من وجدّ كدّ:
كتب: محمد فاروق سليمان
.
تاريخ الساسة السودانيين مافيه تعلم للاسف، ودائما العندهم قدرة على الوصول للسلطة هم الاقل جدارة واحساس بعظم المسؤولية وامانتها، سرعان ما يتحولوا لي انتهازيين ممكن صعودهم عبر انقلاب يكون اخف وطأة من صعودهم عند ثورة..
ده بيحصل من الاستقلال، وحصل في اكتوبر وابريل كمان واسع بشكل اوضح لي كتيرين بس ده دائما كان واضح، وفي نماذج كثيرة لساسة الصدف والطموح ناقص العقل والخيال طوال تاريخنا، ما بالضرورة الساسة ديل ما يكونوا ناضلوا او كان في سيرتهم ما يبشر بي تغيير، بس بيسقطوا مع اول اختبار حقيقي.
الاختبار الحقيقي ده ابدا مش وانت بتعارض او بتقاوم، او في ساعات الشدة زي ما كلنا فاكرين، وحتى لو ده اختبار سقوطك فيه اثره محدود، لكن الاختبار الحقيقي والتهديد الاكبر لي قيم النضال البتم رفعها اوقات الشدة: لكن بيحصل وانت في السلطة او قريب منها، وفي ساعة رخاء حتى لو متوهمة…
الشدة انت ما عندك خيار غير آنك تتحملها، ومهما تكون جبان او حتى ما عندك مباديء واضحة، بس اتختيت في مواجهة سلطة غاشمة وغبية مش فاهمة مين بيعاديها ومين ممكن تكسبه ح تناضل وح تكون بطل، لغاية ما تنكشف امام اول اختبار حقيقي امام غواية السلطة، وتسقط كل الشعارات الحملتك او حملتها الغواية، ليتحول المناضلين الاشاوس الى حفنة اشرار.
في مساجين بي جنايات بيتحملوا السجن وفي مهربين وتجار عملة بيتحملوا التعذيب وما بيكشفوا عن شركاءهم في جرايمهم، وبدرجة ما ومع الاختلاف طبعا، نفس القيم العند رفقاء النضال، بتكون عند “الاشرار” ديل وقدرتهم مرات اقوى مما هي عند رفاق النضال للكتمان والتستر، من غير نصف ده بالصمود طبعا، وفي ناس شالت عقوبات تصل للاعدام وما حاولوا حتى يصلوا لتخفيف الحكم ده بالكشف عن تفاصيل تخص دوافعهم او شركائهم او حتى تثبت براءتهم!
شوية المهرجين الملو قاعة الصداقة امس تصفيق ديل، والصعودهم كان بدعاوي نضال الامس، وغيرهم وطوال تاريخنا السياسي، ابدا ما شكلوا خطر على الحركة المدنية لانه اختطاف التمثيل السياسي للجماهير ده ببساطة ما ممكن، الممكن هو تعثر الحراك المدني، وتطويل اماد الانحلال السياسي، لكن ابدا ما ابتدار نظام سياسي مدني ديمقراطي، والملاحظ في الثورة عندنا ومن ١١ ابريل اي زول حاول يتسلق قيادة الثورة دي فشل لمن سقط امام مباديء التغيير وقضايا الثورة، وبدل يستمد شرعيته من المواطنين وحركة الجماهير، خش في مساومة مع السلطة الامنية والرسمية في الدولة محمول على رضاء المجتمع الدولي والارادة الدولية، وفزاعة الشرعية الدولية وليس تراضي المجتمعات الوطنية وتاكيد الارادة الوطنية.
الشرعية الدولية والمجتمع الدولي ده ممكن يكون حافز لقوى سياسية ما عندها وجود قاعدي ولا مشروع وطني او رؤية سياسية غير انها عايز تحكم، وممكن تشكل ابتزاز لقادة الاجهزة الامنية وقائد الدعم السريع، وبدل تسوية بين السودانيين تنهي عنف الدولة وتوقف تناسل القهر، اصبحت نهاية العملية السياسية المعلن عنها (كانما هناك نهاية في السياسة زيادة في الجهل) تدشين لبداية فصل جديد من القهر السياسي!
وبدل نقد الاخطاء في الفترة الفاتت بتم الاحتفاء بالاخطاء دي، وزي العودة الان لببروغندا لجنة تفكيك التمكين من تاني، وكانما لم يكن في سيرة الانتقال الذي اضاعوه افضل من ذلك! وكانما من الاخطاء في السابق كان هنالك اكبر من تاجيل العدالة والتحايل عليها، ثم اغفالها!! ولا اعرف عجز عن تفكيك التمكين غير العجز عن تحقيق العدالة والالتزام بمبادئها.
المهرجين ديل خطر على الدولة وتهديد لوجود السودان نفسه، خطر على اجهزة الدولة، وفرص اصلاحها واعادة بنائها بي شكل عادل وكفؤ، قادر على مواجهة تحديات الدولة في عالم اليوم، وما ح يتركو امام القادة العسكريين والمتورطين في ارث انتهاكات الدولة التاريخية، غير انهم يواصلوا في الانتهاكات دي، لحماية سلطة فاقدة للاهلية والشرعية، وتفتح باب لدورة جديدة للدائرة المفرغة والمفزعة غير ممكنة الان: بشروط حركة التاريخ الان، ومتطلبات التغيير الحالية.