قوات الدعم السريع في السودان: أزمة هوية، هضربة هوية (1-2)

0 87
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
قرأت عن مؤتمر صحفي عقدته الدعم السريع لعرض همتها في محاربة تهريب المخدرات والخمور والبشر. وهي مهام للشرطة حصرياً حتى لو استعانت بالدعم السريع وغيره لدهم المهربين. واستغربت لممثل الشرطة يحضر مؤتمراً دعا له من استولى على وظيفته منه وراح يروج ليده الطائلة. وهذا المؤتمر الصحفي بكلمة واحدة إعلان عن الدعم السريع بغرض تطبيعها في الدولة (naturalization) الحديثة فتتجاوز أزمة هويتها الناشبة حيال هذه الدولة ولتغطي عليها بنيل جائزات حقوق الإنسان، وتفريج الناس على كاس العالم وغيرها. فالدعم السريع يتسوق طولاً وعرضاً في الدولة والمجتمع لكي يخترق أزمة هويته طلباً للقبول. وبالطبع معروفة عصاته المدفونة وبانت في أسراه في دارفور ممن خرج أهلهم يحتجون بوقفة في الخرطوم على حجزهم بواسطته.
وهذا مقال آخر في محاولة فهم أزمة هوية الدعم السريع على ضوء أخبار تواترت عنه في الأسبوع قبل الماضي.
انشغلت الأوساط السياسة خلال الأسبوع الماضي بقوات الدعم السريع، التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة، إثر واقعتين اتصلتا بها. وأثارت الواقعتان من جديد حقيقة أزمة الهوية التي تعاني منها هذه القوات. وهي أزمة من جهة غرابتها في منظومة الدولة الحديثة القائمة في السودان مهما قلنا عنها. غير أنه إن صدقت غرابتها على الدولة الحديثة فلن تصدق غرابتها عن المجتمع السوداني وسياساته كما تعتقد النخب السياسة. خلافاً لذلك، فهي ليست بعض حقائق هذا المجتمع الوثقي فحسب، بل الدالة أيضاً على أزمته في دولته الحديثة.
كانت الواقعة الأولى هي ما كشفت عنه صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية” (30 نوفمبر المنصرم) عن حصول الدعم السريع على نظم لتكنلوجيا التصنت صُنعت في أوربا بواسطة شركة انتلكسا المملوكة للاستخباراتي الإسرائيلي السابق تال ديلان. وحَملت هذه النظم طائرة سسنا من مطار في قبرص إلى مطار الخرطوم لتنقلها سيارة انتظرتها في المطار ولتحملها فور استلامها لولاية دارفور التي شهدت ميلاد الدعم السريع في 2013 ومنطقة نفوذه ما تزال. وقيل عن قدرة هذه النظم أنها تحول التلفونات الذكية إلى مخبر افتراضي عن أصحابها. وأضافت الصحيفة أن من شأنها قلب ميزان القوى في السودان فيما وصفته باقتراب الصدام بين الدعم السريع والقوات المسلحة.
ونفت الدعم السريع الخبر بالصيغة المعروفة بقولها إن المعلومات غير صحيحة، ولا تخرج من المحاولات المتكررة لتشويه صورته بدمغه بالخروج على القانون، ودعت وسائل الإعلام ألا تنطلي عليها المقاصد من الخبر. ولكن ربما فوت الدعم السريع فرصة تكذيب الخبر حين سألته الصحيفة نفسها رأيه فيه. ولم تسمع منه.
علاوة على أن خبر شراء الدعم السريع لنظم التصنت هذه كان مقدمة “درامية” لتحقيق استقصائي مخدوم مهنياً للغاية عن صناعة هذه النظم والتجارة فيها في أوربا تحت نظر صفوة حكام بعض دولها. وضربت هذه الصفوة عرض الحائط بعواقبها الوخيمة على حرية الرأي لأن أكثر ضحاياها من الصحفيين. وختمت الصحيفة تحقيقها بعودة على ذي بدء، أي خبر الدعم السريع. فقالت: “إن نظم التصنت المُشترى من شركة مركزها في الاتحاد الأوربي مدورة الآن على بعد 4 ألف ميل من أوربا في جبل مرة الذي يرتفع من فوق دارفور في السودان”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.