.
1. صدر كتاب “كولونيالية الإسلام السياسي : أزمة الوطن والوطنية والمواطنة في خطاب الإخوان – السودان نموذجا ” للدكتور فتح الرحمن التوم الحسن رئيس قسم الفلسفة – جامعة النيلين، عن دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع 2021م .
عدد الصفحات 1018 صفحة من الحجم المتوسط 17*24 سم.
تناول الكتاب 999 عنوانا من غير تبويب في فصول ، وبلا مقدمة بعد أن طلب الكاتب اعفائه من عنف كتابة المقدمات.
2. بذل الكاتب جهدا كبيرا ومقدرا في نقد تجربة الإسلام السياسي في السودان من وثائقها ومصادرها الأصلية ، وهو لعمرى بحث رصين ، اختلفت أو اتفقت معه ، فرغم فشل تجربة الإسلام السياسي في السودان التي دمرت البلاد وفرطت في اصولها وتروتها وسيادتها الوطنية ، وثورة شعب السودان في ديسمبر التي نحتفل بذكراها هذه الأيام وتم فيها اسقاط رأس النظام ، ومازال الصراع مستمرا لتصفية التمكين واستعادة أموال الشعب السوداني ، ترسيخ الديمقراطية المستدامة وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو الثقافة ، لكن لا يكفي الإزاحة السياسية والإدارية فقط ، بل من المهم مواصلة الصراع الفكري لإجلاء خطل دعاوى الإسلام السياسي علي مستوى الأصول الفكرية .
وهذا ما نجح فيه الكاتب الذي غاص في تقد الأصول الفكرية كما ورد في المصادر والمراجع في نهاية الكتاب التي شملت القرآن الكريم وكتب الأحاديث والسيرة ومؤلفات الفقهاء والمؤرخين الإسلاميين ، ومؤلفات رموز الإسلام السياسي ، ووثائق ومطبوعات تنظيم الإخوان المسلمين الذي اتخذ اسماء شتي : جبهة الميثاق الإسلامي ، الجبهة القومية الإسلامية ، المؤتمر الوطني الذي انشطر الي مؤتمر وطني وشعبي بعد المفاصلة ، اضافة للتنظيمات الأخرى التي انشقت عنه مثل :الاصلاح والتجديد بقيادة د. غازي صلاح الدين . الخ ( راجع قائمة المصادر والمراجع).
كشف الكاتب أنها حركة تهدف لمصالح دنيوية زائلة ملتحفة ثوب الدين ، والي أن الإسلام السياسي ليس دينا ، بل هو ايديولوجيا كولونيالية وُلدت في خضم التوحيد المقولي بين النص والسيف ، ووضح خطل شعار الإسلام السياسي دين ودولة ، وأن الإخوان لا يؤمنون بالوطن فالاله ليس له وطن ، وأن الوطن قد لقي مصرعه مع الوطنية في الفترة التأسيسية لتنظيم الإخوان في السودان ( الوطن الذبيح)، اضافة لخرقهم أسس التعددية الديمقراطية في السودان ، بعد انقلابهم العسكري ، بعد أن توهموا في كون السلطة هي أساس الاصلاح الديني ، وما زالوا متشبثين بالسلطة كما في انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في 11 أبريل 2019م الذي قطع الطريق أمام الثورة ، وانقلاب مجزرة فض الاعتصام حتى انقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي شارك فيه المؤتمر الوطني ، وتم إعادة ماتم تفكيكه من تمكين وإعادة الأموال المنهوبة للفاسدين.
فقد ظل تمكين الإسلام السياسي مستمرا ، كما في اعتذار إدارة جامعة النيلين عن استضافة فعالية ثقافية لتدشين كتاب “كولونيالية الإسلام السياسي” للدكتور فتح الرحمن التوم الحسن ، الشئ الذي يتعارض مع الحريات الأكاديمية التي هي سمة الجامعات ، مما يتطلب مواصلة الصراع من أجل استقلال الجامعات وحرية البحث العلمي
3. وسّع الكاتب مصطلح الكولونيالية التقليدي الذي يعني هيمنة وسيطرة دولة أجنبية علي شعب آخر بهدف نهب موارده الاقتصادية ليصبح تابعا سياسيا واقتصاديا وثقافيا بعد محو ثقافته وتاريخه وهوّيته الوطنية، كما أكسب الكاتب المصطلح بعدا اجتماعيا وأخلاقيا ، وعرّف الكاتب الكولونيالية هي “نموذج في التفكير والتواصل والتصرف والحكم يتميز بانتهاك الكرامة الانسانية والتعدى علي الحرية ومصادرة الحقوق ومجانية الأخلاق واساءة إنتاج واستخدام السلطة السياسية وتغريب العلوم عن الانسان ، واحتكار القوة واغتيال الغيرية لصالح الذات أو لصالح فئة معينة فقط”.
