0 67
كتب: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
.
■توطئة :
هذا المقال عبارة عن ملخص لورقة داخلية قمتُ بإعدادها في عام 2012م حملت عنوان: “دور الإدارة الأهلية فى التغيير القادم” كمساهمة في إطار الإستفادة من وضعية الإدارة الأهلية لإحداث تغيير جذري بالسودان وحل المشاكل والنزاعات ذات الطابع العرقي ، التي قادت إلى تفكيك المجتمعات ونسيجها المترابط نسبياً.
●الادارة الأهلية قد لعبت دوراً كبيراً في تسيير حركة دولاب الحياة في السودان عبر الحقب التاريخية الماضية ، وكلنا يعرف دور المشائخ والعمد والنظار والسلاطين وغيرهم من المسميات ، في إدارة شؤون القبائل والمكونات الإجتماعية في القري والحواكير والديار ، والحد من ظاهرة الجرائم والمشاكل الإجتماعية وحل الخلافات التي تنشب داخل الكيان القبلي الواحد أو بين مكونين قبليين أو أكثر، وذلك من خلال الحلول والمعالجات السلمية بالوساطات والجوديات والأعراف المحلية.
●لقد حدثت الكثير من الإضطرابات والتحديات في مجتمعاتنا بعد تسييس الإدارة الأهلية وإلغاء دورها التقليدي وإبداله بما يسمي ب”اللجان الشعبية” ، ويعتبر إقليمي كردفان ودارفور من أبرز الأمثلة للدور السالب لعملية تسييس الإدارة الأهلية ، التي تم إستغلالها في دعم المجهود الحربي وتجنيد المقاتلين من أبناء القبائل وتسليحهم كمليشيات حكومية ، وقد تم منح بعض الإدارات الأهلية رتب ونمر عسكرية ، وُزِعت لمنسوبيها وبعض المبالغ النقدية كنوع من التحفيز للإنخراط في هذا العمل المليشوي ، وبذلك أصبحت الإدارة الأهلية طرفاً في الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر؛ وهذا قاد لإزداد حالة الإحتقان القبلي والعشائري والجهوي ، وتعمقت الأزمات والصراعات بين المجتمعات ، وبرزت الإصطفافات والتقسيمات العرقية ، بفعل الإختلالات التي حدثت للإدارة الأهلية ، التي صارت جزءًا من المشاكل بدلاً أن تكون جزءًا من الحلول ، فكثرت النزاعات القبلية والعرقية حول ملكية الأرض والمسارات والمراعي وموارد المياه ، فغاب السلام الإجتماعي والتسامح الذي ساد منذ مئات السنوات ، حيث كانت كلمة الإدارة الأهلية مسموعة ، وكان رجل الإدارة الأهلية يتسم بالحكمة والدراية بالأعراف والإحترام ، ويعمل من أجل تحقيق أجندة مجتمعه وعشيرته في السلم والإستقرار وليست تنفيذ الأجندة السياسية للسلطة السياسية الحاكمة.
■ماهية الإدارة الأهلية:
هنالك عدة تعريفات للإدارة الأهلية ، وهي من أقدم أنماط الحكم والإدارة التي عرفتها البشرية ، فالإدارة الأهلية بالسودان وُجدت قبل وجود الدولة السودانية الحديثة ، منذ أن كان السودان يتكون من ممالك وسلطنات مستقلة.
الإدارة الأهلية هي نمط من أنماط الحكم غير المباشر ، ولديها بعض الصلاحيات والسلطات الإدارية والأمنية والقضائية ، وهى تقوم على أساس “سلطة القبيلة” ، وأن زعيم القبيلة هو رئيسها الإداري وصاحب السلطة القضائية فيها ، ويختلف مسمي وتسلسل الإدارة الأهلية من قبيلة لأخري حسب ثقافة المجتمع العشائري.
الإدارة الأهلية تعني إصطلاحاً: المؤسسات القبلية التي توارثتها الجماعات الإفريقية وطورها الساسة البريطانيون إلى أن أصبحت عبارة عن أجهزة محلية تنظم نشاطات الأفراد والمجموعات القبلية ، وتعمل على بسط الأمن والإستقرار وحماية البيئة المحلية إجتماعياً وإقتصادياً وفق التقاليد والأعراف والموروثات ، بصلاحيات إدارية وأمنية وقضائية تستمد قوتها من السلطة المركزية الحاكمة تخويلاً أو تفويضاً.
