جولة وزير الخارجية الصيني في أفريقيا.. أبعاد عسكرية بغطاء اقتصادي

0 67

وحدة الشؤون الإفريقية – مركز تقدم للسياسات

.

تقديم: اختتم وزير الخارجية الصيني الجديد تشين غانغ جولة في عدد من دول القارة الأفريقية ،التي باتت منطقة أخرى للتنافس والصراع بين أمريكا والصين , وامتدادا لصراع القوتين الدولتين في بحر الصين الجنوبي . وقد استأثرت الجولة بمتابعة واهتمام إقليمي ودولي، لاعتبارات عدة ، سياسية واقتصادية ، استراتيجية ، خاصة وأن العقيدة السياسية التي تحكم البيت الأبيض اليوم ، تعتبر الصراع مع الصين ونفوذها الممتد في القارات الخمس ،يندرج في إطار الصراع الوجودي وتهديد للهيمنة والمركزية الأمريكية والغربية ، وهو ما يفسر المقاربات الأمريكية لنزاعات القارة الافريقية البينية ، والتي تندرج في سياق التنافس بين الدول العظمى على الموارد النفوذ . زيارة الوزير الصيني تشمل دول إثيوبيا ومصر في شمال أفريقيا، بالإضافة الي الغابون ، أنغولا وبينين في غرب ووسط أفريقيا.‏‏
تحليل:
زيارة وزير الخارجية الجديد لأفريقيا عرف دبلوماسي صيني قديم له علاقة بالمصالح الصينية واستثماراتها في المنطقة وفق مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير) الرامية لاستعادة نفوذها التجاري القديم والاستفادة من الموارد الخام والقوة الشرائية في سوق ينمو سريعا. تكشف هذه الزيارة اهتمام الصين بدول أفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي والتي تعتبر المنفذ البحري لدول وسط أفريقيا الغنية بالثروات الطبيعية.
استهداف ثلاث دول إفريقية تقع على الساحل الغربي، يعكس رغبة الصين في استكمال خطها التجاري الدائري بعد اكتماله في شرق أفريقيا (جيبوتي و مدغشقر) واستئناف خطها البري البحري (الصين -فانكوفر- المغرب) في شمال أفريقيا , وتعزيزه بوجود عسكري من خلال قواعد عسكرية على المحيط الأطلسي الأقرب للسواحل الأمريكية ومناطق نفوذها , الأمر الذي يمنحها نقاطا تفضيلية في ميزان القوى العسكري بينها وأمريكا على خلفيات الصراع في بحر الصين الجنوبي .
مميزات منطقة غرب ووسط أفريقيا:
تعتبر إفريقيا جنوب الصحراء من أكثر المناطق نمواً من حيث عدد السكان في العالم، مما يجعلها سوقا مثاليا للاقتصاديات الصاعدة، تزخر بالموارد الطبيعية وتوجد فيها أكبر مناطق للتجارة الحرّة وأكثر النظم البيئية تنوعا، إضافة إلى كونها واحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة.
دولة بنين تحسب على أكثر الدول استقرارا في الحكم في أفريقيا ولديها واحدة من ‏‏أسرع الاقتصاديات نموا‏‏، ويعتبر نشاط الموانئ وقطاع القطن من أكبر محركات النمو الاقتصادي إلى جانب الاتصالات السلكية واللاسلكية والزراعة، والطاقة، وإنتاج الأسمنت والبناء. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد حوالي 51 في المئة من الخدمات ، و26 في المئة من الزراعة، والصناعة بنسبة 23 في المئة , وتحظي بعضوية مؤثرة في تكتلات اقتصادية افريقية كبري مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (‏ECOWAS ) .
الغابون بلد مستقر و متجانس , يبلغ عدد سكانه حوالي 2 مليون نسمة ، ويمتلك وفرة من الموارد الطبيعية من التعدين والنفط والبترول بالإضافة لموقع استراتيجي في خليج غينيا وتواجدها في تكتلات اقتصادية مؤثرة, إحداهما الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا التي تتكون من الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية وتشاد , الاقتصادية ، والأخرى( الأكواس ) التي تتولي رئاسة دورتها الحالية الغابون , وتضم 15عضوا ، بنين و بوركينا فاسو والرأس الأخضر وغانا وغينيا وساحل العاج وليبيريا ومالي والنيجر ونيجريا والسنغال وسيراليون وتوغو وغامبيا , وتعمل المجموعتين على تعزيز التعاون الاقتصادي بين الأعضاء.