اضافة ” لاخضاع جسد انسان ما وفنه ومعارفه وعلومه وموارده وأرضه ومصادرتها كلها أو بعضها لصالح طرف بشري معين ، سواء باستخدام القوة أم السلطة السلطة السياسية أم الدين أم القانون أم العلوم أو التزوير ، أم الابتزاز أم الحرمان أم التوظيف أم التقصير المتعمد في المسؤولية أم الاهمال في التفويض أم عن طريق خيانة التمثيل المتفق عليه نيابة عن الآخرين”. (ص 21).
يواصل الكاتب ويقول : “مشروع الإسلام السياسي ليس دينا ، إنما هو “مشروع كولونيالي” بحكم طبيعته وخطابه وغاياته ، ولا يمنع من وصف هذا المشروع بالكولونيالية وجود بعض المبادرات الطيبة التي حدثت ضمن سياقه ، لأن سببه ودافعه الأساسي لم يكن أبدا هو هدف المبادرات” [ص (23)].
فمشروع الإسلام السياسي باختصار ارتبط بالسلب ومصادرة الحقوق والأخلاق والكرامة الانسانية.
4. كما تابع الكاتب في بحثه الطاقة الكولونيالية لمؤسسة الإخوان داخل السودان في خمسة محاور هي :
الأول : كولونيالية المجال السيادي في السيطرة عي المجال السيادي للدولة تنفيذيا وقضائيا وبرلمانيا من خلال العمل السياسي حتى تم تتويج ذلك بالسيطرة الكاملة عليه عبر الانقلاب العسكري.
الثاني : كولونيالية المجال الاقتصادي التي تجسدت في تكريس اقتصاد السوق الحر بمبررات دينية مثل : أن الله هو المسعر ، وأن الأصل في الإسلام هو الفرد.
الثالث : كولونيالية المجال الاجتماعي : كما في إلغاء التعددية الدينية والاثنية والثقافية ، بتحويل المجتمع السوداني الي مجتمع إخوان مسلمين .
الرابع : كولونيالية الفعل الحضاري باعتبار أن جوهر التاريخ هو من نصيب الإخوان، وأن الآخرين لا تاريخ لهم .
الخامس : كولونيالية المجال الحقاني : ويتجلى في انتهاك مجال “الحقانية” وصورها في (الوعي الديني والعلوم والآداب والفنون والقوانين والأنظمة الضبطية) ، والمصادرة عبر آليتى الاجماع وآلية التأويل بوصفهما آلية دينية ، علما بأنها انشطة ناسوتية تماما ، وتاصيل المنتج المعرفي الي النص الديني باعتباره الصحيح اوحيد.(راجع صفحة : 991 – 994).
5. خلص الكاتب بعد متابعة تاريخ المشروع الإخواني في السودان الي تعارضه وتقاطعه مع مبدأ المواطنة والدولة الوطنية والمشروع السياسي الوطني السوداني ، وفشله خلال سبعين عاما قبل “مؤتمر العيد” سنة 1954م في انجاز تركيب معرفي سياسي حقوقي جديد يجمع الفهم التعددي للدين وبين عمومية الوطن معا في تأليف محلي واحد.
كما أشار الي أن فشل مشروع الإسلام السياسي لايمكن اختزاله في التطبيق وتبريره بممارسات فردية أو من عناصر مندسة تسعى لتخريب دولة الإسلام ، بل في جذوره الفكرية ، ولا يجدى التهرب من نقد الذات وفتح باب الحريات ، واتاحة مناخ ديمقراطي للعمل المشترك بين السودانيين من جهة أخرى حيث أدي الي تعثر عملية انقاذ الوطن من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية المتلاحقة.