كتب: تاج السر عثمان بابو
.
1. يصادف 24 يناير يوم التعليم العالمي الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المنعقدة في 23 ديسمبر 2018م باعتبار أن التعليم يُعد من حقوق الانسان الأساسية ، فالمادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان تدعو الي التعليم الابتدائي المجاني والالزامي ، بل ذهبت اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م لتوسيع الحق في التعليم “حتى توفير تعليم جيد وشامل وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة”، وباعتبار انه لا تنمية وتقدم وازدهار بدون تعليم ، وهدف التعليم التنمية والسلام وتحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين ، وكسر دائرة الفقر .، لكن التعليم في ظل الأزمة العامة للرأسمالية الراهنة اصبح للقادرين مع الاستقطاب الطبقي الجارى في العالم وفي كل دولة ، فحسب احصائية الأمم المتحدة وضع التعليم مزرى في العالم ، حيث يوجد 244 مليون طفل خارج المدرسة و771 مليون امي ، بالتالي جاء شعار العام 2023م “ايلاء الأولوية للتعليم كوسيلة للاستثمار في البشر” ، ويصبح من المهم التعبئة السياسية الفورية حول تحسين التعليم كما ونوعا الذي بدونه لن تتقدم الشعوب ، وحنى لايصبح التعليم للقادرين.
2 . كن من المؤسف أن يمر يوم التعليم العالمي والبلاد تشهد تدهورا غير مسبوق في التعليم ، فحسب احصاية منظمة الأمم المتحدة للطفولة ( يونسيف) في بيانها بتاريخ : 12 /9/ 2022م “يوجد في السودان 6,9 مليون طفل خارج التعليم ، و12 مليون يواجهون عدم الاستقرار في التعليم” بمعني أن هناك 12 مليون طفل ستنقطع دراستهم بسبب الحروب وعدم الاستقرار اوالكوارث المحدقة بالبلاد ، ومشاكل البنية التحتية ونقص المعلمين والكتاب المدرسي ، وانهيار المباني ، والحروب والتجنيد الاجبارى للمليشيات والحركات المسلحة، وتهريب البشر، وتصفية الداخليات في المدارس. الخ ، هذا بلا شك وضع خطير يهدد مستقبل الوطن واجياله القادمة.
هذا اضافة لتدهور أوضاع المعلمين المعيشية الذين يشكلون ركيزة التعليم ، فبدون استقرار المعلم وتحسين أوضاعه المعيشية والمهنية وتأهيله باستمرار ، وتحسين بيئة العمل ، لا يمكن توفير التعليم الجيّد، مما أدي لاضراب المعلمين من أجل تحقيق مطالبهم التي تتلخص في : زيادة الحد الأدنى للاجور الي 69 الف جنية ، ودفع كامل المستحقات من بدلات وعلاوات لمدة 3 اشهر ، وتحسين بيئة التعليم في المدارس الحكومية.
تصاعد اضراب المعلمين ودخل شهره الثاني ، وزاد الأمر تعقيدا تعنت السلطة الانقلابية التي اغلقت المدارس بهدف كسر الاضراب حتى 26 يناير الحالي ، واعلنت لجنة المعلمين مواصلة الاضراب عقب انتهاء العطلة والتصعيد بمختلف الأشكال في حال عدم تحقيق مطالبهم، والتمسك بتنفيذ كافة القرارات الصادرة في حق المعلمين من مجلس الوزراء التي تشمل كل العاملين في قطاع التعليم من عمال وموظفين ، وتعديل العلاوات بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي في البلاد، اضافة الى رفض الرسوم التي تطالب بها لجنة الاتحاد المهنى ل”لفلول” التي انتهت مدتها منذ العام 2019 بهدف مواصلة النهب وافقار المعلمين.
كما تدهورت الاوضاع في التعليم العالي جراء تدهور اوضاع اساتذة الجامعات وعدم توفير مقومات التعليم العالي ، ومضاعفة الرسوم الدراسية على الطلاب ، مما أدي الى تصاعد الاضرابات ، ورفض سياسة تحرير التعليم ، حتى لا يصبح للقادرين فقط ، كما في اضرابات الطلاب الرافضة لتلك الزيادات الكبيرة التى سوف تخرج الكثيرين من التعليم الجامعي وتكون وبالا على البلاد، اضافة لاضراب الأساتذة في الجامعات من أجل تحسين الهيكل الراتبي .