تعتبر هذه المنطقة ثاني سوق للهواتف المحمولة في العالم، ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها، هناك 477 مليون مشترك في الهاتف المحمول في عام 2019. وبحلول عام 2025، ستستضيف المنطقة 614 مليون مشترك في الهواتف المحمولة، و475 مليون مستخدم للإنترنت عبر الهاتف المحمول. من المتوقع أيضا أن يساهم الإنترنت في ‏‏5 إلى 6 في المئة‏‏ من إجمالي الناتج المحلي لأفريقيا بحلول عام 2025..
الوجود الصيني في غرب ووسط أفريقيا:
أصبحت الصين الشريك التجاري الرئيسي في المنطقة، خلال الفترة ما بين عامي 2006 و 2016 ، ارتفعت معدلات تجارة الصين مع أفريقيا، مع زيادة الواردات بنسبة 233 في المائة وزيادة الصادرات بنسبة 53 في المئة. ‏وفقا للإدارة العامة للجمارك الصينية ، في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، بلغت التجارة بين الصين وأفريقيا ما يقرب من 65 مليار دولار، بزيادة 23٪ عن نفس الفترة من عام 2021, تركز استثمارات الصين في أفريقيا على البنية التحتية والاتصالات السلكية واللاسلكية , حيث تم اكتمال المشاريع المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق ، والتي تشمل مشاريع بناء خط السكك الحديدية الساحلية في نيجيريا، وميناء باجامويو في تنزانيا، ومناجم البنية التحتية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسكة حديد تشاد والسودان، وسد “مفاندا نكوا” ومحطة الطاقة الكهرومائية و جسر “فاونديوني” في السنغال، وهو أكبر جسر في غرب أفريقيا , استكمال طريق نيروبي السريع الذي يبلغ طوله 27 كيلومترا والذي يربط مطار “جومو كينياتا” الدولي من شرق نيروبي إلى غربها , و استكمال الطريق السريع “كريبي – لولابي” في المنطقة الجنوبية الغربية من الكاميرون .هذه المشاريع التي تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات ساعدت في تحسين شبكة الطرق وتسهيل تدفق حركة المرور وانسياب الخدمات اللوجستية والنقل بالحاويات للمستوردين والمصدرين مما أدى إلى زيادة التبادلات الاقتصادية والتجارية ودعم النمو الاقتصادي الإقليمي في دول الكاميرون والسنغال وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو ومالي . ويعد توقيع اتفاقية التبادل مع 12 دولة أفريقية بشأن تعرفة صفرية ل 98 في المئة من الصادرات الأفريقية إلى الصين في عام 2022 ،خطوة هامة تعزز الوجود الصيني في أفريقيا وتضمن للاقتصادات الأفريقية سوقا جاهزة لمنتجاتها الزراعية من خلال الممرات الخضراء. و تتفوق الصين على الجهات الفاعلة الأخرى في المجال الاقتصادي مع أفريقيا بحجم تجاري يبلغ 255 مليار دولار, ومن غير المتوقع أن يصل أي من الجهات الفاعلة الأخرى إلى هذا الرقم في المستقبل القريب ، الأمر الذي يصب لصالح استمرار التواجد الصيني في أفريقيا .
الواقع يشير إلى إن الصين تتفوق في المجال التجاري والاقتصادي في إفريقيا على أمريكا وفرنسا والدول الأوروبية الأخرى , ساعد في ذلك ، تقبل الدول الأفريقية بوجود هذا الفاعل الجديد ، الذي لا يحاصرها بإملاءات مقيدة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية المالية ، ولكن مع مرور الوقت ، بدأت العلاقات مع الصين تكون في موضع تساؤل بسبب دبلوماسية الديون واتفاقيات الاستثمار غير الواضحة . أيضا ساهمت السياسة الخارجية لأمريكا في التفوق الصيني في أفريقيا , حيث حولت إدارة ترامب تركيزها من أفريقيا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ , في ذات الفترة التي فقدت فيها فرنسا النفوذ في إفريقيا نتيجة إخفاقاتها في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية مما ساهم في زيادة النفوذ الصيني .
