأس العالم، وهي تتشابه مع أعمال شغب حدثت في الماضي القريب في ضواحي بعض المدن الفرنسية بعد مواجهات كروية لفرق مغاربية، فهي ترجمة عنيفة لأزمة الهوية والانتماء ولشعور الغضب الذي يسيطر على بعض القطاعات بين صفوف الجاليات العربية والشرق أوسطية. ولا تنفصل الترجمة العنيفة للغضب، وبجانب كل ما يرتبط بالعنصرية من طرف العنصريين والشعبويين في مجتمعات الأغلبية، عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ضواحي المدن التي تسكنها الجاليات بمعدلات مرتفعة وتنتشر بها الجريمة وتنخفض بها مستويات الخدمات التعليمية والتثقيفية.
ليس عنف بعض العرب والشرق أوسطيين في أوروبا بالظاهرة الجينية التي لا تدعنا أبدا وحال سبيلنا، بل هو ترجمة لأزمات وأوجاع مجتمعية تعاني منها جالياتنا في الغرب الأوروبي وتأن تحت ضغطها مثلها مثل الأغلبيات. وليس في الابتعاد عن الوقوف وراء فرق الأوطان الجديدة الرياضية وتمني خسارتها من بعض القطاعات داخل الجاليات العربية والشرق أوسطية سوى تعبير عن أزمة الهوية والانتماء وتعثر الاندماج الذي تتحمل مسؤوليته الجاليات والأغلبيات على حد السواء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.