يكذب وزير المالية جبريل إبراهيم حين يقول ” 40 % من ميزانية السودان تذهب للتعليم والصحة!! (الراكوبة 23 يناير 2023)، واذا كان الأمر كذلك لاصبح السودان في مصاف الدول المتقدمة ، والواقع أن 76 % من الميزانية تذهب للأمن والدفاع بهدف قمع المواكب السلمية ، وتهرب عشرات المليارات من الدولارات ( عائدات الذهب والمحاصيل النقدية للخارج)، وتستحوذ شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع علي 82% من موارد البلاد ، فضلا عن دفع الدولة لمرتبات مليشيات الدعم السريع ، ونهب السلطة الانقلابية و حركات جوبا لجيب المواطن من خلال الضرائب الباهظة التي فاقت جبايات الحكم التركي ، مما ادي للرفض الواسع لها كما في اضرابات التجار والمزارعين واصحاب الشاحنات والحافلات. الخ. بالتالي الذي يذهب للتعليم والصحة صئيل جدا كما يوضح التدهور الحالي في التعليم والصحة ونقص الأدوية المنقذة للحياة، تدهور الأوضاع في المستشفيات الحكومية ، وتدهور اوضاع العاملين في القطاع الصحي كما عكست اضراباتهم ووقفاتهم الاحتجاجية.
3 . الحديث عن نجاح الفترة الانتقالية لا يستقيم دون تصفية آثار نظام الانقاذ وما يُسمى بالمشروع الحضارى الذي دمر مؤسسات القطاع العام ونهبها ، ولا سيما في المؤسسات التعليمية والصحية والذي في ظله اصبح التعليم للقادرين ، وسلعة بعد سياسة التحرير الاقتصادي التي اعلنها وزير المالية حمدى في بداية تسعينيات القرن الماضي .
كما لا يمكن تحسين التعليم وتطويره بدون دعم الدولة للتعليم ورفع ميزانيته ، وتوفير مقومات التعليم من اساتذة وكتاب ومعامل ، وتحسين واستقرار وضع المعلمين المعيشي والمهنى ، وتحسين بيئة المدارس ، وتعميق ديمقراطية التعليم حتى يصبح متاحا للجميع غض النظر عن الوضع الطبقي أو الدين أو اللغة أو العرق أو النوع ، ويصبح شاملا للتعليم المهنى والاكاديمي ، ووضع الأساس لتعليم جيد ، باعتبار أن التعليم معيار لتقدم المجتمع في مختلف المناحى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، واصبح في عالم اليوم أداة جبارة واستثمار بشري لا يقدر بثمن لمستقبل البلاد والبشرية ، وكل التحولات الجارية في الميادين المختلفة ترجع الى تطور المعرفة والتعليم التى راكمتها البشرية خلال سنوات طويلة ورتبتها في حقائق منطقية منظمة تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل الى أن وصلتنا بعد ان اضفنا اليها الجديد المبتكر في عالم المعرفة والحضارة.
بالتالي النظرة للتعليم يجب أن تكون شاملة حتى تساعد الأجيال الجديدة على توسيع آفاقهم ومداركهم ، وتنمى فيهم روح الخلق والايتكار والابداع واضافة الجديد ، ورفض الاستظهار وربط المعرفة بالممارسة والنظرية بالتطبيق ، والانطلاق من الواقع الى المجرد ومن المجرد الى الواقع وتنمية النظرة الناقد ة ، ومواصلة التعليم مدى الحياة، فالانسان كلما ازداد معرفة ازداد حبا للمزيد منها ، ورفض التعصب والانغلاق وادعاء احتكار الحقيقة المطلقة .
التعليم هو المرآة لتطور المجتمع واتجاهه العام في الفترات المختلفة التي يمر بها و يعكس احتياجاته المختلفة في تلك الفترات كما يعكس أهدافه التى نريد غرسها في الناشئة حتى يستطيعوا هضمها واستيعابها.ومن أهداف التعليم ايضا تعريف الأبناء علي تراثهم وجذورهم وثقافتهموتمثلها نقديا ، وتدريبهم مهنيا وعلميا لمواجهة احتياجات المجتمع المعينة ولاكتساب حرفة أو تدريب معين وتشريب الأجيال الجديدة بثقافات ومعارف مجتمعاتهم والعالم من حولهم، علما بأن التعليم طبقي وينطلق من موجهات الطبقات السائدة، ولكنه كجزء من البنية العلوية في المجتمع له استقلاله النسبيظ وكجزء من الوعى الذي يصبح قوة مادية يؤدي الي تغيير المجتمع في ظل التبادل الديالكتيكي المتشابك بين البنية التحتية والعلوية للمجتمع .
في اليوم العالمي للتعليم مهم مواصلة المقاومة من أجل اسقاط الانقلاب ، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية ومجانية التعليم والصحة ودعم الوقود والكهرباء والدواء والخبز وبقية السلع الأساسية ، وتأهيل المشاريع الزراعية والصناعية والمؤسسات التعليمية والصحية ، مما يضع الأساس لتعليم يسهم في ترقية وتطور البلاد .