الاتفاق الإطاري: النبل ليس استراتيجية (1-2)
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
آخر ربما هو مطلوب من القوى التي تصف نفسها بالثورية أن تنقسم إلى مؤيد ومعارض للاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه في 5 ديسمبر المنصرم بين قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) والعسكريين. وهو الاتفاق الذي رتب لقيام حكومة مدنية ومجلس تشريعي عليها رأس دولة سيادي مدني ورئيس وزراء بسلطات على القوى النظامية. وترك الاتفاق جملة مسائل لجولة أخرى من المفاوضات مع العسكريين ستتدارس مواثيق للعدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، وإزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989، ومراجعة اتفاق سلام جوبا، وللنهوض بشرق السودان.
لا تملك هذه القوى التي تصف نفسها بالثورية ترف صراع المع الإطاري وضده. فهو اتفاق معيب تم والاقسام التي وقعت عليه منها في غاية الوهن قياساً بالعسكريين الذين انقلبوا على الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2021. لا خلاف أن العسكريين لم يحققوا لعام ونيف أياً مما عزموا تحقيقه بانقلابهم على تلك الحكومة. ولكن غير خاف أنهم نجحوا في إنهاك القوى المدنية التي تحالفوا معها بالوثيقة الدستورية في أغسطس 2019 انهاكاW تفرقوا به أيدي سبأ مجردين من كل سلطان حصلوا عليه وهم في الحكم. فاعتزلت المركزي لجان المقاومة، وخرج الحزب الشيوعي باكراً من حلفه معه، وتبعه حزب البعث العربي الاشتراكي قبل أسابيع احتجاجاً على الاتفاق الإطاري. وبهذا الشتات لم تنجح هذه القوى في حشد قواها وعزائمها منذ الانقلاب لترجيح كفة ميزان القوى لصالحها لتكون التسوية مع الخصم، كما يجب في السياسة، من فوق شوكة. وجاء الإطاري بالنتيجة أقرب للاستسلام منه إلى التسوية.
استعاض المركزي عن ضعفه الذي جاء به إلى التسوية بجعله ضرباً من النبل الوطني. فتجد إبراهيم الشيخ، القيادي في حزب المؤتمر السوداني والحرية والتغيير ووزير التجارة في الحكومة الانتقالية، يقول بعد سقوط حكومته الانتقالية إنه لا يريد، وهو المهزوم، هزيمة أحد بل الانتصار للوطن. وبرر ياسر عرمان، من الحركة الشعبية لتحرير السودان-التيار الثوري، قبوله بالإطاري بهشاشة مجتمعنا واحتقاناته مثل تعدد الجيوش فيه، وغياب الحكومة منذ عام غياباً أوقف الخدمات للمواطنين. ولخص بابكر فيصل، القيادي في التجمع الاتحادي والحرية والتغيير، أسبابهم لتوقيع الإطاري بعامل الوقت الحاسم لأن البلاد تعيش حالة فراغ دستوري. فلا وجود لحكومة تستطيع مجابهه المشاكل الكثيرة التي يمر بها السودان. ولم يسأل أحد من هؤلاء، وقد نزع انقلاب أكتوبر 2021 الحكومة عنهم نزعا، إن كانوا هم المسؤولين عن غياب هذه الحكومة التي لم ينجح المنقلبون في استبدالها بأخرى إلى تاريخه. والنبل في السياسة مثل الأمل الذي يقال إنه ليس باستراتيجية.
سيكون التنفيذ آفة تسوية جاءها المرء على وهن. ويعول “التسونجية”، في عبارة استجدت على قاموسنا السياسي، على استدراك ضعفهم بفتح نقاشات واسعة مع قوى سياسة تجنبتهم رغم الخلاف، ومع أهل المصلحة من مثل أصحاب الدم في تصميم نهج للعدالة والعدالة الانتقالية، أو مع أهل الشرق في نقاش مسألتهم. ولكن نقطة حرجهم الكبرى هي تقطع الأسباب بينهم وشباب المقاومة. فحتى فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمم المتحدة وميسر الاتفاق الإطاري، قال إن الشارع لا يثق فيمن وقعو الاتفاقية. بل لا تعترف لجان المقاومة بالمركزي نفسه وإن اعترفت بأحزابه المكونة له فرادى.
وبقدر ما سمعت من المركزي عن علاقتهم بالمقاومة بعد الإطاري لم أقف لهم على سبيل سالكة إليها، أو مقنعة. ومع الإشادة بخطتهم ألا يحملوا الراغب من لجانها على الاصطفاف خلف الإطاري حرصاً على وحدتها إلا أنهم خلو من فكرة واضحة عن تسويق الإطاري لمن اعتقد مثل هذه اللجان في “ألا تفاوض، لا شراكة، لا تسوية”. وربما تصور الإطارى أن يتوسل إليهم بالمناقشة التي سيفتحها حول العدالة الانتقالية التي قال إنه سيدعو لها أولياء الدم. ولجان المقاومة التي نزفت استشهاداً من هؤلاء الأولياء. ولا أعرف ما سيكون إغراء مناقشة الإطاري للجان المقاومة، التي عقيدتها “الثأر للشهداء”، وتعرف بالاسم من صممت على الثأر منه. وهم العسكريون شركاء في الاتفاق الإطاري.
واحدة من مزالق الإطاري الكبرى هي تقسيم التسوية إلى مرحلتين. فجرى التوقيع في الإطارى على مبادئ عامة للحكم وإجراءات في تشكيل الدولة في حين أجلوا مناقشة السياسات حيال العدالة الانتقالية مثلاً لطور قادم مبهم من النقاشات الموسعة فيما وصف بوضع الحصان امام العربة. وغير خاف أن الاتفاق حول هذه السياسات حتى قبل الإطاري كان دونه خرط القتاد.
ونواصل