ردا على مقال الوليد مادبو: (ماذا تقدم العلمانية لأصحاب السعية والنفوس الرضية)

0 104

كتب: الجاك محمود أحمد الجاك

.

طالعت مقالا للدكتور الوليد آدم مادبو بعنوان: (ماذا تقدم العلمانية لأصحاب السعية والنفوس الرضية؟). المقال تم نشره أمس الإثنين ٢٣ يناير ٢٠٢٣ فى عدد من الوسائط الإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعى. زعم كاتب المقال أن قوى الحرية والتغيير وبعد عجزها عن إقناع الكتلة الديمقراطية، لجأت إلى إستبدالها بجماعة الحلو التى ما زالت متمسكة بخيارى العلمانية وتقرير المصير. وإستطرد الوليد قائلا: (يجب أن نفكر فى السبل الدستورية التى تحقق الفيدرالية الثقافية والسياسية والإقتصادية، ففكرة إستبدال مجموعة بأخرى حيل إنقاذية قديمة أثبتت عدم جدواها طيلة الثلاثة عقود). الحقيقة لا علاقة للقاء الذى تم بين الحركة الشعبية وحزب الأمة بقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزى، فهذا إدعاء عار من الصحة، و واضح أن الكاتب يعتقد أنه بهذا الإدعاء يمكن تضليل الرأى العام وشيطنة الحركة الشعبية، وتأليب الشارع وقوى الثورة ضدها، لكن سيظل مبتغاه كعشم إبليس فى الجنة، فالحركة الشعبية تنظيم سياسى مستقل وتعرف من تلتقى ومن تحاور من القوى السياسية دون إملاء من أحد ولكنها لا تفكر بالطريقة السطحية التى صورها كاتب المقال. يقول الوليد إن جماعة الحلو يتبنون العلمانية بصورة دوغمائية لا تراعى مستوى وعى المواطن أو دائرة إهتماماته المعيشية.

شد إنتباهى أسلوب التهكم حيث حاول كاتب المقال إستصغار وتقزيم الحركة الشعبية التى نعتها بجماعة الحلو. من حق الكاتب أن يختلف مع الحركة الشعبية، لكن تبقى الحقيقة شاء الوليد مادبو أم أبى أن الحركة الشعبية قوة رئيسية وصاحبة رؤية ومشروع وطنى حقيقى وأصيل يعبر عن تطلعات الأغلبية المهمشة وطموحات المتضررين من الأوضاع القائمة فى السودان. وفى أسلوب ساخر حاول الوليد مادبو الإستهزاء بتمسك الحركة الشعبية بطرح العلمانية بما يتوافق ويتسق مع العنوان الساخر الذى إختاره لمقاله (ماذا تقدم العلمانية لأصحاب السعية والنفوس الرضية؟)، وقال إن جماعة الحلو يتبنون فكرة العلمانية بصورة دوغمائية لا تراعى مستوى وعى المواطن، أو دائرة إهتماماته المعيشية، وكأنه يريد أن يقول إن تطبيق النظام العلمانى فى السودان سابق لأوانه، وأن الأولوية الآن للتركيز على إهتمامات المواطن المعيشية وكأن بالخبز وحده يحيا الإنسان. وفى دفاع مستميت عن ثوابت العروبة والإسلام، يتساءل الوليد كيف يمكن فصل القيم عن تصميم وتنفيذ السياسات؟!

حسنا كشف هذا المقال حقيقة الوليد مادبو الذى ظل يتدثر طويلا بثوب المفكر والمثفف، والعالم المهذب والوطنى المحايد، ولولا ما سطره فى هذا المقال لما صدقنا أنه من دعاة الحفاظ على الوضع القديم ومتماهى مع الآيديولوجية الإسلاموعروبية. لقد وضع د. الوليد مادبو نفسه بهذا المقال فى مصاف علماء الضلال والأنبياء الكذبة وفقهاء السلطان ممن يصارعون طواحين الهواء فى سبيل الدفاع عن ثوابت العروبة والإسلام.

لا شك أن د. الوليد مادبو يعلم أن تمسك الحركة الشعبية بمبدأ علمانية الدولة ليس إعتباطا أو مزايدة سياسية كما يصور فى مقاله، فالحركة الشعبية تدرك جيدا طبيعة الصراع القائم فى السودان وتعلم كيف تم إستغلال الدين لفرض هوية الأقلية الحاكمة وثوابتها على جميع الشعوب السودانية، وكيف تم إستخدام الدين فى تأسيس بنية الدولة القديمة التى تعبر عن مصالح الجماعة المسيطرة. هى تدرك كيف تم إستخدام الدين لتحديد توجهات الدولة وفرضه كمصدر رئيسى للتشريع وخلق ترسانة قوانين ذات مرجعية دينية تعمل على إخضاع وإذلال وإضطهاد الآخر الثقافى والعرقى والدينى ووضع الموانع الهيكلية التى تحول دون تكافؤ الفرص وحيازة الأغلبية المهمشة للسلطة والثروة. الحركة الشعبية ترى أن النظام العلمانى يتسق مع طبيعة الدولة الوطنية الحديثة التى نشأت بموجب معاهدة ويستفاليا فى العام ١٦٤٨، وتدرك أنه لا يمكن بناء دولة القانون، أو تحقيق العدالة والمساواة ودولة المواطنة والديمقراطية الراسخة فى ظل تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية. وتعلم الحركة الشعبية أن الجماعة المسيطرة ترفض العلمانية لأنها ترى فى تطبيقها مساس ببنية الدولة القديمة وتهديد لإمتيازاتها. إذا الإجابة على سؤالك الساخر ماذا تقدم العلمانية لأصحاب السعية والنفوس الرضية، هى أن العلمانية ستزيل تشوهات الدولة القديمة وتضع أساس متين لدولة قابلة للحياة، وستحقق لأصحاب السعية والنفوس الرضية وكل الشعوب السودانية دولة القانون ودولة العدالة والمساواة ودولة المواطنة المتساوية. سيلغى النظام العلمانى القوانين الدينية التى تفرق بين المواطنين. وسيفكك المركزية القابضة ويمنع المركز من صناعة الفتن وتصدير المشاكل والحروب إلى أصحاب السعية والنفوس الرضية حتى لا يتقاتلوا فيما بينهم كما يحدث فى دارفور وجبال والفونج. النظام العلمانى سيحاسب كل من أجرم فى حق الوطن والمواطن، وفوق ذلك ستفتح العلمانية آفاق للنماء والتطور واللحاق بركب الدول المتقدمة كما حدث فى تركيا وماليزيا، لما لا والسودان دولة غنية بمواردها وثرواتها وتتمتع بأهمية جيوسياسية كبيرة؟!

من حق الوليد مادبو الدفاع بإستماتة عن ثوابت العروبة والإسلام والتواطؤ مع المشروع الإسلاموعروبى إمعانا فى تكريس هيمنة الأقلية الحاكمة وحماية مصالحها وإمتيازاتها المادية والمعنوية، لكن يتعين أن يدرك هذا الوليد الذى لم يكترث ولم يتحسب لتداعيات ما سطره قلمه أن الأغلبية المهمشة وضحايا فتوى إعلان الجهاد، وضحايا التطهير العرقى والإبادة الجماعية التى ظل يمارسها أهله منذ مذبحة الضعين، وضحايا قوانين الشريعة الإسلامية وكل المتضررين من الأوضاع المختلة القائمة فى السودان لن يعودوا من منتصف الطريق، ولن يقبلوا بالخضوع مرة أخرى لمشروع قريش وأبوجهل وأبو لهب وحمالة الحطب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.