■دور الإدارة الأهلية المرتقب:
أعتقد أن الإدارة الأهلية بالسودان لا تزال تلعب دوراً مهماً رغم العثرات والتحديات التي واجهتها ، وما تعرضت له من تسييس وتدمير ممنهج ، واستغلال سالب أضر بمصالح المجتمعات القبلية والعشائر والسودان ككل.
هنالك بعض رجالات الإدارة الأهلية الذين عرفوا بالحكمة والإستقامة الإدارية ، ولم ينحرفوا أو يصبحوا مطية للأجندة السياسية ، وعملوا بصدق وتجرد من أجل حلحلة المشاكل والمحافظة على لحمة وتماسك مجتمعاتهم ولا يزالون.
●من أجل تطوير الإدارة الأهلية كي يكون لها دوراً إيجابياً وفاعلاً في استقرار المجتمعات ودعم التعايش السلمي ، وللحد من النعرات العنصرية والنزاعات العرقية وتفشي ظاهرة “قبلنة الصراعات” دون إغفال لمبدأ ملكية الأرض والحواكير ، وتماشياً مع التطور الكوني والتمدد السكاني ، وكنظرة موضوعية للمستقبل بعيداً عن التقوقع القبلي ، فإننى أري الآتي:
●أن تقوم الإدارة الأهلية على مبدأ جغرافي وليس قبلي ، بمعني أن يكون زعيم الإدارة الأهلية مختاراً ومسئولاً عن كل رعاياه في الرقعة الجغرافية المعنية ، بغض النظر عن قبائلهم وأصولهم العرقية ، كي نحد من ظاهرة النعرات القبلية والعرقية المتفشية ، وأن يقوم متخصصون في مجالات القانون والحكم والإدارة والإدارات الأهلية ، بوضع تصور لمعالجة الإشكالات والإفرازات التي سوف تفرزها عملية الإنتقال لهذا النمط ، فيما يتعلق بملكية الأرض والحواكير على الأساس القبلي والعشائري التقليدي.
●أن تخضع جميع مستويات الإدارة الأهلية للإنتخابات “دمقرطة الإدارة الأهلية” والإختيار الحر من جميع المواطنين في المنطقة المعنية مع إعطاء المرأة حق الترشح والمنافسة على قدم المساواة مع الرجل ، وأعتقد أن هذا الإجراء يساعد في بناء مجتمع ديمقراطي من شأنه تجذير الديمقراطية في السودان ، فواحدة من إشكالات الديمقراطية بالسودان من وجهة نظري أن المجتمع السوداني غير ديمقراطي ، فهو يقوم على وراثة السلطة المحلية ، وبذلك لا يري ضيراً أن يستمر زعيم الإدارة الأهلية في منصبه حتي مماته ، ثم يأتي إبنه أو شقيقه أو شخص من ذات الأسرة الحاكمة ، وقد وجدت الإنقلابات العسكرية والدكتاتوريات ضالتها في هكذا مجتمع متسامح مع مسألة تكريس السلطة في يد فرد واحد لعشرات السنوات ، ولا يري أن ذلك خروجاً عن المألوف ، وهذا واحد من تفسيراتي لأسباب طول أمد الدكتاتوريات بالسودان.
أيضاً هذا النوع من أنماط الإدارة ، يُمكِّن المجتمعات من إختيار حكامها وممثليها المحليين ، وليس الإذعان لفرض شخص عليهم بالوراثة بغض النظر عن نجاحاته أو فشله في الإدارة ، كما إنه يضمن إختيار زعماء أكفاء ومؤهلين وأقوياء.
●تحديد مدة الإدارة الأهلية ب”خمسة سنوات مثلا” قابلة للتجديد مرة واحد فقط ، بهدف ارساء قيم الديمقراطية وتداول السلطة المحلية وفتح مجال المشاركة والتنافس للآخرين ، وتجديد الدماء والطاقات ، بما يساهم في تطوير المجتمعات ، والاستفادة من تجارب الدول المشابهة التي طورت من أنماط إدارة مجتمعاتها المحلية.
●الفصل بين السلطتين القضائية والإدارية فى المحاكم الشعبية ، بمعنى إذا استمرت الحوجة للمحاكم الأهلية ، لا يجمع زعيم الإدارة الأهلية بين هاتين السلطتين ، وأن تخضعا في المحاسبة والتعيين لجهتين مختلفتين “فى الإدارة للشعب وفى القضاء للسلطة القضائية”.
0 67