الوجود الأمريكي في وسط وغرب أفريقيا:
اقتصر التواجد الأمريكي في المنطقة على المساعدة في مجهودات الحرب على الإرهاب والاكتفاء بالمساعدات الإنسانية مع عدم الدخول في شراكات اقتصادية كبرى بسبب منظومة سياسة القيم الخارجية الأمريكية واشتراطاتها الاستثمارية التي ترتبط بالديمقراطية والشفافية المحاسبية وحقوق الإنسان والتي انعكست على تواجدها بالقارة بشكل عام وعلى منطقة غرب ووسط أفريقيا على وجه الخصوص , مؤخرا , بدأت إدارة جو بايدن تنتبه لخطورة استراتيجيتها في افريقيا على أمنها القومي , وبدأت في اتخاذ خطوات جادة من أجل العودة الفعالة إلى إفريقيا من خلال تنظيمها لقمة القادة الأمريكيين الأفارقة الثانية التي تعهدت فيها بتقديم 55 مليار دولار كمساعدات في السنوات المقبلة ستكون غالبيتها من نصيب منطقة وسط وغرب أفريقيا , الي جانب دعمها للمطالب الأفريقية حول التمثيل الدائم في مجموعة العشرين ومجلس الأمن الدولي والتعاون مع دول القارة في العديد من المجالات.
بلغت التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 44.9 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة 22٪ عن عام 2019. لكن الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة انخفض بنسبة 5.3٪ إلى 30.31 مليار دولار في عام 2021.
المخاوف الامريكية من التواجد الصيني في غرب ووسط أفريقيا:
التخوفات الامريكية من التمدد الصيني في المنطقة لا تتعلق فقط بالموارد والثروات المعدنية الطبيعية بل تتعداها لتشمل مخاوفها من التمدد العسكري , فقد أقر البنتاغون بأن جهود الصين المتزايدة لإقامة قواعد عسكرية في أفريقيا المسنودة بعلاقات اقتصادية قوية في جميع أنحاء القارة ، تغذي المخاوف الأمنية الأمريكية لأنها تمثل انتشارا عسكريا خارج دائرة الصراع التقليدي ( بحر الصين الجنوبي ) ونقله لجغرافيات أخرى بشكل يهدد المصالح الامريكية وأمنها القومي .فقد عبر البنتاغون مرارا عن قلقه بشأن مقدرات الصين العسكرية حول تأمين البحار المجاورة بصواريخها وسفنها البحرية وكيفية حصرها في مناطقها التاريخية لتفاجأ بتمددها الاقتصادي في سواحل أفريقيا الغربية بعد أن توجت نشاطها في السواحل الشرقية بقاعدة بحرية في جيبوتي .
تمثل القواعد البحرية نقطة نفوذ دولي , وقاعدة عمليات توفر الحصول على بدايات هائلة في خطط تشغيلية مختلفة كمركز عمليات متقدم يوفر الدعم الأمني للدول المضيفة والمجاورة وبدائل حربية عند اندلاع الحرب , وهو السيناريو الذي تخشاه أمريكا وتسعي اليه الصين من خلال العمل على خلق توازنات قوى جديدة تساعدها في استراتيجيتها المتعلقة بوحدة الأراضي الصينية لاستعادة أراضيها التاريخية في الهند واليابان وتايوان , الحلفاء الدائمين لأمريكا .
الخلاصة:
زيارة وزير الخارجية الصيني تبدو في شكلها الظاهري ، خطوة دبلوماسية لتعزيز الصداقة التقليدية مع أفريقيا وتنمية العلاقات الصينية-الأفريقية , إلا أنها تأتي في سياق الصراع الأمريكي الصيني الكبير وسباق النفوذ والسيطرة على أفريقيا , وستكون لها تأثيرات على مجريات الداخل الإفريقي والعلاقات الصينية الامريكية حال تمكن الصين من التواجد العسكري ، يتوقع مقاومة أمريكية لأي محاولات للتواجد الصيني في السواحل الغربية لأفريقيا عبر استراتيجية الاحتواء التنموية لدول المنطقة من خلال حزم دعم اقتصادية مشروطة أو عن طريق السيطرة السياسية على أنظمة الحكم حتى لو اقتضى ذلك تقويض أو تغيير أنظمتها السياسية , فهي لن تسمح بتهديد مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا أو بمقايضة تايوان بسواحل أفريقيا الغربية أو بتكرار أزمة الصواريخ الكوبية .
التمدد الصيني في سواحل أفريقيا الغربية سيقوي موقف النخبة الامريكية التي ترى أن تأخير المعالجة الفنية لازمة تايوان خطأ استراتيجي وأن التعويل على سلاح الزمن عامل يصب في مصلحة الصين التي استطاعت في ظرف ثلاثين عاما من تطوير سلاحها البحري وإنشاء قواعد عسكرية خارج مياهها الإقليمية.‏
أفريقيا شرقا وغربا باتت ساحة تنافس بين القوتين العظميين، ستجد تعبيراتها في بيئة الاستقرار الهش لدول لا زالت تعاني من الصراعات العرقية والدينية والحدودية وتهديد الإرهاب العابر للحدود .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.